الأربعاء, مارس 12, 2025
الرئيسيةاخبار السوداناقليم دارفورختان الإناث في معسكرات النزوح.. قصص "دامية" في ظل غياب القانون

ختان الإناث في معسكرات النزوح.. قصص “دامية” في ظل غياب القانون

الفاشر- جُبراكة نيوز

عواطف إسحاق/ محمد الفاضل

بالرغم من أن ختان الإناث يعتبر مؤخراً ممارسة تجرمها القوانين السودانية، إذ تنص القوانين على عقوبة تصل إلى السجن ثلاث سنوات تطال المسؤول عن الممارسة، إلا أن العادة شديدة الضرر ما زال النازحون في معسكرات النزوح ومناطق عِدِّة في دارفور يمارسونها، رغم وجود بعض المدافعين عن الممارسة. مع هذا فإن ضررها الجسدي والنفسي بالغ للغاية، والذي قد تسبب أحيانا بوفاة المختونة، كما حدث مع ابنة إحدى السيدات اللائي تحدثن إلى “جبراكة نيوز”.

ووفق ما تتداول قطاعات كبيرة من ممارسي العادة، يسود اعتقاد لدى معظم ممارسي الختان في حق بناتهم، أن العادة تساهم في “حفظ شرف البنت وعائلتها”، بالحد من الرغبة الجنسية لديها عبر عملية البتر التي تطال أجزاء من جهازها التناسلي، كما أن العادة أصبحت جزءاً من التقاليد الاجتماعية التي تقام الولائم والاحتفالات على شرفها.

“بحسب إحصائية قديمة تعود للعام 2014، أجرتها “يونيسيف” فإن 86.6% من النساء في السودان تعرضن، للختان”

وينفي أخصائي النساء التوليد ومدير جامعة الفاشر سابقا البروفيسور آدم صالح محمد في حديث مع “جُبراكة نيوز” وجود وصف وذكر في القواميس الطبية ومراجع الطب العلمية لطريقة بتر الأعضاء التناسلية للمرأة للأغراض التي يدعيها ممارسو العادة، مؤكداً أن العملية التي تجرى ليست إلا عملية بتر، وصفها بـ “التشويه” وشدد على أن هذه العملية تتسبب في أذى جسيم للإناث وقد تؤدي مضاعفاتها إلى الموت، مناشداً الأسر ان يتركوا هذه العادات التي وصفها بـ “البالية”.

رغم الجهود الحكومية.. العادة ما زالت مستمرة

وبالرغم من أن الحكومة السودانية تبنَّت في العام 2008 خطة عشرية بالتعاون مع منظمات تطوعية ودولية كانت تسعى للقضاء على ختان الإناث بحلول العام 2018، إلا أن العادة ما زالت تمارس. واللافت في الأمر أن العادة تمارس لدى قطاعات واسعة من الشعب السوداني في واحدة من أكثر أنماطها ضرراً، وهي ما يعرف بـ “الختان الفرعوني”، إذ تقول دراسة لـ “يونيسيف” أن الختان الفرعوني يمارس بما نسبته 83% من مجمل حالات الختان في السودان.

وبحسب إحصائية قديمة تعود للعام 2014، أجرتها منظمة “يونيسيف” فإن 86.6% من النساء في السودان تعرضن، للختان، وهي نسبة عالية جدا توضح مدى استفحال الظاهرة، لكن إحصاءات لاحقة، أبانت تناقص عدد الحالات، وربما يعود ذلك للنشاط الكبير الذي تقوم به المنظمات التوعوية والهيئات الأممية في سبيل الحد من الظاهرة.

وجرَّمت الحكومة السودانية عملية الختان في العام 2020، مما ساهم في الحد من الظاهرة، إلا أنها لم تزل ممارسة في عدد من المناطق، منها على سبيل المثال معسكرات النزوح في دارفور التي كانت محط أنظارنا في جولتنا هذه من أجل تقييم الأوضاع هناك، والوقوف على حجم ممارسة هذه العادة.

كيف يبدو الوضع في معسكرات النزوح في دارفور؟

في معسكرات النزوح في دارفور غربي السودان، يعيش النازحون في أوضاعٍ مأساوية، حيث يفتقدون العديد من الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، فضلاً عن غياب الأمن، هذا مع غياب للسلطات الحكومية الرسمية وسيادة أنظمة الحكم الأهلي في المعسكرات، ما جعل هذه البيئات صالحة لاحتضان العديد من الظواهر الضارة بالإنسان والمجتمع.

لذا لم يكن من الغريب أن نجد ضمن من قابلتهم “جُبراكة نيوز” في استطلاعها لعدد من معسكرات النزوح في دارفور والمناطق المجاورة لها، من يؤيد الممارسة، التي قطعت جميع العلوم الطبية والاجتماعية والنفسية بضررها البالغ على من تمارس عليها العادة. وقد ساهم في ذلك غياب السلطات التي من الممكن أن تحد من الظاهرة بسلطة القانون، حيث يتولى زمام الأمور قيادات الإدارة الأهلية المؤقتة للمعسكرات.

وتبدي سيدة بمعسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور- فضلنا حجب اسمها حفاظا على الخصوصية- تبدي استغرابها من أن هناك بعض الفتيات لم يقمن بعملية الختان حتى الآن، مؤكدة أن لها صديقة لم تُختَن بعد، ما دفعها لاستنكار موقفها وحثها على الختان. وواصلت السيدة  قائلة “أن المعسكر لا توجد فيه بنت بلغت الرابعة عشر ولم تُختن” متسائلة: “كيف يمكن لهؤلاء أن يعشن حياة طبيعية”، مضيفة: “أُفضِّل الموت على العيب”.

في معسكر “أبوشوك” بولاية شمال دارفور، (م. أ- والد لخمس فتيات) بتجربة قاسية، حولت حياته رأساً على عقب، وجعلته أحد المناصرين والمطالبين باستكمال حقوق المرأة والمناهضين لجميع أشكال العنف الواقعة عليها. فقبل سنوات، ونزولاً لدى العادات والتقاليد المجتمعية، قام (م أ) بختان ابنته الكبرى، إلا أن عملية الختان لم تسر كما كان متوقع، فقد تسببت العملية بأن تصاب ابنته بنزيف كاد أن يؤدي بحياتها، إلا أنها شفيت بعد معاناة طويلة كما قال لـ “جبراكة نيوز”، ما دفعه لاحقاً للإحجام عن إجراء عملية الختان على بناته الأخريات، بل انخرط من لحظتها في محاولة لحث الآباء وأولياء أمور فتيات على عدم ممارسة الختان لبناتهم، ويؤكد أنه بذلك ساهم في تخفيف الظاهرة في مجتمعه.

“قابلة بمعسكر زمزم: لم أسمع بـ (البنج) ولم استخدمه إطلاقا”

في استطلاعنا تحدثت إلينا إحدى القابلات بمعسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور، وقد كانت سيدة تخطت السبعين بقليل، تقول إنها في العادة تمارس عملية الختان باستخدام الموس “شفرة الحلاقة” بالاستعانة بمواد شعبية، كنبات “القرض” الذي “يعتقد شعبيا” بمفعوله المطهر، بالإضافة إلى استخدام المياه الساخنة في عمليات النظافة وإزالة الدماء التي تخلفها عملية البتر الجراحية.

وبحسب حديث القابلة، هذا كل ما تحتاجه لإجراء العملية، ما دفعنا للتساؤل حول الألم الذي تخلفه هذه العملية الجراحية. ففي العادة ما يقوم الأطباء رأفة بمن يخضع لعملية جراحية باستخدام التخدير الكامل أو الموضعي حتى في أبسط العمليات الجراحية كخياطة الجروح الصغيرة, لكن القابلة عندما سألنها عما إذا كانت تستخدم أي نوع من “البنج” –مخدر طبي- أكدت أنها لم تسمع به, ولم استخدمه إطلاقاً.

عند سؤالنا لها إذا ما كانت عمليات الختان تجري الآن كما كانت تجري في الماضي؟ قالت إن “الطهور” تغيّر فمعظم أولياء أمور الفتيات أصبحوا يطلبون “ختان السنة” –وهو ختان أضراره الجسمانية على جهاز الفتاة التناسلي أقل من الختان المعرف بالفرعوني- وأرجعت اتجاه أولياء الأمور لختان بناتهم بما يعرف بـ “ختان السنة” إلى القرار الحكومي بتجريم الختان قانونياً، مضيفةً أنها تنفذ فقط ما يطلبه منها “الزبون”.

كانت السيدة (م أ) التي تعيش بمعسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور، كادت تغالب دموعها، والتي لم تفلح في كبحها، عندما تحدثت إلى “جُبراكة نيوز” وهي تحكي عن كيف أنها فقدت بنتها التي توفت جرّاء مضاعفات لاحقة لعملية الختان, فقد أصيبت بنتها ب”الناسور” أثناء الولادة. –تعتبر عملية الختان إحدى الأسباب الرئيسية لتعثر الولادة لدى النساء الائي تعرضن للختان, معتبرة أن بنتها توفت بسبب الختان الذي “شاركت فيه” بحد قولها.

وتضيف (م أ) أنه بسبب وفاة بنتها فإنها بدأت حملة واسعة في التعريف بمخاطر الختان، كما انخرطت في عدد من الورش وحملات التوعوية التي نظمتها مبادرة “سليمة” ومنظمة اليونيسيف، حيث تقول إنها باتت تتحدث عن مخاطر الختان حتى أثناء جلسات القهوة.

لا توجد إحصاءات دقيقة بالطبع لواقع ممارسة عادة الختان في المعسكرات، نسبة لما تعانيه تلك المعسكرات من غياب للأجهزة الرسمية والتواجد الطفيف للمنظمات الطوعية، لكن وبحسب ما أوضحته جولتنا السريعة هذه، فما زالت عملية ختان الإناث تمارس بشكل كبير في المعسكرات، كما هو الحال في عدد من مناطق السودان التي ما زالت تتمسك بالعادة قديمة الجذور، لكن يبدو الوضع في معسكرات النزوح استثنائياً، نسبة لغياب الرقابة وانعدام إمكانية محاسبة المتورطين في ترسيخ وممارسة الختان.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات