أفريقيا ليست مختبرا و”الأفارقة ليسوا فئران تجارب”
بقلم : كريبسو ديالو
أثارت تصريحات أطباء فرنسيين حول إجراء دراسة واختبار للقاح ضد فيروس كورونا في الدول الإفريقية، انتقادات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم.
في برنامج بثته قناة “LCI” الفرنسية، دعا رئيس طوارئ مستشفى “كوشان” بباريس، جان بول ميرا، لإجراء دراسات واختبارات للقاح ضد فيروس كورونا في دول إفريقية.
وقال جان بول ميرا في حوار مع المدير العام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية في فرنسا “إذا استطعت أن أكون مستفزا، ألا يجب إجراء هذه الدراسة في إفريقيا، حيث لا توجد أقنعة ولا علاج ولا إنعاش”، مضيفا أن ذلك “يشبه إلى حد ما ما تم القيام به في أماكن أخرى لبعض الدراسات حول الإيدز، حيث تم القيام بتجارب على بائعات الهوى، نحاول لأننا نعلم أنهن معرضات بشدة للخطر ولا يحمين أنفسهن”.
بدوره أيد المدير العام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، كاميل لوكت، هذه الفرضية، قائلا “أنتم على صواب، ونحن بصدد التفكير في إجراء بحث في إفريقيا لاعتماد نفس المقاربة مع لقاح “BCG” المطبق ضد السل”.
هذه التصريحات العنصرية ليست بشي جديد من قبل بعد المؤسسات الغريية، لقد تحوّل العالم الثالث وبالأخصّ أفريقيا إلى مختبر لتجربة الأدوية بينما تحوّل المتطوّعون إلى فئران مختبر منذ عقود….أنّ تجربة العقاقير والامصال دون اعتبار للذات البشريّة واحترام القواعد الأساسيّة للسلامة لا تختلف جوهريا عن اختبار الأسلحة الفتّاكة وتحويل الشعوب إلى حقل رماية وتجارب….في معظم الأحيان يقع التكتّم عن الفشل وعن النتائج السلبيّة والخطيرة للتجربة وأن 50 بالمائة فقط من النتائج السلبيّة يقع الإعلان عنها…. بلدانا في اسيا وأوروبا الشرقيّة وأفريقيا… قد أصبحت تمثل أرضا رخيصة لكبري المؤسسات التي أصبحت ترتع دون مراقبة. لان تكلفة هذه التجارب تقلّ بنسبة الخمس عن كلفتها في البلدان الغربية.
قبل القيام بالاختبارات على البشر يقوم المختصون بدراسة المادّة الفاعلة على عشرات الأنواع من الحيوانات وهي أساسا من الفقريات بدءا بالفئران مرورا بالكلاب ووصولا إلى القردة……يهدف الاختبار إلى تحديد مدى القدرة على هضم الدواء ودرجة توزيعه وانتشاره في الأنسجة والخلايا وعملية تحلله واستقلابه Métabolisme خصوصا في الكبد وأخيرا تحديد مدة مفعوله وطرق التخلص منه عن طريق التبول أو التعرق…النموذج الحيواني (أي اختبار الدواء على الحيوان) يظل محدودا وقد يجر إلى الخطأ. كما تعتمد المعامل في بعض الأحيان إلى طرق علمية تستغني عن الحيوان (MSSA). إذا تبين أنّ المادة المعنية قابلة للهضم والامتصاص والانتشار في الجسم وأنّ أعراضها الجانبيّة السامّة محدودة عندها يقع الانتقال إلى مرحلة الدراسة الإكلينيكيّة التي تنقسم إلى 4 مراحل:
1- المرحلة الأولى: اختبار المادّة لدى 20 إلى 80 متطوع يتمتّعون بصحّة جيّدة لمقارنة التأثير على الإنسان والحيوان وتحديد كمية الدواء.
2- المرحلة الثانية: اختبار المادّة على 200 إلى 300 مريض لدراسة دورها في علاج المرض. في هذه الحالة يمكن للنتائج حول الحيوان أن لا تتطابق مع النتائج على البشر فتحدث مفاجآت. في أكثر من نصف الحالات يقع التخلّي عن المادّة.
3- اختبار الدواء ومقارنته بدواء محايد أو دواء سابق على آلاف المرضى.
4- مرحلة الانتباه الصيدلي Pharmacovigilance. حيث يطالب الأطباء بملاحظة الأعراض الجانبيّة الجديدة التي لم تقع معاينتها أثناء فترة الاختبار.
في المرحلة الأولى من الاختبار البشري تتعامل المؤسسة الصناعية لإنتاج الدواء مع أطباء جامعيين أو جمعيات تقوم بدور الوسيط وذلك للحصول على آلاف المرضى لإجراء الاختبار، عادة ما يكون المتطوعون من الطلبة أو العاطلين أو العمال أغلبهم من الأقليات العرقية أو مهاجرون، بحيث يتلخص هدفهم الحصول على المال.المثير للسخرية أن هؤلاء المتطوعون لن ينتفعوا من الدواء. لان أغلبهم لا يتمتع بالتغطية الاجتماعية والصحية في هذه البلدان الرأسمالية.
منذ أن كشفت الصحافة الاستقصائية وبعض المنظمات العديد من الخروقات الخاصة بميدان اختيار الأدوية التي قد تعصف في بعض الأحيان بحياة العشرات والمئات. فقد كان من الصعب إقناع مواطنين العالم الاول حتي لو كانوا بالمشاركة في الاختبار، ومن هذه النقطة بدأت النخب الحاكمة الغربية في التفكير في شعوب العالم الثالث.
في سبتمبر 2004 قام المختبر الأمريكي GEDEAD باختبار “علاج وقائي” في “دوالا” بالكاميرون على فتيات sex worker’s غير مصابات بالأيدز. وقع تشجيع الفتيات على ممارسة علاقات جنسية دون حماية ومع عديد من الرجال. لقاء ذلك تتقاضى كلّ فتاة مبلغ. كذبت المؤسسة الأمريكية على الفتيات وأعلمتهن أن علاج VIREAD يحميهن من مرض الأيدز. شمل الاختبار 400 فتاة وقد تكفل وسيط كاميروني بانتقاء الفتيات لقاء 800 ألف دولارا. أصيبت عديد الفتيات بالأيدز ولم تقم المؤسسة بأي عمل لعلاجهن….في نيجيريا وجّه الاتهام لمؤسّسة Pfizer لتسببها في وفاة وإعاقة عشرات الأطفال إثر اختبارها علاجا عليهم. في سنة 1996 اختبرت Pfizer دواء ضد التهاب السحايا على 200 طفلا من منطقة Kano دون احترام القواعد والقوانين التي تحكم مثل هذه التجارب. لم تعلم المؤسّسة السلطات النيجيريّة وأولياء الأطفال بهذا الاختبار….من المعلوم أنّ دواء Trovan قد ثبت تسببه في أمراض الكبد وحالات وفاة وهذا يفسّر تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عن هذا العلاج. لكن Pfizer تجاهلت كلّ ذلك وتمادت في اختبارها.
أرجو أن لا يفهم كلامي بأني ضد دور المؤسسات الطبية والابحاث والتجارب العلمية التي تقوم بها في علاج الأمراض والأوبئة، لكن ما اريد الإشارة اليه الأفارقة ليسوا فئران ولا قردة تجارب في مختبرات الرجل الأبيض، إننا في القرن الحادي والعشرين والغرب ما زال يظهر سلوكا غير إنساني نابع من ماضي استعماري تجاه القارة الأفريقية. و ايضا بأن لا يجب أن نسلم بحقيقة أن الإمبريالية تقتصر على مجموعة من الظواهر الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فهي تتخطى ذلك لتكون إيديولوجيا تتجلى في الفكر والثقافة والتقنية والعلم والتعليم، تمثل رؤية معينة للعلاقات بين البشر، بين الطرف المهيمن فيهم والآخر الخاضع.
أحدث التعليقات