الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةمقالاتتبوفوبيا والتبو الطيبين في ليبيا! بقلم/ خالد وهلي

تبوفوبيا والتبو الطيبين في ليبيا! بقلم/ خالد وهلي

يقول علماء النفس إن الفوبيا، مرض نفسي يصيب الإنسان بالخوف والهلع الوهمي، بطريقة غير عقلانية، خوف من الذين يعتبرهم المريض غرباء.
وهو مرض يصيب الفرد والجماعة على حد سواء. نستطيع الجزم، أن جل مؤسسات الدولة الليبية من حكومات وهيئات منتخبة، كهيئة الدستور والبرلمان ، جميعها مصابة بهذا المرض، وان الهلع والخوف من التبو، إي التبو فوبيا، واقع يومي معاش يمكن ملاحظاته وقياسه بسهولة في تصريحات المسئولين و القرارات التي يتخذونها، كما يوجد آخرين لا يعادون التبو ولا يخافون منهم بالظاهر، لكنهم في اللاوعي يمارسون ما يسمى “ بالعنصرية الايجابية”، وينظرون للقضية بشكل سطحي، فيقولون مثلا نعرف بعض التبو الطيبين، وبهذا يؤكدون الفوبيا والعنصرية والتمييز، لأنهم يضعون التبو خارج مجموعتهم البشرية، وكأن التبو ليس بشر! فيهم الطيب وغير الطيب ، وهذه “العنصرية الايجابية” موجودة في كل المجتمعات، التي تعتبر ثقافتها مسيطرة ، وتمارس التمييز على الأقليات، فمثلا تؤكد الدراسات عن العنصرية الايجابية، كثيراً ما يقول مواطن أمريكي يحمل “ العنصرية الايجابية”، أن بعض العرب أو المسلمين أو اليهود أو السود طيبين، وعندي أصدقاء عرب ومسلمين ويهود وسود، في تأكيد من تجريدهم من إنسانيتهم، وكأنهم ليسو بشر مثل الآخرين من الطبيعي أن يكون عندهم أصدقاء.

والأمثلة في الواقع الليبي كثيرة تبرهن على وجود التبوفوبيا، مثلا وليس حصراً نتذكر التمييز من مفوضية الانتخابات في انتخابات لجنة الدستور، و مجلس النواب الذي حدث في مدينة الكفرة جنوب شرق ليبيا، ضد أقلية عددية بسيطة جدا، وكل القوانين والشرائع تعرفها على أنها أقلية، ولكن هناك خوف منها غير مبرر يؤكد التبوفوبيا.
فيما يتعلق بالجنسية، التبو يقولون أنهم لا يثقون في المؤسسات الليبية نتيجة تجربة واقعية ، ولكن التبوفوبيا تُظهر التبو على أنهم يريدون أن يجنسوا 6 مليون تباوي من الدول المجاورة، في الوقت الذي لا يزيد عدد التبو في جميع أنحاء العالم عن 2 مليون تباوي
نتذكر عندما زار مشايخ واعيان التبو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، خرج علينا عضو من الهيئة التأسيسية في الإعلام يقول، تشاديين زاروا الهيئة التأسيسية عن التبو يقصد- وعندهم مطالب في الدستور، كذلك عندما تم تعيين اثنين من أعضاء المجلس النواب مكان أثنين من المنتخبين وهم من التبو تم استبعادهم حتى لا يزيد عدد التبو في البرلمان ، رغم أن قوانين الانتخابات لا تسمح بتعيين أعضاء مجلس النواب، مما يؤكد التبوفوبيا تعيش وتعشش عند الطبقات في المجتمع الليبي
لفهم أكثر عن التبو و حقوقهم ووضعهم السياسي في ليبيا يجب أن نحيط علما بمحيطهم و بجيرانهم و ثقافتهم و الثقافة العامة و السائدة في ليبيا، و حظر و حذر وتهويل الذي يكتنف قضايا التبو في كل مرة يطلبون فيه حقوق سواء من الحكومات أو سلطات التشريعية أو من لجنة الدستور وهل هم جسم غريب عن بقية الليبيين وتوصلنا إلى تعريف لهذا التهويل و الحذر إذ تؤكد على هذا المرض.

تبوفوبيا مصطلح جديد في شكله، و لكن قديم في مضمونه، و تجليه في ليبيا، و هو مرتبط بالتبو، و علاقتهم بليبيا في الجانب السياسي، و الأمني، والثقافي.
هو التحامل والكراهية والخوف والعنصرية و التمييز ضد التبو و حقوقهم و باستخدامه الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد التبو عن طريق صورة نمطية سلبية، وهي ظاهرة ليست جديدة بل تم صقلها ونحتها منذ نظام السابق، و بما أن النظام كان مبنياً على حكم الفرد الواحد لا تنوع فيه، ولا حرية، ولا ديمقراطية، ولا تعددية الثقافية.
وهو تبرير من أجل إقصاء التبو، و التنوع؛ بحجة خطر على الأمن القومي الليبي، وليبيا لن تكون أمنه إلا؛ بالقضاء على إي صوت مخالف لذلك التوجه.

أيام حرب قذافي الظالمة في تشاد وقتذاك؛ خلق عداء بين شعبين الليبي و التشادي، و نعرف أن أشرس من وقفوا ضد قذافي في مشروعه في تشاد هم سكان شمال تشاد و في الأغلب هم التبو و كما هو معروف أن أثنين من رؤساء تشاد السابقين كانا من التبو، هما غوكوني ودي و حسين هبري ، الأول الذي كان في صفه رغم خيانة قذافي له مرات عديدة و الثاني كان ضدّه في كل المرات، و ما جعل من قذافي و نظامه يخلقون صورة نمطية سلبية ضد التبو بالعموم؛ بعد فشل مخططه في تشاد.
و الأنكى والأَمَرُّ في الأمر هو لم تكن نظرة جل المثقفين و السياسيين الليبيين قبل و بعد قذافي بعيدة عن نظرة النظام للتبو، و لم تكن مستقلة بغض النظر أن كان هذا المثقف أو سياسي مع النظام أو ضده، إلا أنه كان الغالب يتبني خطاب الحكومة و الأجهزة الأمنية لنظر في قضية التبو في ليبيا بحيث أن لا يكون لهم وجودهم الحقيقي في السياسية الليبية بل على الهامش دائما و أبدا، وإن كان هناك أصوات خجولة تخرج بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالأُخْرَى و تصمت عن الحق في أحايين كثيرة.
وهذا الخوف أو المرض هو كأي ظاهرة لا يمكن ان نضع لها سبب واحد بل عديد من الأسباب منهم من التبو و مساهمة الدولة في تأزمه وعدم علاجه و منها الأسباب التاريخية و منها من جيران التبو و بتصنيف آخر منها سياسي و ثقافي و اجتماعي جيوسياسي و حقوقي.

و بجكم أن التبو لم يكن لهم دور سياسي في الحياة السياسية الليبية قديما و إن كان لهم دور في الجهاد الليبي – رغم إخفاءه و نكرانه- بسبب قلة عددهم و إقصائهم من النظام الحكم و من تاريخ الليبي الجهادي وغيره وما نعيش في هذه الأيام مثالا حيا على ذلك هو ما يحدث الآن أمام أعيننا من تزوير لتاريخ من 17 فبراير 2011 إلى وقتنا حالي، رغم تغير الوضع بعد زوال نظام قذافي، و لكن للأسف العقلية مازالت موجودة لذا باتوا يستغلون ويستخدموا جهل الناس عن حقيقة التنوع و حقيقة ليبيا و حقيقة التبو ولتصبح هذا الجهل أداة لتهويل من خطر التبو و تقليل من طموحاتهم السياسية و تشكيكهم و تخوينهم؛ وهذه السياسة أصبحت مطية لكل من يريد أن يصل إلى مراكز السلطة المحلية أو المركزية و يصبح رقما في مناطق تواجد التبو في الجنوب الشرقي و الغربي و هو شعاراً رائجا يلتفت إليه الجميع ويصبح وطنيا قبليا عنصريا ليحصل على مكانة لدى قومه أو منتخبيه ولم تكن هذه سياسة تنتهجها الحكومات فقط بل بعض الأفراد أيضا.

أن تاريخية الصراع على الأرض و جغرافيا بين التبو و قبيلة الزوية في مدينة الكُفْرة جعل من هذا المرض”تبوفوبيا” يتفاقم ليصبح مرضا يحتاج إلى استنفار وطني لعلاجه.
على رغم من عدم وجود تهديد جدي وحقيقي من قبل التبو ودائما يتم نشر هذا المرض ليصبح أكثر انتشاراً و ذلك لجلب أكثر تعاطف من أقرانه و أقربائه في الشمال للقضاء على التبو! ومثال على ذلك كأن يخاف المرء من قطة صغيرة أليفة، أو من مكان مرتفع لا مجال لسقوطه منه، أو من وجوده في قاعة مكتظة بأشخاص ودودين لا يمكن أن يشكلوا خطراً عليه، …الخ.
و لقد لعب التبو أيضا دور في تفاقم هذه المرض وتأزمه؛ بسبب كثير من المجرمين و المخربين لا يمثلون التبو ساهموا في تأكيد من ظاهر الخوف المرضي من التبو و نحن هنا لسنا بصدد دفاع عن التبو، لان التبو شعب فيه من الخيرين وغيرهم لذا ليس من الحكمة التعميم.

و للإعلام و الأجهزة الأمنية دور في هذا تعميم يطلق على إي فعل صدر من تباوي بأن التبو عملوا هذا الفعل، حيث كان في النظام السابق يعمم هذا التصور، و كذلك بعد الثورة فبراير لعبت جل وسائل الإعلام هذا الخلط، بخلق رُهاب و إرهاب و تشويه متعمد لصورة النمطية للتبو لما يحملون من عقلية النمطية لنظام السابق عن التبو و عن الأقليات و بالمقابل لم نسمع يوما واحدا بذكر باسم قبيلة من قبائل الشرق أو مناطق الغرب أو مدن الجنوب بهكذا تعميم مخل.
كان للأحداث التاريخية دور وسهم في خلق هذا المرض أيضا، بدأ من القرن الثامن عشر عند نزوح التبو من مناطقهم من أطراف مدينة جالو تدريجيا إلى نهاية أطراف مدينة الكُفْرة ثم إلى تشاد وحرب كر و فر بين التبو و قبيلة الجوازي في الكفرة و من ثم إجبار قبيلة الجوازي و طرده من ليبيا إلى مصر من قبل حكومة القرمانلية في عهد يوسف باشا المقرمانلي، وبعدها أصبحت البقاع خالية إلى أن آتت قبائل الشرق من بني سليم (السعادي) مع الزوية لاستيطان في الكفرة و طرد التبو إلى أطراف المدينة، و لقد صنع هذه التاريخ هاجس لدى البعض من عودة التبو لأراضيهم التاريخية.

ومن ممكن أيضاً القول إن جزءاً مهماً من ذلك الخوف يرتكز على تضارب المصالح بين التبو و جيرانهم، بحيث يبدو هذا الأخير على درجة من الاستعداد للقبول بتبو الطيبين الذين لا يبحثون عن السلطة و لا يشاركون السياسة إلا بقدر الذي يسمح هو بذلك و يضمن مصالحه السياسية والاقتصادية ولا يشكل تهديداً له.
أعراض تبوفوبيا:
1- الطعن في التبو و تخوينهم و تشكيك في وطنيتهم
2- إبعادهم لأكبر قدر من مراكز صنع القرار
3- عدم المساواة بينهم و من جيرانهم
4- تهميش مناطقهم و عدم تنميتها خوفا من استقلال الإداري و جعلهم دائما في تبعية مناطق ذات كثافة عربية.
تم هذا الجزء من عرض سوف نستعرض في مرة القادمة كثير من أمثلة لتشخيص المرض و عمقه و تأزمه وندعو علماء النفس و الاجتماع لدراسته أكثر بمعرفة الخوف و المرض الرهاب بين الأقليات و الاغلبيات.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات