خالدة يعقوب*
لا تعد الحرب في السودان ذات أهميَّة دوليَّة كما هي حال بقيَّة الحروب في الوقت الحالي، مثل الحرب في أوكرانيا، والحرب في سوريا. هناك عقبة الأهميَّة الإقليميَّة، إذ يبدو أن القارة الأفريقيَّة ما تزال في قاع الأهميَّة، ولا تمثل ثقلاً دولياً. أيضاً هناك أسباب أخرى غير الأسباب الجغرافيَّة أو التاريخيَّة.
السبب الرئيس هو أن الحرب ليست بين أطراف متخاصمة، وإنما بين طرفي نزاع أو أطراف نزاع متعددة تصطف جميعها ضد الشعب السوداني نفسه. الشعب السوداني لا يؤمن بالحرب، ولا يقف مع طرف دون الآخر برغم أن هناك مجموعة تشجع الجيش السوداني بقياده عبد الفتاح البرهان، ولكن هذه المجموعة ليست لديها أدوات تفكير نقدي تمكنها من التعبير عن نفسها، وجعل أسباب مناصرتها مقنعة لدى عامة الجمهور، إنما هي أصوات لأشخاص قد يكونوا تابعين للنظام السابق، أو لديهم عداوة مع قوات الدعم السريع، أو يعانون من ضآلة التعليم وقلة الوعي.
عندما تكون الحروب بين أطراف متخاصمة مثل روسيا وأوكرانيا، أو روسيا والولايات المتحدة، وكما هي الحال في سوريا بين النظام الديكتاتوري بقياده بشار الأسد – وهو النظام القائم حتى الآن – والجماعات الإسلاميَّة والجماعات المعارضة؛ تختلف عن الوضع في السودان، فهو وضع تراه المجموعة السياسيَّة التي لديها أدوات للتعبير عن نفسها، بأنه وضع حرب هزليَّة ومظهريَّة وصوريَّة للقضاء على المجتمع السوداني بشكله الحالي، حرب من أجل إخضاع السودانيين وترويضهم للقبول بنظام عسكري، وليس بنظام مدني ديمقراطي.
تعقدت الحال في السودان على الجيش أو الجماعة العسكريَّة بشكل كامل. لم يستطيعوا بأي شكل من الأشكال إخضاع المقاومة السودانيَّة التي بدأت منذ ديسمبر 2018 إلى الآن بلا توقف. يبدو أن الثورة السودانيَّة ستستمر إلى العديد من السنوات أو العقود، مع وجود هذا الإيمان الراسخ العريق بالديمقراطيَّة والحق في الدولة المدنيَّة والبعد عن الدوغمائيَّة العسكريَّة. هذا الشيء سيجعل من السودان مستقبلاً دولة ذات سيادة، ودولة ذات حضارة مدنيَّة متميزة.
الشعب السوداني مؤمن بمستقبل منفتح على العالم، ومستقبل قائم على الاقتصاد الحضاري المتقدم، قائم على الديمقراطيَّة والتعدديَّة، والطريق سيكون طويلاً، وستدخل فيه حروب هزليَّة بين جماعات عسكريَّة من أجل التشويش على الصراع الحقيقي بين الدولة المدنيَّة والعسكريَّة، وستستمر الحال في المناهضة إلى أن يصل الشعب السوداني إلى هذه الدولة المدنيَّة، التي ستكون دولة حديثة وسط القارة الأفريقيَّة، ووسط الشرق الأوسط مثل الكلمة الشاذة، أو مثل الشعلة التي ستغير من طبيعة المنطقة.
عندما يكون الصراع على معتقد حقيقي أو كينونة من أجل الوجود، وعدم الخضوع، فإن الصراع ليس سهلاً أو بسيطاً، والثورات الحقيقيَّة تستمر لعقود من الزمان، لأنها تغيير في الفكر الاجتماعي، والحضاري، والسياسي، والاقتصادي. كل مرة يقاوم الشعب السوداني بطريقة مختلفة، ومما أدهش الجيوش وأدهش الحركة المدنيَّة نفسها، أنه في خضم الحرب القائمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم، وهي معركة جانبيَّة لا تصب في مصلحة الديمقراطيَّة؛ قام الشعب السوداني بالخروج في مظاهرات من أجل مناصرة الفتيات اللاتي تم اغتصابهن من قبل قوات الدعم السريع. هذه المظاهرات أثبتت أن الحركة المدنيَّة المقاومة تستطيع العيش حتى في منتصف حرب أهليَّة. مجموعة من المدنيين العالقين في وسط حرب عسكريَّة حامية الوطيس، استطاعوا التعبير عن أنفسهم، وتنظيم مظاهرات ومقاومة مدنيَّة، وكأن الوضع وضع طبيعي تماماً، أو قد يكون الأمر راجعاً إلى طبيعة الاغتصاب، فهو فعل يهيج الشعوب ويهيج المقاومة، ويعطي الشعوب الإحساس بالانتهاك التام.
أتمنى في القريب العاجل أن يفهم كل من له أطماع عسكريَّة في حكم البلاد، أنه لن يستتب له الوضع، وأن هذه الحركة المدنيَّة هي المسار الطبيعي لمجتمع قام بثلاث ثورات سابقة، وتم إخمادها وقطع الطريق عليها بنظم دكتاتوريَّة متواطئة مع الجيش السوداني.
___________________________
*كاتبة وأديبة سودانية
أحدث التعليقات