جُبراكة نيوز- طارق ساكس*
علي إبراهيم فاركا تورى، مغنٍ وعازف جيتار ينتمي إلى السودان الفرنسي “جمهورية مالي حالياً، ولِد في 31 اكتوبر 1939 في قرية كاناو على ضفاف نهر النيجر شمال غرب مالي، هو الابن العاشر لوالديه لكنه الطفل الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من بين اخوته.
كان الاسم الذي اعطاؤه له هو “علي؛ ولكن التقاليد الأفريقية تقول عندما يموت عدد من الأخوة، تقوم الأسرة بإعطاء الطفل لقباً غريباً، حتى يكف عنه “العين” لا يموت وفق ما يعتقدونه، وفى حالة علي كان الاسم الغريب الذي مُنِح له هو “فاركا” وتعني “حمار الشيل” كما عندنا “جمل الشيل”، لقوة الحمار وصبره وقوته على التحمل.
توفي والده وهو صغير حيث كان والده يخدم في جيش الاحتلال الفرنسي، فاتجهت الأسرة جنوباً لتستقر في قرية نيافونكى، القرية التي اختارها لبقية حياته وطناً له، وارتبط بها مخلداً إياها في موسيقى وأغنيات سيتردد صداها إلى الأبد في أركان العالم الأربعة عبر الإلبوم الذي يحمل اسمها “نيافونكى”.

لم تعرف أسرة علي فاركا تورى من قبل عمل الموسيقى، ففي مالي اُحتكرت الموسيقى بصوره كبيره بتوارث سُلالة من الموسيقيين (الجريوت) وهى الخلفية التي لا ينتمي إليها علي، وهو سليل محاربين نبلاء تعود أصولهم إلى قومية (الارما) الذين استقر بهم الحال على ضفة نهر النيجر بمالي في نهايات القرن السادس عشر قادمين من أقصى المغرب، لذا حين أراد ابنه فيو فاركا تورى احتراف الغناء رفض الوالد إذ أراد له ان يصير جندياً متبعاً خطى أجداده، لكن الابن مثل أبيه حالياً فيو فاركا تورى أحد المبدعين البارزين في الموسيقى الأفريقية والعالمية.
بداية فاركا تورى الفنية كانت في منتصف الخمسينات، إذ كان يغنى بلغته الأم القومية (الارما) التى ينتمي إليها بالإضافه إلى لغات قوميات أخرى كمثال قومية الطوارق وقومية الفولاني أو الفلاتة” وقومية السنغاى.
فاركا تورى ذلك الأسطورة الذي أبدع منذ الخمسينات في أفريقيا وبالتحديد في الجانب الغربي الجغرافي من القارة حتى قدم إلى أوربا في ستينيات القرن الماضي عبر فرنسا باعتباره من أوائل المبدعين الأفارقة جنوب الصحراء ليعكس ويعرض ثقافته الأفريقية للعالم الغربي مسطحباً معه كل ما يملك من إبداع.
اتسمت علاقة فاركا تورى بموسيقى البلوز دائما بالجدل، إذ لم يستنكف عالم الحواضر الغربية عن منحه ألقاب على شاكلة “جين لى هوكر افريقيا” (blues of Africa man) (وهو من الأفارقة الأمريكان ومن مبدعي البلوز في العالم) الشيء الذي استنكره فاركا تورى في مرات عديدة.
وفى إحدى لقاءاته مع الصحفيين يقول على فاركا تورى “يريدون دائما أن يعرفوا عن البلوز.. كلمة بلوز لاتعنى شيء بالنسبة لي أنا لا أعرف البلوز بل أعرف الثقافة الأفريقية بموسيقاها وبتقاليدها أما الموسيقى التي تطلقوا عليها البلوز من الممكن أن أسميها الاسم الصحيح، بإمكاني ان أدعوها (اجنانى) أو(دجابا) أو(امندارى) أو أي مُسمى أفريقىٍ آخر، وهنالك عدد من الأسماء لهذا الفن الأسطوري.. أنا احترام (جون لى هوكر) وأقدِّر عبقريته كمترجم للموسيقى الأفريقية في الولايات المتحدة، لكن موسيقاي هى الجذور بينما هو الفروع والأوراق فقط”.
إذن لم يترك علي فاركا تورى وطنه الصغير وهي قرية نيافونكى إلى أن أصبح عمدة لهذه البقعه، ففى عشية تسجيل اسطوانتهما المشتركة مع الفنان المالي (تومانى دياباتى) قال عنه جاء فاركاتورى عمدة لقرية نيافونكى وكان هذا أمراً سعيداً لنا ولكل الناس
كان الأطفال يلتفون من حوله والسكان المحليين، يبحثون فيه عن القيادة ولتقديم المشورة والتوظيف والدعم المالي، وهو الذي ألزم نفسه بخدمة المجتمع حتى إنه قدَّم عروضاً في فرنسا لتقديم مبادرات من أجل تطوير تلك القرية او المدية التي بها.
هذا البناء والأداء متجذران فى علاقة فاركا تورى القوية مع الأرض في المناطق الريفية مما أدى به إلى رفض عروض مغرية جداً خارج القارة فقد كان متمسك دون هوادة بموسيقاه التقليدية رافضاً تحويلها إلى “بضاعة”.
فخلال تمرد قومية الطوارق في تسعينات القرن الماضي في شمال مالي كان يُنظَر إليه باعتباره رجل صانع سلام فهو يغنى بعدة لغات مالية.
عندما مُنِح على فاركا تورى جائزة “جرامى” رفض الذهاب إلى الولايات المتحدة لحضور الحفل قائلاً “لا أعرف ماذا تعنى الجرامى لكن إذا كان لدى أى شخص شيء لي فعليه أن يأتي ويُعطيني له هنا في قريتي نيافونكى حيث كنت أغنى عندما لم يكن يعرفني أحد”.
في عام 1994 سجل اسطوانته مع عازف الجيتار الأمريكى التكساسي “رى كودر” (حديث تمبكتو) وفاز بفضلها على جائزة “جرامى”.
ثم أحرز جائزة جرامى الثانيه باسطوانة (فى قلب القمر) التي سجلها مع مواطنه الفنان (دياباتى تومانى).
كما وصفه المخرج العالمي الأمريكى مارتن سكورسيزي قائلا “موسيقاه هي الحمض النووى للبلوز”.
كما يملك على فاركا تورى مدرسة فريدة ومتنوعة لآلة الجيتار وتُدرّس في فرنسا وتسمى (فاركا استايل- Farka stayle) ويأتي إليها عازفين مهرة ومحترفين من جميع أنحاء العالم ليتعلموا هذا النوع الأفريقي
وفى 7 مارس 2006 وبسبب سرطان العظام ودعت مالي وأفريقيا والعالم الأسطوره على ابراهيم فاركاتورى إلى مثواه الأخير حيث دفن في قريته بيافونكى التي رأى فيها النور وكان عمدتها وبفضل شهرته تحولت تلك القرية الى مزار لكل عشاق الموسيقى الأفريقيه والعالمية وللسياح.
13/10/2023 – بريطانيا برمنغهام
————————————————–
أحدث التعليقات