الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةمقالاتالبحث عن أرض الميعاد/ أحمد داوود 

البحث عن أرض الميعاد/ أحمد داوود 

البحث عن أرض الميعاد/ احمد داوود

من منظور اليمين الشعبوي في المركز _ تكمن الوصفة  الانجع للتصدي لخطر الجنجويد في فصل دارفور؛ الجغرافيا التي لطالما صدرت القتلة و أمراء الحرب القبليين.

هذه الروشتة المقدمة من الشعبويين العنصريين تتجاهل الدور الذي لعبته النخب النيلية في تأسيس مؤسسةالجنجويد و تعمل علي إلقاء اللوم فقط علي دارفور كتكتيك ممنهج للهروب من دفع ضريبة سنوات من سياسات التهميش والافقار.

علي الجانب الآخر ، و لو ان الدعم السريع الذي يتكون من بقايا الجنجويد السابقين يقف علي أرضية صلبة من المظالم التاريخية بالنسبة لعرب دارفور الا انه يعمل وبشكل خفي علي استخدام ورقة المظالم التاريخية للتدشين لمشروعه الاستئصالي المدعوم اماراتيا.

تحالف عربي_عربي

في مقاربة جديدة لفهم طبيعة الصراع في دارفور ، ينظر باحثين لتورط الكيانات العربية في قمع الشعوب الافريقية  في دارفور لا كنتاج لانعدام الوعي السياسي فقط ، وإنما كنتاج لتحالف مصلحي بين عرب دارفور و النخب المركزية.

يستند التحالف  علي التزام النخب العربية في دارفور بأداء المهام القذرة للنخب النيلية عبر سحق الثورات والتمردات الشعبية في مقابل حصولهم علي الأرض.

يمكن ارجاع الجذور التاريخية لهذا الحلف البراغماتي الي بدايات ما سميت بالثورة المهدية التي دشنت اول نظام اسلاموعروبي  في السودان  والتي إنتهت بابراز الجانب القبيح من حكم النخب العربية الدارفورية الذي ما زالت آثاره باقية في ذاكرة الكيانات النيلية.

لقد كان من بين أبرز  نتائج هذا الحلف بعد حرب دارفور عمليات الاستيطان التي تمت لجماعات عربية من النيجر و تشاد في اراضي الشعوب الافريقية في دارفور.

يمكن إيجاد نماذج أخري أيضا في مدن مثل نيالا التي تم فيها تخصيص أحياء سكنية كاملة لعناصر الدعم السريع المشاركين في عاصفة الحزم والذين سبق وأن شاركوا في قمع الثورة الشعبية في دارفور.

مشروع أرض الميعاد

أدت سنوات من إنعدام الثقة و المخاوف المدعمة بالتجارب التاريخية بجانب تناقض المصالح الي فض التحالف والذي كان من أبرز نتائجه اندلاع معركة الخرطوم التي نزعت القناع عن المشروع الحقيقي للنخب العربية الدارفورية الذي كان من أبرز ملامحه سيطرتهم علي جهاز الدولة كمرحلة اولي في  سياق مشروع ضخم مدعوم امارتيا يستهدف بالأساس المنطقة الممتدة بين السودان و تشاد والنيجر ومالي الي حد ما.

و بدأ ذلك واضحا في حجم المرتزقة الأجانب الذين تم استجلابهم بالخرطوم ، والذين قدرت اعدادهم قبل أشهر بنحو 18 الف.

الخطة “ب”

لما ايقنت النخب العربية استحالة تنفيذ هذا المشروع بعد أشهر من المواجهات الدامية ، انتقلت الي الخطة  “ب” والتي تعني السيطرة الكاملة علي دارفور و التي بدأ تديشنها رسميا باحتلال مدينتي نيالا و الجنينة.

لقد كان الافتقار الي الأرض هو ما يمثل العائق الابرز أمام المشروع المقدس. ففي دارفور  ترتبط  ممارسة السلطة دوما بحيازة الأرض التي تحدد علاقات السلطة و الثورة بالتالي كان من المهم وفي سياق وضع حجر الأساس لأرض الميعاد المنشودة إعادة السيطرة الكاملة علي دارفور.

رغم محاولة الإعلام الموالي تصوير احتلال الدعم السريع لمدن دارفور وكأنه تكتيك تفاوضي يحقق من خلاله بعض المكاسب في منبر جدة ، الا ان المعطيات تثبت عكس ذلك.

بحيث تفهم السيطرة العسكرية  لا بوصفها تكتيك تفاوضي  وإنما كمدخل للسيطرة الكاملة علي دارفور. و تتيح السيطرة للدعم السريع الحق الحصري في إعادة هندسة دارفور سياسيا و ثقافيا و اجتماعيا  بما يضمن سيطرة حواضنه الاجتماعية عليها.

انه اشبه بعملية وضع حجر الأساس  لأرض الميعاد العربية في دارفور  عبر نقل تجربة النظام القديم الذي يكرس للتفوق العرقي و الثقافي  لكيانات معينة علي حساب الكيانات الدارفورية قاطبة.

ففي ظل هذا النظام  تصبح السلطة السياسية و الشرطة والقضاء وادوات العنف محتكرة من قبل آل دقلو  و العشائر والقبائل المنضوية تحت لواء مشروع أرض الميعاد.

عليه ، وفي الحالة هذه لو نجح اليمين الشعبوي في تمرير كرت الانفصال  ، سيصبح الدعم السريع الذي  سبق وأن كان يد المركز الباطشة فاعلا اساسيا في اية عملية تأسيس للدولة الوليدة و مسيطرا عليها، و هو ما يعني بطبيعة الحال إستنساخ نفس الازمة القديمة داخل فضاء الدولة الجديدة بكل تمظهراتها الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية.

يسلط هذا الأمر الضوء بشكل واضح علي القواسم و الأهداف المشتركة للشعبويين والنخب العربية في دارفور بوصفهما أبناء نفس السياق الثقافي والحضاري المؤمن بحق العرب في حكم السودان كمدخل للتمدد في أفريقيا.

الموقف الشعبي

لقد كان الموقف الشعبي العربي  مناهضا لهذا المشروع غير ان الجنرال حميدتي نجح في تمريره اولا بشراء ذمم رجال الإدارة الأهلية و زعماء القبائل  وثانيا بالاستعانة بمرتزقة اجانب من النيجر و تشاد ليفرض علي ابناء عمومته في دارفور سياسة الأمر الواقع.

يعتبر حميدتي  في نظر كثير من عرب الشتات بمثابة” المخلص ” و المسيح المنتظر وهو ما يفسر استعداد اغلب شباب القبائل  للتضحية بحياتهم من أجله.

المخاطر و آفاق الحلول 

لا يمكن فهم معركة الخرطوم و احتلال مدن دارفور الا بوصفها تدشين رسمي لمشروع  أرض الميعاد.

يرتكز هذا المشروع علي ثلاث أضلاع؛ النخب العربية الدارفورية، عرب الشتات في أفريقيا، المركز الاسلاموعروبي ممثلا في الإمارات.

وفيما تتعمد الترسانة الإعلامية للدعم السريع تسليط الأنظار  علي فظاعات  النخب النيلية و اشاعة فوبيا الكيزان  كشكل من أشكال التعتيم و سياسة تشتيت الأنظار  ، يقوم جنرالات الدعم السريع  بتنفيذ المهمة المقدسة بكل أمانة و إخلاص بينما تتكفل الإمارات بتوفير الدعم والغطاء السياسي و الدبلوماسي.

لقد ادت الاطماع السياسية  للنخب العربية الدارفورية الي توريط شباب القبائل العربية في حروب بالوكالة، و تقديمهم كقرابين بشرية من أجل الانتصار لنوازعهم الذاتية.

مخاطر هذا المشروع لن تطال فقط الشعوب الافريقية في دارفور ، تكمن خطورته أيضا في انه سيكون مدخلا للحرب الأهلية الشاملة وتفتيت دارفور باعلاء خطاب الهويات الجزئية و تعزيز الانقسامات الاجتماعية الذي ستدفع ثمنه في نهاية الأمر الكيانات العربية التي تورطت في هذا المشروع.

صحيح ان الكيانات العربية في دارفور كغيرها من الكيانات كانت عرضة لعنف الدولة ولكل أشكال التهميش و الاستبعاد الممنهج ، لكن عليها الا تقبل بأن تتحول لاداة في يد النخب الانتهازية عبر التورط في حروب الوكالة و دعم المشاريع الاستئصالية و المدعومة خليجيا.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات