يوم الصحافة.. صحفيو السودان: ما بين وطن جريح ومنافٍ قاسية
جبراكة نيوز: منصور الصويم
وسط العاصمة السودانية التي كانت تشهد حركة دؤوبة للصحفيين بمقار الصحف الورقية والمراكز الإعلامية وصولا إلى ضفاف نهر النيل في أمدرمان، حيث مباني الإذاعة والتلفزيون لا تشاهد اليوم بعد مرور عام على الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سوى حركة المركبات العسكرية التي تحمل الجنود وفي بعض الأحيان تحولت بعض مقار الصحف إلى منصة لإطلاق الصواريخ.
ولا توجد مؤسسات صحفية تمارس عملها من داخل البلاد على الأرض من خلال التغطية الميدانية للقتال بين الجيش والدعم السريع سوى بعض الصحافيين العاملين في المحطات التلفزيونية وهي قنوات إخبارية مملوكة لدول الخليج.
لم يتمكن من البقاء في المؤسسات الصحفية المنتشرة وسط العاصمة الخرطوم سوى الجثث الملقاة على الطرقات وتحللت دون أن تتمكن الفرق الإنسانية من انتشالها لمارة صادف وجودهم حينما اندلعت المعارك العسكرية صبيحة السبت منتصف أبريل 2023.
غالبية مقار الصحف في العاصمة السودانية كانت تجاوز مناطق عسكرية تابعة للجيش والدعم السريع والأجهزة الأمنية في شارع المك نمر والبلدية القريبين أيضا من مباني القيادة العامة للقوات المسلحة الواقعة شمالا على ضفاف النيل الأزرق.
لم تنجو مقار الصحف من هذه الحرب مع معارك احتدمت منذ الساعات الأولى بل إن العشرات من الصحفيين اضطروا للبقاء لأكثر من أسبوع في المباني لعدم توفر الممرات الآمنة وخرجوا تحت ضغوط محلية ودولية خلال هدنة القتال.
أوائل الضحايا
السكرتير العام لنقابة الصحفيين، محمد عبد العزيز، قال لـ “جبراكة نيوز”، إن الصحافيين السودانيين كانوا من أوائل ضحايا حرب الخامس عشر من أبريل، وتسبب النزاع حتى الآن في مقتل أكثر من 10 صحفيين.
وأضاف عبدالعزيز أن طرفي النزاع ينظران إلى الصحفي على أنه عدو، مشيرا إلى أن الصحفيين يعانون من ظروف إنسانية واقتصادية قاسية جراء فقدان وظائفهم، فأغلب المؤسسات التي كانوا يعملون بها تقع في وسط الخرطوم، مركز الصراع.
وطالب سكرتير نقابة الصحافيين طرفي النزاع باحترام المواثيق الدولية وعدم التعرض للصحفيين بحسب هويتهم مثلما حدث للكثير من الحالات الموثقة، سواء بالاعتقال أو المنع من السفر.
تهديد مباشر
طبيعة الدولة في السودان منذ سنوات طويلة في حالة عداء مع الصحفيين خاصة أولئك الذين قرروا العمل على تغطية الأزمات بشكل مستقل لذلك فإن الصحافة السودانية لم تعيش فترة مزدهرة بالحرية في أي فترة منذ سنوات طويلة ربما خلال الأنظمة الديمقراطية قبل انقلاب البشير على حكومة الصادق المهدي.
الصحفي الأصمعي باشري، يرى إنه منذ انلاع الحرب في السودان في أبريل من العام المنصرم، يعيش صحفيو السودان أوضاعا إنسانية في غاية الصعوبة، حتي لاؤلئك الذين غادروا السودان وصاروا لاجئين قي دول الجوار مثل مصر ويوغندا وتشاد وكينيا واثيوبيا. أما العالقين في الداخل وخاصة قي مناطق الحرب أو النزوح الداخلي، يواجهون ظروفا بالغة التعقيد.
ويضيف الأصمعي في حديثه لـ “جبراكة نيوز”: منذ اندلاع الحرب واجه الصحفيون السودانيون خطرين محدقين، تمثل الأول في أن الكثير منهم تم الاستغناء عن خدماته بسبب الضائقة المالية التي ضربت معظم الصحف الإلكترونية ووقف التمويل لها، وبطبيعة الحال فإن هذه الأزمة كانت موجودة حتى قبل اندلاع الحرب، وتوقف الصحافة المطبوعة وتسريح الصحفيين، مما اضطر الكثيرين لامتهان مهن هامشية في المخابز وبيع الخضار وأعمال السمسرة وغيرها.
ويردف الصحافي الأصمعي: يكمن الخطر الآخر في التهديد الذي يواجهه الصحفيون من طرفي الصراع، اذا كان ذلك بالقتل المباشر، فهناك أكثر من عشرة صحفيين لقوا حتفهم نتيجة القتل المباشر أو غير المباشر، أو بسبب الاعتقال فمازال العشرات يرزحون تحت وطاة الاعتقال التعسفي في ظروف أقل ما يمكن وصفها باللا إنسانية. وتطورت ظروف التهديد لتشمل أسرهم وذويهم كما حدث في ولاية سنار وكسلا والبحر الأحمر.
عنف ممنهج
منتدى الإعلام السوداني، أصدر بيانا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، جاء فيه: يستقبل الصحفيون السودانيون اليوم العالمي لحرية الصحافة وقد دخلت الحرب الوحشية عامها الثاني دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للتوصل لاتفاق وقف اطلاق النار ووقف العدائيات.
وأورد البيان: لقد كان نصيب المؤسسات الصحفية والإعلامية والصحافة والصحفيين والإعلاميين من هذه الحرب، العنف الممنهج، من قتل وتدمير وتحطيم وسيطرة واحتلال مادي، وتحطيم وسرقة ونهب وسائل وأدوات الإنتاج الصحفي والإعلامي، ومطاردة وتهديد واعتقال، وتعذيب، وإخفاء قسري للصحفيين والصحفيات.
وطالب المنتدى طرفي النزاع بالوقف الفوري لكافة أشكال الاستهداف والاعتداءات على الصحفيين والصحفيات، ووسائل الإعلام بمختلف أشكالها ومنصاتها المرئية والمسموعة والمطبوعة، وصحافة الإنترنت، وتمكين الصحفيين والصحفيات من أداء مهامهم المهنية في التغطية الصحفية الحُرّة والمستقلّة. كما ناشد المنتدى الصحفيين والصحفيات في مختلف دول العالم للتضامن مع زملاء المهنة في السودان عبر تنوير الرأي العام العالمي بالتأثيرات الكارثية للحرب.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت اليوم العالمي لحرية الصحافة، في ديسمبر عام 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو. ومنذ ذلك الحين يُحتفل بالذكرى السنوية في جميع أنحاء العالم، في 3 مايو، حيث يأتي كمناسبة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ويُخصَّص للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة وتقييم حالتها في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الدفاع عن وسائل الإعلام من الاعتداءات على استقلاليتها، كما يمثّل تحية للصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أداء واجباتهم.
تشرد ونزوح
جاءت حرب منتصف أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع وتورات الصحافة عن الأنظار ما بين صحفيين في دول الشتات وآخرون في حالة قلق من ملاحقات أمنية لا تكف عنهم وبين هذا وذاك لا يمكن للصحفيين السودانيين تغطية النزاع ميدانيا ربما كانت ستحقق هذه الميزة بعض الأشياء غير المنظورة.
الصحفي مصعب محمد علي، يقول لـ “جبراكة نيوز” أنه لا وجود الآن للصحافة بمعناها المهني، وأن الموجود الآن لا يعدو كونه مجموعة آراء مطروحة من قبل مجموعات ومواقع منتشرة في الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي تحديدا، بتطرح في آراء طرفي النزاع. لا توجد صحافة بالمعنى الفعلي والحقيقي، لأنه معظم الصحفيين الذين يعتمدون على المهنية في عملهم الصحفي أصبحوا خارج نطاق العمل، بل أصبح جزء كبير منهم إما مشرد أو نازح أو اختاروا المنافي والعمل في سوق مغاير للصحافة، والموجودين داخل السودان اختاروا العمل في مصادر رزق مختلفة، في التجارة والزراعة هناك من يعملون باعة في الطرقات.
ويضيف مصعب: هناك جزء كبير من الصحفيين تعرض لانتهاكات بالاعتقال والتعذيب وحتى الاغتيال وهي معلومة. الصحافة بعد انقلاب 25 أكتوبر أصبحت صحافة لا تستطيع طرح قضايا وهموم المواطنين السودانيين. الآن من الواضح جدا أن طرفي النزاع يعمل على استمرار الحرب وهناك تحشييد وتخوين من هو ضد الحرب، ومن الصعب مجاراة الآلة الإعلامية مدفوعة القيمة..
واستدرك مصعب بالقول: لكن هذا لا ينفي وجود مجهودات لبعض الصحفيين ممن اختاروا كتاب ومراسلين في صحف دولية وصحف عربية، وأجروا تغطيات ممتازة للحرب في السودان.
وتابع: لأول مرة في تاريخ السودان تغيب الصحافة الورقية وتحل محلها الصحافة الإلكترونية. بسبب الحرب أغلقت مطابع ومؤسسات صحفية وشرد الصحفيين.. نعم حاول بعض الصحفيين تأسيس منصات إعلامية حرة ولكن تواجههم مشكلة التمويل والاستمرارية في ظل تكاليف العمل الصحافي الباهظة.
تدخل حرب السودان عامها الثاني، ولا يزال الصحافيون السودانيون صامدون في وجه الكارثة، لم ينكسروا أو يهادنوا في قول الحق، والوقوف ضد خيار الحرب، والانحياز إلى السلام والأمن رغم كل الظروف المأسوية التي يعانون منها ويواجهونها داخل السودان أو خارجه في دول اللجوء والمنافي.
أحدث التعليقات