الخميس, مارس 13, 2025
الرئيسيةاخبار السوداناقليم دارفورقصاصات من الذكريات بمدينة الفاشر – طقوس ونقوش (آبار حجر قدو، الكرنقلي...

قصاصات من الذكريات بمدينة الفاشر – طقوس ونقوش (آبار حجر قدو، الكرنقلي وجوز الموية) – (1)

قصاصات من الذكريات بمدينة الفاشر – طقوس ونقوش (آبار حجر قدو، الكرنقلي وجوز الموية) – (1)

 د. مدثر البناني

د. مدثر الباني
د. مدثر الباني

هي جميلة في محياها، طيبة بأهلها، عزيزة، كريمة، أبية، لها ماضيها وتاريخها العريق والمسطر بكل جميل ومميز، وحاضرها الماثل ومستقبلها الواعد بإذن الله، هي مدينتا الفاشر السلطان، الفاشر الكبير، الفاشر الرشيد، والفاشر السلطان علي دينار كاسي الكعبة المشرفة، وأيما شرف لك يا أم المدائن، ويا منبع التضحيات ,وقصة وحادثة حرق العلم البريطاني في العام 1952، يحلو الحديث عن ذكريات من ماضي هذه المدينة الوادعة وعن أحداث وأماكن ومقولات وأشخاص ورموز وطقوس وكل ما يشكل إرث ومكونات المدينة عاشها وعاصرها وزامنها أجيال مختلفة، وشكلت وجدان الكثيرين وظلت محفورة على دفاتر التاريخ ومحطات الذكريات، واستمراراً لسلسلة قصاصات من  الذكريات، نواصل في هذه السلسلة التوثيقية والأرشيفية  عن فترة وحقبة التسعينيات والثمانينيات وما قبلها،. نتناول في قصاصة اليوم جزئية من الذكريات الخاصة ببعض الطقوس والنقوش والمواقع المرتبطة بمجتمع المدينة تلك الفترة وهي شكل خدمات مياه الشرب وما كان يصاحبها من أحداث وطرائف ومواقف ومواقع لها علاقة بالموضوع، ونتناول جانباً من أشكال تقديم الخدمة ( يا زمن وقف شوية). ومعاَ نتكئ على المساحة علّها تصادف هوى وقبولاً منكم.

ظلت مدينة الفاشر كغيرها من المدن والمناطق والقرى في مختلف مناطق السودان، تعاني من مشكلة مياه الشرب ومصادرها واستمرار توفرها وإمدادها وخاصة خلال فترة الصيف، وآبار (حجر قدو) في البال والذهن، وملاحم حفرها وقصة وروايات التسمية، واستمرار عملها وصمودها لعقود من الزمان، وآلية إخراج المياه (يا حليل الدلو) وبكرات الحديد والخشب وطريقة لفها وسحبها لإخراج المياه واصطفاف رواد وزوار هذه الآبار وتقسيم الاحواض ما بين مياه مخصصة لشرب الانسان وأخرى مخصصة لشرب الحيوانات. ومصدر المياه الرئيسي العذبة والصالحة للشرب للمدينة هو المياه الواردة من  خزان قولو  والآبار بمنطقة شقرة غرب المدينة على بعد بضع كيلومترات من المدينة وذلك من خلال شبكة المياه التي تغذي أحياء المدينة المختلفة، والحديث هنا عن الصهاريج القديمة والتاريخية في تلك الفترة بجانب مواقع توزيع المياه العامة (أكشاك الموية)، بالإضافة إلى الآبار الإرتوازية والجوفية ومروراً بالمضخات اليدوية التي ظهرت مع المنظمات الطوعية وخاصة اليونسيف ضمن مشاريع المياه (الكرجاكة/بير نجاتا)، وكذلك شبكة التوزيع الداخلية للمؤسسات والدوائر الحكومية، الأحياء والبيوت ، المحال التجارية وغيرها، وبالذاكرة النغمات والكلمات الجميلة التي يتم ترديدها من قبل المعلنين التابعبين لهيئة مياه الشرب لتنبيه الجمهور بسداد ما عليهم من متأخرات ورسوم الخدمة لتجنب قطع الإمداد مستخدمين مكبرات الصوت المحمولة على السيارات ( ميكرفون جرادل) و العبارات المشهورة  ( عزيزي المواطن…..عزيزتي المواطنة ….تعلن الهيئة جميع زبائنها الكرام بدفع متأخرات الاشتراك خلال (48) ساعة وإلا سوف تضطر الهيئة لقطع الإمداد…وشكراً).

آبار حجر قدَو

هي من أشهر الآبار الجوفية بالمدينة، بل بدارفور عموماً لما لها من رمزية تاريخية ارتبطت بالمدينة، ولمائها الطعم الخاص الجامع بين العذوبة والمرارة ، ويعود تاريخها لأيام السلطان علي دينار آخر سلاطين مملكة دارفور ، وهنا نذكر المقولة الشعبية المعروفة والمتداولة (كل من شرب من موية حجر قدو …..ألمي حجر قدو من قلبو سدو….) فلابد من زيارة ثانية للفاشر، ولعل العبارة ارتبطت أيضاً بكثير من المناطق بالسودان مثل التاكا بكسلا شرق السودان وبعض مناطق كردفان وغيرها من الأماكن، ومن الروايات أن سر التسمية (آبار حجر قدو)، يرجع إلى  تاريخ إنشائها أيام السلطان علي دينار آخر سلاطين سلطنة الفور  حتى العام 1916، حيث تمددت السلطنة وتوسعت المدينة وكانت هنالك حوجة لكميات من المياه تناسب حجم السكان وحاجة المدينة وما حولها من المياه تلك الفترة، وتقع هذه الآبار بوسط مدينة الفاشر وتحديداً بجهة الشمال الشرقي من ميدان النقعة، وشرق مبنى معتمدية الفاشر (المحافظة أو المجلس أو البلدية سابقاً)، وفي الناحية الشمالية الغربية للسوق الكبير ، وجنوب مدرسة الفاشر الأهلية.

وأتت التسمية حسب أرجح الروايات، أنه واجه العمال الذين يقومون بحفرها صعوبات جمة ومشقة وصعوبة في حفرها وإكمالها نتيجة طبيعة الأرض بالموقع حسب الأعماق، ووجود الصخور مما صعب المهمة، مما جعل الناس يشفقون على الحفارين لما بذلوه من جهد ولاقوه من المشقة والتعب أثناء الحفر، وباستمرار الجهود المبذولة في الحفر وفي ذات يوم من أيام الحفر استطاع الحفارون من تكسير الصخور حتى أخرجت ماءً عذباً تختلط به بعض الملوحة، فتم بث البشرى وتناقل الخبر السار في أنحاء مدينة الفاشر مما دفع الناس إلى الخروج وترديد (الحجر قدو…..الحجر قدو) أي تم تكسير وشق الصخور ، ونجاح العملية وخروج الماء وتدشين عمل الآبار، وبمرور الزمن أصبح اسم هذه الآبار (آبار حجر قدو) واستمر الاسم إلى اليوم، بل أصبحت منطقة السوق المجاور لهذه الآبار يعرف ب (سوق حجر قدو). وجزء من هذه الآبار توقفت عن العمل وجزء منها تم دفنها وقد كان يتم تحذير الأطفال والكبار بعدم خوض المياه في هذه المنطقة خلال فترة الخريف وفيضان وادي تندلتي (حلوف) ووادي (سويلنقا) وامتلاء الرهد والبحيرة والمنطقة المحيطة مما يساعد في فتح تجويف هذه الآبار وخطورة غرق الأشخاص بها، ولهذه الآبار عمال متخصصون في عمليات التشغيل والصيانة والمتابعة وما يعرف بعملية (تكحيل البير) وخلال هذه الفترة يتوقف عمل الآبار حتى تكتمل الصيانة. وهذه الآبار أصبحت من معالم وتاريخ المدينة.

هنالك مجموعة من الآبار الإرتوازية والجوفية الموزعة بالمدينة وخاصة الجزء الغربي منها (أولاد الريف، رهد تندلتي، سوق المواشي، سوق أم دفسو وغيرها) وجميعها ظلت تخدم المدينة وتوفر مياه الشرب للإنسان والحيوان والأغراض الأخرى.

ومن خلال المنظمات الطوعية والإنسانية تم إدخال وحفر الآبار الإرتوازية الحديثة ذات المضخات اليدوية وسهلة التعامل من قبل الأفراد، بل حتى الأطفال يستطيعون التعامل معها، وسهلة التنفيذ وعمليات الصيانة وساعدت في حل مشكلة المياه ولو بجزء مقدر، وانتشرت بمختلف أحياء المدينة ومناطق دارفور الأخرى، ومن الجيد والملاحظ كان هنالك تدريب لمجموعة مختارة من كل حي يتم تدريبهم على التعامل معها وصيانتها وتكون معهم المعدات والأدوات المساعدة على ذلك، وقد أطلقت عليها ( الكرجاكة/بير نجاتا) ونسبة للحركة البدنية والميكانيكية أثناء ضخ المياه وتشغيلها، في التسعينيات ظهرت رقصة مشهورة بهذا الاسم يرقصها الشباب في حفلات الأعراس والمناسبات، ارتبطت ببعض الآبار الجوفية قصص وحكاوي وخرافات متعلقة بالجن (جناويات) وظهورها في أوقات معينة وخاصة في الليل، والملاحظ كل هذه الآبار تعمل في فترات الصباح والنهار فقط، وكان يتم تحذير الأطفال و الشباب والكبار أحياناً بعدم الاقتراب منها.

نواصل في الحلقة القادمة، وونتناول صهاريج المياه ومواقعها بالمدينة، ألوانها والحركة الدؤوبة حولها، رحلة البراميل، سوق (التفاتيف)، الصهاريج المتحركة ( الفنتاس/الفنطاس) وآلية توزيع المياه، (أكشاك الموية) المشهورة بالمدينة ، (الخراجة والكارو) وطرائفهم وشيء من الذاكرة عنهم، (الكرنقلي / الكرنكلي والجوز) من هم وكيف يعملون. كونوا معنا وانتظرونا لفرد مساحات من الذكريات. ولكم مودتي.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات