الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةاخبار السودانسكان الكنابى فى وسط السودان "الحقوق التاريخية ومعاناة الواقع! اعداد/ محمد احمد...

سكان الكنابى فى وسط السودان “الحقوق التاريخية ومعاناة الواقع! اعداد/ محمد احمد الفاضل

الخرطوم: جبراكة نيوز

تقرير: سكان الكنابى فى وسط السودان “الحقوق التاريخية ومعاناة الواقع!

اعداد: محمد احمد الفاضل

في العام 1931، وأثناء الأزمة الاقتصادية العالمية، ترك عدد كبير من المزارعين في مشروع الجزيرة مهنة الزراعة، فقامت شركة الجزيرة الزراعية، القائمة على تشغيل المشروع آنذاك، بتشغييل الآلاف من العمال، الذين كانوا قد نزحوا من أقاليم دارفور وكردفان إلى أواسط السودان، حيثُ قامت الشركة بتمليكهم بعض الأراضي الزراعية بغرض تشجيعهم على مواصلة الزراعة في المشروع، حتى يتسنى لها سد الفجوة التي خلقها هَجَر مزراعي مشروع الجزيرة لأراضيهم الزراعية، حتى بلغ عدد العُمّال الذين يمتلكون أراضٍ زراعية في مشروع الجزيرة 3000 عامل في العام 1945. لكن، وبعد أعوام قليلة، وفي العام 1948، قامت السلطة الحاكمة آنذاك باستصدار قانون يمنع توريث الأرض الممنوحة للعامل الزراعي لأبناءه، ومنذ ذلك الحين بدأت عملية الفرز الاجتماعي والاقتصادي الطبقي لمن عرفوا لاحقًا بـ “عمال وسكان “الكنابي”.

خلفية تاريخية:
كلمة “كنابي” هي جمع لكلمة “كمبو”. وهي في الأصل قادمة من الكلمة الإنجليزية (camp) بمعنى معسكر أو مخيم. وسكان وعمال الكنابي هم مجموعات بشرية قامت بالهجرة من منطقة دارفور في غرب السودان ومنطقة كردفان في أواسط السودان. وتعود بدايات هجرتهم إلى العام 1885 أثناء العهد المهدوي، فبعد تحرير الخرطوم على يد قوات المهدي قامت هذه المجموعات بالهجرة إلى الخرطوم مناصرةً ورغبةً منها في الاندماج مع الدولة الجديدة. لكن بعد سقوط الدولة المهدية وجدوا أن طريق العودة إلى مناطقهم أُغلق من قِبل السلطات الإنجليزية، فما كان منهم إلا أن انتشروا في مناطق عديدة في أواسط وشرقي السودان، لكن وجودهم الأساسي تركز في ولاية الجزيرة، حيث وجدوا في مشروع الجزيرة فرصة ووسيلة لكسب العيش.

وبما أن هذه المجموعات وافدة على المنطقة، فلم تكن تمتلك أراضٍ زراعية في المشروع، فعملوا أجراء في الأراضي الزراعية المملوكة للقاطنين القدامى.
ولم تكن الجزيرة هي الولاية الوحيدة التي هاجر إليها عمال الكنابي، إذ استمرت هجراتهم في ولايات عديدة من السودان، ارتبطت جميعها بظهور المشاريع الزراعية، كما انتشروا لاحقا في مدينة حلفا الجديدة، بالقرب من مشروع حلفا الجديدة الزراعي، وبولاية سنار، بالقرب من مشروع 44 تكتوك ومشروع مؤسسة السوكي الزراعي، وغيرها من المشاريع. إلى أن بلغ انتشارهم في أكثر من خمس ولايات سودانية.

من ناحية التعداد؛ لا توجد حتى الآن إحصاءات رسمية أو دقيقة لعدد العمال الزراعيين ساكني الكنابي في وسط وشرق وشمال السودان، لكن هناك بعض الإحصاءات التي قام بها ناشطون ومهتمون بقضايا سكان الكنابي، تراوحت فيها الأرقام ما بين 2.5 و3 مليون نسمة.

أوضاع الكنابي:
يعيش العمال الزراعيون في أغلب مناطق السودان في مجمعات سكنية ذات شكل شبه موحد، أنشأتها السلطات الإنجليزية بوصفها سكن جماعي مؤقت لهؤلاء العمال، لكن هذا السكن المؤقت لم يتم ايجاد بديل له فاستمر إلى الآن.

ويغلب على هذه التجمعات السكنية استخدام المواد التقليدية في بناء مساكنهم، كما صاحب هذا البناء التقليدي غياب للخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة وتعليم.

تتراص هذه البيوت مع بعضها بشكل يشبه حجرات القطر. وظلّ هذا النظام من البناء التقليدي هي الصبغة التي تصبغ منازل العُمال الزراعيين في كافة المناطق التي هاجروا إليها، بالإضافة إلى أن هذه التجمعات غالبًا ما تكون على بعد مئات الأمتار خارج المدينة أو المشروع الزراعي، مما أنتج حالة من الفرز الاجتماعي بينها وبين سكان المدينة أو القرية، وزاد من هذا الفرز الاجتماعي اختلاف السحنات والثقافات ما بينهم وما بين القاطنين القدامى.
وبالرغم من قُصر المسافة بين القرية أو المدينة وهذه التجمعات عادةً، إلا أنها على خِلاف المدن التي تقع بالقرب منها لا تتمتع بأي خدمة من الخدمات الحكومية الأساسية، كهرباء، مياه، صحة، تعليم وغيرها.

هذا الوضع الذي ظلّ ملازمًا لهذه الفئة الإجتماعية، منذ بدايات عملهم كعمال زراعيين، امتد إلى الآن، بالإضافة إلى استمرارهم كعُمال فقط، فكما ذكرنا سابقًا، وبالرغم من أن بعض العمال الزراعيين تم تمليكهم بعض الأراضي في العام 1931، إلا أن القانون الذي صَدر لاحقًا قام بمنعهم من توريث هذه الأراضي لأبنائهم، وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم أيضًا نزع عدد كبير من الحواشات التي تم منحها لبعض منهم.

ومنذ بدايات المشروع قامت الإدارة القائمة عليه بتخصيص نسبة 2% من صافي أرباح المشروع، لترقية أوضاع المزارعين، وبالرغم من أن العُمّال الزراعيون شركاء في العملية الإنتاجية، إلا أن هذه النسبة لم تشملهم، فقط اكتفت بتنمية المدن والقرى التي يقع فيها المشروع الذي يعملون به، دونًا عن مساكن العمال الزراعيين، والتي كانت تبلغ في ذلك الوقت 889 “كمبو”.
بالإضافة إلى هذا الإهمال الخدمي، ثمّة ضيم آخر يضمره العمال الزراعيون “سكان الكنابي” فالمعاناة لم تقف في الحد من منعهم تملك الأرض، -هذا نفسه جاء تمظهرًا لأزمة أعمق- فالسلطات الحاكمة في السودان، بما فيها الحكومات الوطنية، تعاملت مع هؤلاء العمال الزراعيين بوصفهم “أغراب” مشكوك في سودانيتهم. يقول د. جعفر محمدين الأمين العام لمؤتمر الكنابي لـ” سودان زووم”: “”ظللنا نعاني من عدم إعتراف بنا طوال تاريخ السودان، فحتى الآن يعاني سكان الكنابي من عراقيل وعقبات في سبيل استخراج الأوراق الثبوتية من رقم وطني وغيره، بل أن الواحد من سكان الكنابي، وبالرغم من أنه يحمل شهادة ميلاد سودانية فإنه رغم ذلك مطالب بإحضار عدد أربع شهود من العُصبة، عمة، خال، عم… بل حتى أنك لو أخطأت في اسم أحد الأفراد سيتم إلغاء الإجراء، ةهذا ما يمكن أن نصفه بالتغريب الممنهج “.

أزمة قديمة .. متجددة، واهمال سياسي:
قبل أيام برزت أزمة سكّان الكنابي إلى السطح مجددًا في الحادثة التي حدثت بولاية الجزيرة بمنطقة المعيلق، حيث قام عدد من أهالي المدينة الغاضبين بالتهجم على عدد من مساكن سكّان الكنابي، إثر خلاف ذا صلة ثقافية وتاريخية بمسألة تملك الأرض، إذ اعترض بعض سكّان المدينة على تملك أسرة من أسر العمال الزراعيين قطعة أرض، واتهم ناشطون في قضايا سكّان الكنابي جهات سياسية ذات طبيعة ثورية بالمشاركة في الإدعاء، الأمر الذي أدى لتراشق ما بين الناشطين والمهتمين وتلك الجهات السياسية.
وعن الحادثة، استبعد مدير مكتب مسؤول ملف السلام بالمجلس السيادي، والناشط في حقوق وقضايا سكّان الكنابي، محمد علي مهلة، في حديث خاص لـ “سودان زووم” أن تكون حادثة المعيلق ذات توجه سياسي ممنهج، واعتبر أنها ترسبات اجتماعية ثقافية، خلفها النظام المُباد لدى العديد من مجاوري سكّان الكنابي.

وبعيدًا عن الحادثة، وبالبحث في عدد من البرامج السياسية لعدد من الأحزاب، لاحظ كاتب المقال، غياب قضية الكنابي عن عدد من أطروحات الأحزاب السياسية ذات الثِقل، فحزبان كالشيوعي والمؤتمر السوداني، غاب عن أطروحاتهم البرامجية الأخيرة المجازة من قبل مؤاتمراتهم العامة المناقشة المفصلة لقضية العمُال الزاعيين، إلا إشارة خجولة في كلا البرنامجيين، ذكرت “العمال الزراعيين” وحقوقهم في أقل من سطرين، دون التفصيل أو التعيين بأنهم القوى الاجتماعية التي تعرضت لإقصاء تاريخي اجتماعي طبقي ثقافي.
ووكان في نوفمبر من العام الفائت قد دفع سكّان الكنابي عبر أحد الأجسام التي تمثلهم “مركزية مؤتمر الكنابي” بعدد من المطالب والحلول التي اقترحوها معالجة لأوضاعهم التاريخية، صنفوها لحلول عاجلة وحلول قصيرة المدى وحلول استراتيجية، كان أبرزها التمثيل السياسي في المواقع الدستورية في السلطات التشريعية والتنفيذية بنسبة 7%، كما طالبوا بتمثيلهم في الولايات بنسبة تعدادهم مع من قاطني الولاية.

وفي نهايات العام الفائت، كانت الحكومة الإنتقالية قد طرحت قضايا ومطالب سكّان الكنابي ضمن مسارات السلام في تفاوض جوبا بين الحكومة الانتقالية ومجموعة من القوى المطلبية، ضمن القضايا “ذات الخصوصية” مثلها مثل قضايا مشروع الجزيرة والنازحين والرحل، وكان من المفترض أن يتواصل التفاوض لولا الأوضاع الصحية التي استدعت مجموعة من الاحتياطات بسبب الجائحة العالمية كورونا.

وأوضح “مهله” في حديثه، أن التفاوض والتحاور حول قضايا سكّان الكنابي ما زال مستمرًا بأشكال رسمية وغير رسمية، موضحًا أن الحلول المطروحة من قبل الانتقالية وأصحاب القضية، هي إنشاء مفوضية خاصىة لقضية الكنابي، يتم فيها تمثيل جميع الفئات ذات الصلة بالقضية، من عمّال زراعيين وسكان الكنابي ومُلاك الأرض ومزارعين، منوهًا أن الحلول من طرف واحد، معرضة للانهيار، حتى لو كانت قرارات سيادية صادرة من الدولة.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات