الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةتقاريرالقانون الجنائي السوداني أداة في يد السلطات للتمييز الديني

القانون الجنائي السوداني أداة في يد السلطات للتمييز الديني

الخرطوم – جبراكة نيوز

تقرير- حيدر عبدالكريم

يشكل تداخل النصوص القانونية وتعدد مصادرها معضلة تؤدي إلى شيوع حالات التمييز بين المكونات الدينية المختلفة في السودان، كما سبق وأن عرقل جهود الإصلاح القانوني إبان فترة الحكومة الانتقالية عقب الاطاحة بنظام الاخوان المسلمين عام 2019.

فبعد حكم نظام الإنقاذ للسودان الذي استمر نحو ثلاثة عقود، سعت الحكومة الانتقالية لإجراء إصلاحات قانونية تتماشى مع النصوص الدستورية، وتتيح الحريات العامة لكافة المواطنين بما يضمن كفالة حق المعتقد والدين، إذ عانت النساء خلال فترة الإنقاذ من استهداف ممنهج قانونياً عبر مواد تجرم بيع الخمر وتقيد مخالطة الرجال وحرية اللباس، وتنص هذه المواد القانونية على إنزال عقوبات متعددة في جرائم فضفاضة، لاسيما عقوبة الزي الفاضح الذي يسمح بإيقاع عقوبة الجلد والغرامة أو السجن في حال عدم دفع الغرامة، جات التعديلات التى ادخل على نصوص من القانون الجنائي تحمل نفس الغموض واسس لتجريم السلوك وليس الفعل كما هو الحال في المادة 152 الذي تضمن تجريم السلوك ذات الطبيعة الجنسية وليس افعالا.

وقفة احتجاجية امام مكتب االمفوض السامي لحقوق الانسان بالخرطوم رفضاً للانتهاكات ضد النساء المطابة بالغاء عقوبة (الرجم) التي اقرتها محكمة جنايات كوستي بحق امرأة في يوليو الماضي. “شبكة عاين”.

مواد الاداب العامة التى تشمل المواد 152/ 153/ 154/155/156/157/158/159/160/161/162/163/164، يراها جمعيات نسوية ومدافعيين عن حقوق انسان مواد قمعية وان الاصلاحات الذي طرأ على اربعة نصوص يشكل ترقيع ولا تفي بالغرض لجهة ان النصوص المعدلة لم تغيير في مضمانها، كما هو في المادة 152 الذي ينظم ارتداء الزي في الاماكن العامة تم تعديلها وتحول الى نص يحاكم السلوك وبحسب المحامي محمد يوسف عضو الميادرة السودانية لحقوق الانسان ان نصوص المادة بنسختيها اتاحت صلاحيات واسعة لرجل الشرطة العادة وهو في الاساس ليس لديه دراية كافية بالثقافات والتنوع الديني ووصفها يوسف بانها مادة قمعية للنساء، وتناول عموميات ولا تحمل مبادئ تضبط عمل الشرطي خلال تطبيق المادة.

وطالب يوسف باجراء اصلاحات قانونية شاملة تصون الحقوق ويقول: “ما تم من تعديلات على القوانين هو ترقيع وليس اصلاح تنشد محو التمييز الذي اصل لها القوانين.

إقبال حسن محمد (45 سنة) تعرضت لعديد المضايقات وتم إيداعها حراسات النظام العام مرتين بسبب اللباس، وتقول إن المرة الأولى كانت عام 2004 حيث “تم توقيفي بمدينة بورتسودان بسبب عدم تغطية شعري بحجاب والجلوس مع أحد أصدقائي قرب شاطئ البحر الأحمر”، مضيفة أنها تعرضت للإساءة مع أخريات “بأبشع الألفاظ من رجال الشرطة وطلب مني ضابط رفيع كشف ما أرتديه من الداخل وعندما رفضت تم تدوين ضدي بلاغ تحت المادة ١٥٢ وأجبرت وفتيات أخريات على كتابة تعهد بعدم الإخلال بنصوص المادة”. تشرح إقبال آثار التجربة القاسية عليها “شعرت بعدم الأمان بسبب الانتهاكات والإساءات التي تعرضت لها”، مشيرة إلى أن هذه المادة القانونية تؤسس لإرهاب النساء والمس بكرامتهن”.

وتعرضت إقبال للتوقيف للمرة الثانية بسبب ارتداء بنطال في الطريق العام بالخرطوم، وتوضح أن شرطية أوقفتها بسبب عدم إعجابها بلباسها وخاطبتها بطريقة “مستفزة”، مضيفة أنها طلبت من الشرطية مخاطبتها بطريقة لائقة، فاقتيدت إلى قسم النظام العام وهُددت بالإيداع في الحراسة في حال عدم الاعتذار للشرطية، وتتابع “عندما تمسكت بموقفي تم إيداعي الحراسة لساعات و أجبرت مرة أخرى على كتابة تعهد”.

لم تتوقف مشاكل السيدة الأربعينية، إذ فُصلت لاحقاً من وظيفة بإحدى الشركات المملوكة للدولة بسبب عدم ارتداء طرحة لتغطية الرأس”، لافتة إلى أن الفصل حدث “بالرغم من وقوف المدير المباشر معي وقناعته بعدم وجود مشكلة في أداء مهامي الوظيفية”.

وتنص المادة 152 قبل التعديل على أن “من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة ويسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو العقوبتين معا”، لتصبح بعد التعديل “من يأتي في مكان عام فعلا ذا طبيعة جنسية أو تصدر منه إشارات ذات معاني جنسية يسبب مضايقة للشعور العام أو الحياء العام يعاقب بالسجن لمدة ستة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا”.

ويؤكد المحامي محمد يوسف أن المادة 152 سمحت لأي شخص في الطريق العام الاعتراض على لبس الفتيات ورفع دعاوى جنائية ضدهن وفقاً للنص الأساسي، بينما النص المعدل يمنح نفس الحق في السلوك.

وفي يوليو 2015 قالت منظمة العفو الدولية إن شرطة النظام العام ألقت القبض على 12 طالبة من الطائفة المسيحية ووجهت لعشرة منهن تهمة التزيين والزي الفاضح، وبحسب المنظمة، تم توقيف الطالبات أمام الكنيسة الإنجيلية المعمدانية شمالي الخرطوم، ومن ثم تمت محاكمتهن بالغرامة والجلد، وفي عام 2018 تعرضت الصحافية والناشطة ويني عمر للتوقيف وهي في زيارة مع صديقتها في منزلها من قوات شرطية في وسط الخرطوم وتم اقتيادها إلى مكاتب الشرطة وتم تفتيش أجهزتها المحمولة وحبسها لخمسة أيام ليتم اطلاق سراحها بالضمان.

وتقول المحامية نفيسة حجر أن نص المادة 152 شابه الغموض وشكل مخالفة لشروط القاعدة القانونية التي تستوجب التجرد وعدم الغموض، وتوضح أن “المشرع السوداني ترك شرخاً قانونياً بمنح السلطة التقديرية لمزاج الشرطي وجعله يحدد ما إذا كان الزي فاضحا أم لا عند ممارسته لسلطة الضبط والقبض على المتهمة أو المتهم”، وكذلك من خلال “عدم تعريف ماهو الزي الفاضح بشكل واضح ووضع معيار للفعل المخل بالآداب العامة حيث أقر معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل وعرف البلد الذي يقع فيه الفعل”، وتردف أن “هذا الخلل لم تتم معالجته عبر التعديل”، وتعتبر حجر أن المادة تخالف المبادئ الدستورية الواردة في وثيقة الحريات في الدستور الانتقالي لسنة 2005 التي تكفل الحريات الشخصية ومن بينها حرية الدين والمعتقد واللبس والرأي والتعبير.

من جانبها، توضح الأستاذة الجامعية والناشطة النسوية في مبادرة حارسات هادية حسب الله، أن المادة 152 هي “نتاج الإرث المقيت للمشروع الإنقاذي الذي كانت تحميه سياط النظام العام وانتهى الى عكس دعواه وأمنياته إذ في عهده وقعت البلاد في أعمق حفرة للتفسخ الأخلاقي”. وتضيف حسب الله أن ذلك المشروع “ينطبق تماما مع حقيقته كمشروع مناقض للدين والأخلاق والإنسانية فهو يعتمد السيطرة على المجتمع وتتبع عوراته وليس باستهداف الخير فيه”. وتتابع قائلة “اكتملت حلقة هذا المشروع بغياب المساءلة والمراقبة مع انعدام الديمقراطية والحريات فصارت شرطة النظام العام الأكثر تشوهاً وانتهاكاً رغم ادعاءات الطهارة”، وتقول حسب الله “رغم نجاح الحكومة الانتقالية في الغاء قانون النظام العام الا ان الانقلاب عرقل الخطوات ولم تسمح لها باستكمال عملها على جميع القوانين ومن ضمنها نصوص اخري في القانون الجنائي وقانون الاحول الشخصية” وتوضح “لا مجال سوى استكمال مهام الثورة عقب استعادة الفترة الانتقالية واصلاح القوانين لضمان عدم ارتكاب انتهاكات مبررة بالقوانين القمعية”.

بدورها، ترى الناشطة والباحثة هالة الكارب أن “تداخل الدولة مع العقيدة والبنية المجتمعية بسبب نظام حكم الإسلاميين في العقود الثلاثة الماضية وضعت الأمة في مأزق تاريخي”، وتلفت الكارب التي تعمل في مجالات حقوق الانسان والفتيات والمجموعات المتأثرة بالحروب في السودان وجنوب السودان والقرن الافريقي أن هذه المشكلة تعمقت بسبب “رواج خطاب انحطاط عام والزج بقيود غير مفيدة،”، وتشدد الكارب أن ذلك يستلزم “التحرير والعمل على تأسيس دولة مواطنة متساوية يحترم فيها المسلمون وأصحاب الديانات الاخرى حقوق الاخرين بما فيهم من اختار عدم التدين طوعاً”.

وتشير الباحثة إلى أن السودانيين وجدوا أنفسهم أمام خيارين، “الأول يجبرهم على القبول بالظلم والجور وانعدام الكرامة بحجة المحافظة على الدين وهو ما تروجه القراءات الأصولية للدين” أو “مقاطعة الدين كخيار ثانٍ”، مشيرة إلى أن الخيار الآخر عبارة عن “مسالة بائسة وغير موضوعية وغير مقبولة لأن المكون النفسي والثقافي والأخلاقي للأمة السودانية يشكل الإسلام جزءا أساسيا منها”، وتتابع أن التقاليد الإسلامية تؤثر بقوة على الهوية الثقافية والوطنية للبلاد و”يجب الاحتفاء بها مع عدم الاستسلام في وجه القراءات البائسة والتأثير المتزايد للإسلام الأصولي وتصدير أنماط التدين المرفوضة”.

وترى الكارب أن الإسلاميين أثبتوا فشلهم في تطبيق القيم التي ينادون بها، مشددة على ضرورة استعادة العلاقة مع الدين والثقافة بشكل موضوعي وإنفاذ العدالة وإزالة التحديات التى تحط من كرامة المرأة وتنتهك حقوق الانسان.

وفيما يتعلق بالتمييز ضد النساء دينياً وعلى أساس النوع الاجتماعي، تلفت الكارب لوجود 1300 امرأة في سجن الهدى للنساء في جرائم غير موجودة اساساً، وتقول إن الدولة خلقت شرخا كبيرا في قوانين المواطنة المتساوية عبر التعامل والمعالجة غير الموضوعية للمجتمع، وإقرار تشريعات غير موضوعية دون النظر لظروف النساء المختلفة والخلفيات الدينية التي ينتمين لها.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات