بسبب العادات والتقاليد، تتعرض المرأة في دارفور لاشكال عديدة من الاستغلال، فما الذي يجب أن تفعله الحركة النسوية؟
باحث: علي الحركة النسوية الا تحصر مطالب النساء في احتياجات نساء المدن و الطبقة الوسطى.
زوجة: تم تطليقي بسبب إصراري علي حقي في العمل.
الخرطوم: جبراكة نيوز
اعداد: أحمد داوود

في الرابعة عشر، وهي لم تزل مجرد طفلة صغيرة، فوجئت ” أماني” بنبأ خطوبتها من رجل يكبرها باكثر من عشرون عاما ، حتي دون أن يتم استشارتها . وطوال سنوات الخطوبة التي قدرتها بثلاث سنوات ، تكفلت الوالدة بتهيئتها لأن تصبح زوجة مثالية . وحين انتهت سنوات الخطوبة ، وزفت في السادسة عشر الي الخطيب الثري، كانت أماني تجهل عما إذا كانت تحمل أية شعور تجاه الشخص الذي يفترض أنه زوجها ، وما إذا كانت ستنجح كام و زوجة ام لا. كانت تراهن على وعي زوجها وتفهمه ، ولكنها قطعا لم تكن تعلم أنها ستدفع ثمن قرار لم تتخذه بمحض ارادتها.
ثقافة العلق
إستمر زواج أماني، التي تقطن باحدي قري دارفور النائية سنتان وثلاث أشهر، انجبت خلالها طفلة واحدة . ولكن بمرور كل يوم ، كانت تتيقن أنها صارت تفقد كرامتها . كان الزوج يتعمد اهانتها ، وفي بعض الأحيان كان يضربها لأتفه الأسباب . و حين سئمت من تصرفاته أخيراً، طلبت منه الطلاق . غير أنها فوجئت بالزوج يشترط عليها دفع كل تكاليف الزواج من “مهر ، قولة الخير ، الشنطة ، تكاليف حفل الزفاف ..” ، وحتي قيمة الملابس التي سبق وأن اشتراها لها . ولما عجزت في سداد تلك الأموال ، أخذها الي منزل ذويها ، وهناك تركها دون أن يطلقها بشكل رسمي .الان، وبعد أن أتمت أكثر من ست سنوات في منزل ذويها، لا تعلم أماني ما إذا كان الزوج سيقبل بقراراها ويطلقها لتواصل حياتها ام لا ؟.
انتهاكات صارخة
تعرف هذه الظاهرة في مجتمعات دارفور ب ” العلق” ، وهي أن تعلق المرأة حين تطالب بالانفصال ، في هذه الحالة لا يتم تطليقها ، ولا يسمح لها بالزواج . وتظل في عصمة الرجل دون أن تكون في عصمته ، لأنها تحرم من حقوقها الشرعية، وتترك معلقة في منزل ذويها.
هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر تنتشر بصورة كبيرة في بعض مناطق الإقليم الذي انهكته الصراعات طوال السنوات الماضية. وتتعرض النساء هناك بسبب الفقر، الحروب ، والعادات والتقاليد، لأشكال متعددة من الاستغلال، الانتهاكات والتمايزات القائمة على أساس النوع.
ومن ابرز الانتهاكات ما يعرف ب ” الطلاق المشروط “. و في الحالة هذه ، يشترط الزوج علي الزوجة التي تطالب بالطلاق عدة شروط منها : الا تتزوج بفلان من الناس، والا تسمح أسرتها بحدوث ذلك مطلقا ، وحين يتم الإخلال بهذا الشرط فان خلافات حادة ستنشب بين الاسرتين . وغالباً ما يلجأ الزوج الي ذلك لأنه أما يعتقد أن الشخص الذي يشترط عليها عدم الزواج به هو من قام بتحريضها علي الطلاق ، أو أنه يريدها أن تظل عذباء انتقاماً منها . وتنتشر هذه الظاهرة بشكل محدود وسط بعض الجماعات الإثنية في الإقليم .
ومن أشكال الاستغلال الذي تتعرض له النساء أيضاً ما يعرف ” سرقة المجهود ” أو العمل بلا مكافأة . ففي فترات الحصاد ، يقتحم الزوج المزرعة ويستولي علي جزء كبير من المحصول الذي زرعته الزوجة وحصدته لوحدها ، ولكن السئ في الأمر هو أن يقوم الزوج أحياناً باستغلال العائدات المادية التي يحصل عليها من بيع المحصول في الزواج من امرأة أخري .
أشكال أخري
وفي مدن الإقليم الكبيرة ، التي تغلب عليها طابع الحياة المدينية ، تزدحم عشرات النساء كل أسبوع أمام المحاكم حتي يتم الفصل في قضاياهن ، ولكنها في كثير من الأحيان لا تكون في صالحهن . أما في في بعض المناطق الريفية ، فقد يشترط الكثير من الأزواج علي أزواجهن التنازل عن أطفالهن مقابل الحصول على الطلاق ، فيما تعاني النساء اللاتي يحصلن علي الطلاق والابناء معا ، كثيرا في الحصول على النفقة التي يتلكا الزوج في دفعها ، وحتي حين يقوم بدفعها فإنها لا تسوي شيئا أمام تكاليف الحياة الباهظة .
كما تحرم نساء الريف ، اللاتي ينحدرن من أسر بطاريركرية من حقهن في اختيار شريك حياتهن الذي غالباً ما يكون بيد الأب ، ويتعرضن أيضاً للعنف اللفظي ، والجسدي ، والاعتداءات الجنسية ، وخاصة النساء اللاتي يذهبن للاحتطاب أو الزراعة في القري النائية .
ويواجهن أيضاً خطر الزواج المبكر ، والقتل بسبب العار . ففي يناير من العام الجاري لفظت الشقيقتان ” س ” و” م” أنفاسهما الأخيرة تحت التعذيب من قبل خمسة من أفراد عائلهتما بمنطقة ودعة التابعة لمحلية كلمندو بولاية شمال دارفور . ونقل موقع دارفور ٢٤ عن مصدر مقرب وقتها :” أن ذوي الشقيقتان قاما بضربهن للحصول على اعتراف منهن عن صاحب الهاتف الذكي الذي وجد بحوزتهن ، وحين فشلوا في ذلك قاموا بتعذيبهن وصب الماء البارد عليهن وخنقهما ليلا ، وعند الصباح فارقتا الحياة “.
ويغرس الكثير من أهالي تلك المجتمعات ، في عقول الأطفال الذكور وهم التفوق ، ومنحهم الحق في ضرب الفتيات حتي الأكبر منهن في السن ، فيما يشترط الكثير من الرجال علي المرأة التي ينتوون الزواج بها التنازل عن حقها في العمل ، والالتزام بالمكوث بالمنزل . وتقول احداهن للجريدة :” أنه تم تطليقها لأنها أصرت علي عدم ترك عملها ” .كما تلجأ الكثير من الأسر الي ” عقل” الأرامل لاخ الزوج المتوفي ، وهي ظاهرة موجودة ليس في الإقليم فقط ، وانما عموم السودان ، وغالباً ما يكون بسبب الخوف من العار أو الفقر ، حيث يتكفل الزوج الجديد بنفقاتها بدلا عن الأسرة .
اسباب مختلفة
ويرجع الباحث ، والمختص بقضايا حقوق الإنسان ، عصام مناقو الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في بعض مناطق الإقليم الي عدة أسباب ، منها اقتصادية واخري اجتماعية وثقافية ، ولكن دون أن ينسي الاشارة الي قصور دور الحركة النسوية التي قال إنها لا تهتم بقضايا عموم نساء السودان بالشكل المطلوب .
ففيما يختص بالاسباب الاقتصادية يري مناقو :” أن نمط الإنتاج المتواجد وسط تلك المجتمعات ، والذي تعتمد فيه الأسرة بشكل أساسي علي الرجال سواء اكانو آباء أو إخوة ، قد عزز من دور الرجل كمنتج وكثف من دوره السلطوي تجاه النساء اللاتي ينفق عليهن “. وهذا الأمر مثلما يشير الباحث ادي الي خلق فوارق واضحة بين الجنسين ، حين جعل من النساء خاضعات ، وعرضة لكل أنواع الإستغلال .
أما فيما يتعلق بالاسباب الاجتماعية ، يشير مناقو الي قيم وأمثال قال إنها عملت على تنميط النساء ووضعن في قوالب محددة باعتبارها مجرد تابع و ربة منزل ، وأنها ناقصة عقل ودين . ويضرب مثلاً علي ذلك بالمثل المتداول :” أن المرأة لو بقت راس ما بتشق الرأس “. وقال :” أن النظرة المجتمعية السالبة للمرأة صادر كثيرا من حقوقها ، ومنح وهم التفوق للرجال ” مضيفاً :” في كثير من المجتمعات حين يفيب الوالد، يقوم الإبن بدور الأب والمربي ، حيث أنه يمتلك الحق في ضربهن ومصادرة حقوقهن مثل حقها في الخروج من المنزل ، أو تحديد صداقاتها “.
وفي الشق الثقافي يري مناقو أن وجود تقسيمات هرمية داخل المجموعة الثقافية انعكس سلبا على وضعية النساء داخل المجموعة . ويأتي الرجال مثلما يشير الباحث علي قمة الهرم ، يليه الاطفال الذكور ، واخيرا النساء .
هذا التقسيم الهرمى للنوع والحديث لمناقو :” هو الثابت الذي تحول الي قالب من القوالب السلوكية للفرد الذكر ، وبناءا علي هذه القوالب يقوم الفرد بتحديد علاقته مع النساء حتي اللاتي لا ينتمين الي مجموعته “.
كما ينبه مناقو إلي عدم وجود قوانين تحمي النساء من الاستغلال ، وحتى الموجود منها لا يتم تفعيله في بعض الأحيان ، خوفاً من إثارة غضب المجتمعات المحافظة .
دور الحركة النسوية
ويحلل الباحث عصام مناقو الظروف التاريخية التي نشأت فيها الحركة النسوية في السودان ، ليستخلص بأن تلك الظروف أدت الي إنتاج خطاب نسوي لا يعبر عن قضايا عموم النساء السودانيات وبالتالي ساعد بشكل غير مباشر في معاناتهن . ويضيف في حديثه ل” جبراكة نيوز” :” أن الحركة النسوية برزت وتشكلت من نساء الطبقة الوسطى اللاتي نلن حظهن من التعليم في مجتمع مديني ، و لقد ساعد الوعي الذي اكتسبنه من فرص التعليم التي اتيحت امامهن في إنتاج خطاب نسوي ، غير أن هذا الخطاب لا يعبر عن استحقاقات وقضايا نساء الريف “. مضيفاً :” خطأ النسوية السودانية أنها حصرت نفسها في قفص الطبقي الوسطى ، ونساء المدن ، لقد بنت خطاباتها بناء على احتياجات نساء المدن ، لا بحسب احتياجات النساء السودانيات” .
وفي هذا الإطار يشير مناقو الي انحراف خطاب النسوية حتي عن مسار الطبقة الوسطى وبالتحديد حين تم استبدالها بخطابات الليبرالية الجديدة التي انتشرت وسط رائدات الحركة النسوية . وهو ما ادي برأيه الي خلق نوع من الاغتراب وسط النسويات ، بينما صارت النسوية كنسخة من الحركات النسوية المتطرفة والتي شبهها بكارهات الرجال.
ما العمل؟
للقضاء على كافة أشكال الاستغلال الذي تتعرض له النساء يوصي مناقو بتفعيل المواد القانونية التي تحفظ حقوق المرأة مثل تلك التي يمنحها الحق في الزواج بمن تختاره، والقوانين التي تجرم الختان ، والمواد المتعلقة بالنفقة ، بجانب سن قوانين تحفظ حق المرأة بعد الطلاق مقترحا في هذا الإطار منح المنفصلة نصف ثروة الزوج .
كما يحث رائدات الحركة النسوية علي ضرورة إعادة النظر في الخطاب النسوي، وتوسيع دائرة الفكر النسوي لتشمل احتياجات وقضايا عموم نساء السودان. مشدداً علي ضرورة عدم حصر مطالب النساء واختزالها في احتياجات نساء الطبقة الوسطى فقط.
ويقول الباحث :” علي الحركة النسوية أن تعي أنها تستهدف القيم السالبة، والمؤسسات التي تكرس لقهر النساء، وليس الرجال، ” مقترحا عليها في هذا الإطار ضرورة “التخلي عن الخطابات الحادة “.
ويرهن مناقو نجاح الحركة النسوية في السودان بتوافق خطاباتها مع منظومة القيم الأخلاقية والثوابت المجتمعية. محذراً من استنساخ تجربة الحركة النسوية البلجيكية التي اعتمدت خطابا حاداً ومتعارضا مع قيم المجتمع البلجيكي، وكادت أن تتسبب في إعاقة مسيرة تحرر النساء، مالم يتم توجيهها في المسار الصحيح عند اللحظة الأخيرة.
أحدث التعليقات