وليد عميرة*
منذ سقوط حُكم الرئيس الراحل معمر القذافي في 2011، والذي حكم البلاد طويلاً، كان التدخل الأجنبي هو القاعدة وليس الاستثناء في الأزمة القائمة منذ فترة طويلة في الدولة الواقعة شمالي أفريقيا.
ولا شك في أن الجهات الأجنبية قد استغلت، بما لا يدع مجالا للشك، تفكك ليبيا، واستفادت من هشاشة الدولة، ولكن اللوم يقع أيضاً على النخبة الحاكمة في ليبيا، لميلهم الشديد نحو مقايضة سيادة بلادهم بثمنٍ بخس.
هذه الكلمات التي جاءت على لسان الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد الفيتوري، ترسم صورةً واضحةً لما تمر به ليبيا اليوم، والتحركات الأخيرة غرب البلاد تدلُّ على أن التدخل الخارجي، في الشأن الداخلي الليبي، لا يزال مستمراً على الرغم من الدعوات المتكررة لوقف التدخل والتلاعب بثروات البلاد والشعب الليبي، لكن للولايات المتحدة الأمريكية رأيٌّ آخر.
منذ مطلع العام الجاري، كثير من التساؤلات دارت حول أهمية زيارات الوفود الأمريكية الأخيرة إلى ليبيا، والتي ترأس أغلبها المبعوث الخاص السفير ريتشارد نورلاند، تحت بند أهمية توحيد المؤسسة العسكرية، لكن أكثر الزيارات إثارة للشكوك هي زيارة جون بوزارت إلى طرابلس، ولقائه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ليتبين أن واشنطن تسعى لتوحيد الميليشيات لا المؤسسة العسكرية.
جون بوزارت هو النائب الأول للرئيس العملياتي بشركة “أمنتيوم” الأمنية الخاصة والممولة من الخزانة الأمريكية، وبدأت نشاطها في القارة السمراء منذ فترة لكن برز اسمها أواخر العام الماضي بعدم أوكلت لها مهمة بناء قواعد عسكرية وتدريب القوات المسلحة في بنين والصومال، بمشروع وصلت قيمته (165) مليون دولار، بهدف توسيع نطاق النفوذ الأمريكي في إفريقيا.
ووفقاً لمصادر من داخل حكومة الدبيبة، شوهد بوزارت فجر يوم الخميس في مطار معيتيقة رفقة الدبيبة ووزير الداخلية عماد الطرابلسي، بالإضافة إلى 70 عنصراً، استعدادً لاستلام مهامهم، وباقي القوة سيتم توزيعها على الشق الأمني من ميناء طرابلس.
وفي مساء اليوم ذاته، أصدر الدبيبة مرسوماً يطالب ميليشيا “الردع” بقيادة عبد الرؤوف كارة، إخلاء مطار معيتيقة وميناء طرابلس وذالك استعداداً لتسليمه للشركة الأمنية الأمريكية، وستصل دفعة أخرى من عناصر الشركة خلال الأسبوع القادم لاستلام مقراتهم.
الجدير بالذكر أن الدبيبة شرع في التمهيد لإخلاء مطار معيتيقة قبل أيام، خلال زيارة وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، والوفد المرافق له لمقر قيادة عمليات القوات التركية الموجود بقاعدة معيتيقة في طرابلس، وتم الاتفاق وقتها، وفقاً للمصادر، على أن يتخذ عناصر شركة “أمنتيوم” مطار معيتيقة مقراً لهم ونقل ميليشيا “الردع” إلى مقر آخر في العاصمة طرابلس.
الخبير والمحلل السياسي، أحمد الغندور، يرى أن الدبيبة قرر التعاون مع واشنطن لضمان بقائه في منصبه لأطول فترة ممكنة، وبالمقابل ستضمن واشنطن موطئ قدم لها شمال القارة السمراء وتستمر في نهب ثروات الشعب الليبي من الذهب الأسود وعائداته.
وأضاف الغندور أن الدبيبة متخوف بشدة من احتمالية التوافق على تشكيل حكومة موحدة والمضي نحو إجراء انتخابات رئاسية، وهو أمر يشكل تهديداً حقيقياً لبقاء الدبيبة في منصبه، بحسب الغندور.
————————————
*كاتب تونسي مهتم بالقضايا الإنسانية
أحدث التعليقات