هلا أطلقتم سراحه ياسادة؟
تحبير الواقع
أجل، إنه لسان يفصح الحال بكلمات الحق والبينة، وسيف يدافع عن الظلم والقهر ،وإنه لحصن منيع يحتمي به المظلوم ويزود عن حياض عزة الوطن وكرامة المواطنين. إنه الإعلام الذي يستطيع بسطوته وقدرته جعل الأبرياء مذنبين والمذنبين أبرياء إذا غابت المهنية والمصداقية والشفافية، بالتالي يصبح العمل الإعلامي عملا دعائيا يخدم أجندات مختلفة لأحزاب بعينها ،أو جماعات محددة ،أو شخصيات مرموقة في المجتمع.
الذين يدركون تماما ماهية أهمية الإعلام وقوته السحرية في تغيير السلوكيات الهدامة السلبية ،مثل العنف والجهل ،والعادات الضارة المهددة بسلامة وأمن مجتمعاتهم المحلية وترقيتها- يبذلون كل طاقاتهم وتسخير كل إمكاناتهم المادية والفكرية لانزال هدف التغيير المنشود بتكثيف الجوانب التوعوية بضرب الأمثال الحية للمجتمعات كانت بالأمس متناحرة وأصبحت اليوم متآلفة و متحابة اجتماعيا، وناهضة فكريا واقتصاديا في طليعة قيادة العالم ،بل تتعدى تلك الخطوة إلى إنشاء قنوات إعلامية دولية تعكس مدى درجات الوعي والتطور الذي يفاخرون به بين الأمم.
لكن بالمقابل أين نجد اعلامنا اليوم أيها السادة؟ ومن هم المسؤولين أو الخبراء الممسكين بدفة هذه المؤسسة التوعوية العريقة في ظل القفزة والجبروت لمنصات الإعلام الحديث؟
ولاية شمال دارفور ،مثلا لها إدارة مسماة بإعلام “تابعة” لوزارة التربية والتوجيه ، تجدها في بناية توشك على الانقضاض والانهيار التام ، فقيرة التأسيس والتأثيث والتجهيز والتمويل،مع وجود كوادر إعلامية شابة مؤهلة يحملون شهادات جامعية متخصصة ،ودرجات علمية ما فوق الجامعية ،ويا أسفا تجدهم يقبعون خلف هذه الأسوار الهالكة بسبب سياسات البائد الذي أحال مبنى وزارة الثقافة والإعلام إلى غرف أشباح في منزل أثري قديم بعد سلب مبناها الحقيقي وتم تقديمه لوزارة الشؤون الاجتماعية التي بيعت أراضيها لبنك السودان الجديد! كما اتكى البائد على واجهاته التنظيمية بفتح مكاتب إعلامية أو مراكز يوظف فيها مواليه ،وينفق عليهم المليارات الجنيهات سواء إن كان عبر التدريب الداخلي أو الخارجي أو التحفيز دون عطاء بارز لهم يذكر.
إن إدارة الإعلام قصد منها الفشل ومسك الريح ، وكأن التصرفات الحالية للحكومة الانتقالية تصديق الأكاذيب وافتراءات العهد البائد بأن إدارة الإعلام تفتقر وتفتقد إلى كوادر إعلامية فلا تستحق فلسا واحدا لبرامجها ،أو تدريبا لموظفيها ،أو وسيلة حركية تعينها في ترحالها.
كل هذه الأكاذيب والافتراءات هو محض تبرير لعجزهم لاستقطاب الإعلاميين في منظومتهم الحزبية المنحلة والمبادة.
مدير إدارة الإعلام ،الأستاذ محمد بابكر عمر قال في اجتماعه اليوم مع الإعلاميين : إن الايرادات المخصصة لإدارته لم تصل منها سوى ٣٠% من المالية الولائية، وبطريقة غير منتظمة (يعني شهر يستلم والأخر مافي ) لذلك لم تتمكن الإدارة على تنفيذ نشاطها علي الوجه الأكمل.
أتدرون كم المبلغ المصدق شهريا لإدارة الإعلام من وزارة المالية الولائية؟ الإجابة هي (١٠٠٠٠ألف) جنيه لا غير .. يعني تقريبا الموازنة السنوية لإدارة الإعلام هي (٦٠٠٠٠ألف) جنيه تلك المبلغ الضئيل.
تذهب جلها إلى تكاليف وقود لسيارة واحدة لمدير الحسابات ، بالإضافة إلى سداد فواتير المياه والكهرباء .هذه كل المحصلة وإن كان غير ذلك فلتفصح لنا المالية الأرقام التي خصصتها لتمويل أنشطة إدارة الإعلام إن كان تدريبا أو تمويلا لنشاط إعلامي واحد. ولا ندري إلى أين تذهب النسبة المتبقية ال ٧٠٪ ؟ ولا ندري أيضا موعد زيارة المسؤول الأول بالولاية لإدارة الإعلام ليرى بأم عينيه الأوضاع المآساوية التي يعيشها الإعلاميون بالولاية؟ ولماذ يهرب الإعلاميون من هذه الإدارة والبحث عن وظيفة إعلامية أخرى بمؤسسات أخرى؟
ولكن كل ما ندري هو إذا حل مكروه لا قدره القادر القدير ؛ نسمع الإسطوانات المتكررة والتصريحات الرتيبة مفادها :على الإعلام أن يلعب دوره في إشاعة ثقافة روح السلام والمحبة ! دون وجود خطط مرسومة مسبقا، وإن وجدت تفشل أمام التمويل.
وكل ما نعلمه أيضا السيد الوالي بأنكم تساندون بعض الأجهزة الإعلامية بسخاء ،ولكنكم تغضون طرفكم عمدا لإدارة الإعلام الأم الحاضنة والصانعة.
لماذا ؟ تلك السياسات البائدة تعاد وتعزز نتاجها من جديد عبر بوابة الإعلام التي ما زالت حبيسة النظام المحلول المباد ؟
هلا أطلقتم سراح الإعلام بعد أسره طويلا من الطغاة الجبابرة و استرداد سلطته ونفوذه وثروته المسلوبة ؟
أحدث التعليقات