الخميس, مارس 13, 2025
الرئيسيةمقالاتنظرة في القوى الاجتماعية لثورة ديسمبر السودانية

نظرة في القوى الاجتماعية لثورة ديسمبر السودانية

خالدة يعقوب*

بنظرة سريعة يبدو أن قوى الثورة السودانيَّة تنقسم إلى خمس مجموعات رئيسة، يحدث بينها اختلاط وانسجام، ولكن كل مجموعة لديها صفات مميزة.

 المجموعة الأولى، هي مجموعة ما قبل السادس من أبريل، أو مجموعة ما قبل الاعتصام. هذه المجموعة تتكون من أبناء الحركة السودانيَّة، أو أحفاد أبناء الحركة السودانيَّة القدامى، وأبناء الأحياء العريقة، وأشخاص لديهم تجربة سياسيَّة سابقة، وأشخاص لديهم اطلاع أو لديهم علاقات بأشخاص لديهم اطلاع ومعرفة بالتاريخ والواقع السياسي بشكل عميق. هذه المجموعة احتضنت الثورة منذ البداية، وخرجت في المظاهرات برغم أن ليدها شكوك، بسبب المعرفة السابقة بتاريخ السودان، ولديها تصورات عن كيفيَّة تطور البلاد. وعندما وصلت الذروة في 6 أبريل 2019، انضمت إليها مجموعة جديده اسمها “ما بعد الاعتصام”.

 مجموعة ما قبل الاعتصام، ومجموعة ما بعد الاعتصام، دُمجتا في الاعتصام. أظهر الاعتصام للسودانيين أن هناك فروقاً كبيرة، هناك مجموعة ليبراليَّة متحررة لديها أسلوب حياة خاص، ومجموعة تقليدية. وجدت المجموعتان معاً، وظهرت الحساسية وعدم الانسجام، ولكن عندما تم فض الاعتصام، بدأت المجموعة الأولى، مجموعة ما قبل الاعتصام، بالخروج من الثورة بشكلها العملي والفعلي والجسدي، بسبب الصدمة النفسيَّة العنيفة، وبسبب الوحشيَّة التي ظهرت في فض الاعتصام من جميع القوات، لاسيما من العنصر الجديد، وهو قوات الدعم السريع، التي لديها نموذج خاص من الوحشيَّة، يقوم في الغالب على المزج بين الاغتصاب والقتل بصورة كبيرة. هذه المجموعة التي خرجت بسبب الصدمة النفسيَّة، وقفت من خلف الستار تشجع المجموعة التي استمرت، مجموعة ما بعد الاعتصام، حتى وصول حمدوك إلى قيادة الحكومة العسكريَّة المدنيَّة المؤتلفة، وهدأت قليلاً.

وتأتي المجموعة الثالثة منذ تولي حمدوك إلى قيام عبد الفتاح البرهان بحل حكومة حمدوك في 25 أكتوبر، وكانت تخرج في مظاهرات أثناء وجود حكومة حمدوك، وهي مجموعة لديها أهداف سياسيَّة ووعي سياسي دقيق، وكانت قادرة على أن تخاطب مجموعة حمدوك من خلال الشارع، واستطاعت أن تنتقد الحكومة. هذه المجموعة قليلة العدد فلم تستطع تكوين ذروة وخروج جماعي كبير إلا عندما قام البرهان بحل حكومة حمدوك. وهنا تأتي المجموعة الرابعة وتخرج المجموعة الثالثة من المشهد وتسلم الراية للمجموعة الرابعة، التي ظهرت مع المجموعة الثالثة بعد انقلاب البرهان، وكان هذا حدثاً كبيراً، وخرجت بسببه مظاهرات عارمة.

هذه المجموعة الرابعة تميزت بوجود أشخاص لديهم وعي ثوري، ولكنهم كانوا أطفالاً خلال الفترات السابقة، واستطاعوا الخروج في هذه المظاهرات بسبب الأهليَّة التي اكتسبوها. هذه المجموعة شهدت أكبر قدر من الوحشيَّة، لأن الحكومة العسكريَّة بقيادة البرهان أكثرت في القتل والاغتصاب، ولم تتعامل تعاملاً أمنياً مدنياً، وإنما تعاملاً عسكرياً أكثر وحشية، لذلك لم تستطع المجموعة الثالثة التي كانت تتميز بكبار السن والمفكرين السياسيين، المواجهة، وخرجت لتترك المجال للمجموعة الرابعة الأصغر سناً وأكثر حماساً.

تمكنت هذه المجموعة من الصمود بشكل أكبر، وشكلت غموضاً سياسياً، لأن الحكومة العسكريَّة لم تستطع تحديد هويتها، وأصبحت تواجه الشباب بعشوائيَّة، وتتهم أي شخص من تلك الفئة العمريَّة. نجحت هذه المجموعة لأنها لم تكن لديها مميزات خاصة، وإنما ابتعدت عن تجمع المهنيين والأحزاب السياسيَّة واقتربت من لجان المقاومة، وأحياناً تقترب من الأحزاب السياسيَّة، فأصبحت تشكل هاجساً وقلقاً للحكم العسكري.

المجموعة الرابعة شملت أيضاً مشردين وأصحاب مهن غير مكتبية ودراسيَّة، وأصحاب المهن الهامشيَّة، وشملت جماعات من المجتمع شتى، وانتشرت في قطاعات كبيرة، وكان نشاطها هستيرياً، وتنظيمها عشوائياً، فجعلت من حكومة البرهان مهزلة ومضحكة وهي تحاول ملاحقتها.

أما المجموعة الخامسة فظهرت مع بداية الحرب، وهي المجموعة التي يمكن أن تعد شبحيَّة وكابوسيَّة، لأن الحرب هي أكبر سلاح يمكن لمجموعة عسكرية أن تستخدمه من أجل تفتيت المجتمع والقضاء على الحركة السياسيَّة. ووجود هذه المجموعة الخامسة التي تقوم بالمظاهرات السياسيَّة السلميَّة في وضع الحرب أمر مفاجئ، ويدل على أن الثورة لا تعتمد على أشخاص، وإنما تعتمد على فكرة أثيرية تلتقطها العقول والقلوب، وتسير في الوجدان، ولا يمكن أن تتراجع إلى أن تحقق مصيرها، وهو تكوين الدولة الحديثة.

—————–

*كاتبة وأديبة سودانية

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات