أشار تقرير بصحيفة (الغارديان) أعدته الصحفية زينب محمد صالح، إلى أن التوتر يخيم على ولاية غرب دارفور بعد مذبحة (كرينك) التي أدت لمقتل نحو (200) شخص، وفرار الآلاف من قراهم.
يشير التقرير إلى انحسار وتيرة العنف، إلا أن العديد من البلدات والقرى الواقعة شمال وشرق الجنينة، عاصمة غرب دارفور باتت محاصرة والتوتر هو سيد الموقف.
مناطق محاصرة
في منطقة (جبل مون) 70 كلم من الجنينة، تبدو المنطقة مغلقة بالكامل بفعل حصار المليشيات العربية المرتبطة بقوات الدعم السریع، هذه الجماعات المسلحة متهمة بارتكاب مجزرة الأسبوع الماضي في (كرينك) والفظائع في دارفور على مدى العامين الماضيين.
يقول السكان المحليون، إن الأشخاص الذين يعيشون في القرى هنا غير قادرين على المغادرة لتلقي العلاج الطبي أو التسوق أو زيارة الأسرة بدون قافلة عسكرية، وهو أمر لا يتم بانتظام.
حواء آدم (40) عاماً، أم لتسعة أطفال، كانت مريضة، وكان من المقرر أن تقابل طبيبة نساء في الجنينة، حيث لا يوجد أطباء في العيادة في منطقتها. كان عليها الانتظار لـ (21) يومًا للعثور على مقعد في سيارة ضمن القافلة. عندما وصلت إلى المدينة، كانت عالقة بعد القتال، وقلقة على أطفالها التسعة في المنزل.
تقول حواء وهي في طريق عودتها: “يمكنني البقاء هنا لمدة 21 يومًا أخرى في انتظار طريق آمن للعودة إلى المنزل”. وتضيف: “عندما كان عمري 15 عامًا، مشيت ذات مرة على هذا الطريق المؤدي إلى الجنينة مع إخوتي الصغار. غادرنا في الصباح الباكر ووصلنا هناك بعد غروب الشمس، كان ذلك قبل الحرب، والآن أصبح السير في هذا الطريق من المستحيلات”.
قاطعها السائق الذي صرخ في وجهها لرفع نافذة السيارة وهم يقتربون من مجموعة من (15) رجلاً عربياً مسلحين على الطريق أمامها. السائق، وهو أيضًا من مجتمع المسيرية في الجبل همس: “رأيت ستة رجال مسلحين آخرين يختبئون وراء الأدغال أيضًا، لقد بدوا وكأنهم يريدون تنفيذ هجوم، لكننا محظوظون اليوم”.
بعد تجاوز الخطر، بدأ الركاب جميعًا في الحديث حول الأشخاص الذين يعرفونهم والذين قُتلوا في هذه المنطقة، لانتمائهم إلى قبيلة المسيرية جبل.
تسكن هذه المنطقة مجتمعات غير عربية، معظمها من المزارعين، الذين عانوا من الاضطهاد والتمهيش السياسي والاقتصادي من الخرطوم منذ عقود، مما جعلهم يتنافسون مع البدو المجاورين.
بلغ الأمر هذا ذروته في عام 2003 مع حملة الرئيس المخلوع عمر البشير القاتلة ضد الجماعات المتمردة من حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان، والتي وصفتها الولايات المتحدة بأنها “إبادة جماعية”.
موجة عنف
اندلعت موجة العنف الجديدة في دارفور بين الميليشيات البدوية العربية المدعومة والمسلحة من قبل قوات الدعم السريع والمزارعين جزئياً بسبب الضغط على المياه والأراضي، والذي تفاقم بسبب أزمة المناخ. وقد تفاقم الموقف بسبب فشل السلطات الانتقالية في الاستجابة المناسبة بعد انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عام 2020 من المنطقة. قبل الانسحاب تم التوقيع على اتفاق سلام جزئي بين خمس مجموعات متمردة.
مراقبون يتوقعون المزيد من العنف والصراع في غرب دارفور، وأشار تقرير حديث صادر عن معهد السلام الأمريكي إلى عدم وجود ضوابط على الميليشيات العربية، بما في ذلك الجنجويد، الذين تم دمجهم إلى حد كبير في قوات الدعم السريع، وقال إنهم مدفوعون بنزعات استعلاء عربية، بالإضافة إلى سعيهم وراء المراعي الجيدة والماء.
لكن في دارفور، البنادق رخيصة ومتوفرة. شكّل شباب (جبل مون) وحدة عسكرية خاصة بهم تسمى (الشوش). والتقت فرقة صغيرة تحمل رشاشات كلاشينكوف بحاكم إقليم دارفور مني ميناوي مؤخرًا، كانوا يرتدون مزيجًا من الزي العسكري مع الكدمول وملابس سودانية تقليدية، واتهموا قوات الدعم السريع بمهاجمة مواطنيهم وتعهدوا بالرد.
مع ذلك، فإن الميليشيات العربية أكثر تقدمًا عسكريًا. يقول عبد اللطيف علي: “لقد تم تشكيل هذه المجموعة المسلحة لحماية الأهالي من هجمات الجنجويد في ظل غياب الحماية الحكومية”. فرّ الآلاف من قراهم، ذهب بعضهم إلى الجبال، والبعض الآخر إلى تشاد والبعض الآخر إلى الفاشر.
قالت خديجة قمر (25) عامًا، ولديها خمسة أطفال، إن قريتها كانت في حالة خراب بعد أن أحرقت في مارس، مما دفع الكثيرين للفرار إلى تشاد، لكن مضخات المياه لا تزال تعمل، لذا جاءت خديجة وغيرها من القرويين على ظهور الحمير لجلب المياه، على الرغم من المخاطر.
أضافت خديجة أنها تترك أطفالها مختبئين في الجبال عندما تقوم بالرحلة: “نحن بحاجة إلى الأمن، إذا عدنا إلى هنا مرة أخرى، فقد يأتي العرب ليقتلونا جميعًا. لقد أخذوا حتى هاتفي المحمول، والأشياء التي لا يمكنهم أخذها، أحرقوها”.
في (أديكونغ)، التي كانت ذات يوم بلدة تجارية مزدحمة على الحدود التشادية، قبل أن تتعرض لثلاث هجمات من الجنجويد هذا العام، كان آخرها، في مارس، مما أدى إلى مغادرة جميع سكانها البالغ عددهم (37) ألف شخص إلى تشاد.
في الأسبوع الماضي، عاد زوجان للاطمئنان على محصول البصل في البلدة المهجورة والصامتة، قالوا لصحيفة (الغارديان) إنهم تركوا أطفالهم في تشاد وعادوا لرؤية حقلهم، وقد فقدوا كل شيء.
تقول دولة علي (38) عاماً: “كان علينا أن نأخذ أطفالنا فقط ونهرب، احترق منزلنا بعد أن جاء العرب، قتلوا، ونهبوا كل ما وجدوه”.
أحدث التعليقات