منذ ميلاد أول حكومة سودانية, ولد معها فقه التحالف و التكتل و التحاصص والائتلاف والتآمر, وقاد هذا النهج الحزبان الكبيران آنذاك وما يزال الرهق والتعب الذي اعترى الأمم و الشعوب السودانية يراوح مكانه, ما تسبب في إضعاف آخر حكومة ديمقراطية رأسها السيد الإمام الصادق المهدي, طاقات خرافية بذلت واهدرت في حياكة المؤامرات وتكبير الكوم, في بلد يحتضن اضخم ثروات العالم من المادة الخام التي هي في أشد الحاجة لمن يستفزها, ليجعل الأرض تستفرغها لترفد بها موانئ العالم الاقتصادية والصناعية بالغالي و النفيس, كي تعود على المواطن المسكين بالمأكل و المشرب و الكساء و الدواء و التعليم.
لقد تلكأت حكومة الانتقال في حسم ملف السلام و تشكيل البرلمان وتعيين الولاة المدنيين, بسبب انشغالها بإخراج توليفة فسيفسائية ترضي بها هذا العدد الهائل من الاحزاب والحركات الحاملة للسلاح, فقامت بتأجيل إصدار المراسيم الدستورية المطلوبة لحسم هذا الملف وتكوين هذه المؤسسات وتعيين من يقودونها, والجهد الذي تقدمه حكومة الانتقال في محاولات ارضاء جميع هذه المكونات السياسية والعسكرية, يشبه الى حد بعيد محاولة الفرد منا ارضاء جميع الناس من حوله الغاية التي يستحيل إدراكها, والحكمة تقول من يسير في درب استجداء استرضاء الكل لا يجني سوى الفشل.
كان من الأولى أن يسبق حسم ملف السلام تشكيل مجلس الوزراء (الحكومة), وما دامت قوى إعلان الحرية والتغيير قد سلكت طريق التحاصص و التقاسم والتكالب, كان واجب عليها ولزاماً أن تدخل حركات الكفاح المسلح في قسمة كعكة السلطة الانتقالية, فمقاومة هذه الحركات العسكرية لحكومات الخرطوم على مر التاريخ, هو كفاح مشروع من اجل تقاسم السلطة والثروة (وما في حد احسن من حد), بكل صراحة و وبكل وضوح, فاذا ما هدى الله (قحت) وقامت بوضع هذا المحور في قمة أجندتها, تكون قد أزاحت عن كاهلها عبء مسؤولية انجاز اكثر الملفات تحدياً, التحدي الذي أسقط جميع الحكومات العسكرية و المدنية تباعاً منذ فجر الاستقلال.
حكومة حمدوك تواجه مشكلة اقتصادية موروثة, و تتحمل تبعات تركة ثقيلة من الديون و الالتزامات المالية للنظام البائد, فعلى حاضنتها السياسية (قحت) أن لا تهدر زمنها و قوتها في اطالة أمد الصراع التفاوضي مع القوى الحاملة للسلاح, وعليها أن تصل معها لأتفاق سريع وخاطف من أجل شراكة انتقالية حقيقية , وعليها كذلك أن تعلم بأن التهاون والتراخي في حسم ملف من عاشوا سنيناً في الأدغال تحت ظل البندقية, سيزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً, وسيتجدد العراك المسلح مرة اخرى وتفقد البلاد آخر فرصة لتحقيق السلام والوحدة الوطنية.
هناك تسريبات تشير الى قرب موعد اعلان قائمة اسماء ولاة الولايات المدنيين, إن حدث هذا قبل الوصول الى اتفاق مع حركات الكفاح المسلح وسبق عقد جلسات التشاور الشعبي مع الكيانات الأهلية, تكون قد حلت على الأمم و الشعوب السودانية لعنة استمرار الحرب الأهلية , ونكون قد أعدنا تدوير نفس الطريقة القديمة لعقلية و سلوك رجال الحكومات المركزية, و عملنا على توطين ذلك المنهج العقيم في كيفية إدارة شأن هذا القطر القارة.
*إسماعيل عبد الله*
أحدث التعليقات