تقرير: منصور الصويم
بعد أقل من أسبوع على بداية شهر مايو الجاري، شهدت أسواق العملة تدهورا كبيرا في سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية الأخرى، لاسيما الدولار الأمريكي، الأمر أثار مخاوف اقتصاديين مختصين ومواطنين من أن يكون ذلك بداية إعلان رسمي بـ”وفاة الجنيه” والإجهاز التام على اقتصاد البلد المتداعي أصلا بفعل الحرب.
بحسب عاملين في السوق الموازي للعملات فإن الزيادة التي شهدتها أسعار العملات خلال هذا الشهر غير مسبوقة، إذ ارتفع سعر الدولار في مقابل الجنيه نحو 250 جنيها في قفزة صادمة ومقلقة للجميع.
ظلال تاريخية
الباحث الاقتصادي محمد أبشر، رأى في إفادته لـ«جبراكة نيوز»، إنه منذ انفصال الجنوب وحرمان السودان من عائدات النفط الجنوبي بالعملات الصعبة ظل الجنيه السوداني يسجل معدلات هبوط أمام العملات الأجنبية، مضيفا أن الحكومة الانتقالية بقيادة د. عبدالله حمدوك نجحت في توحيد سعر الصرف للعملة الوطنية وجذب تحويلات المهاجرين السودانيين إلى التعامل مع الجهاز المصرفي السوداني بصورة كبيرة وحتى قبيل انقلاب ٢٥ أكتوبر استقر سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي في حدود ٥٦٠ جنيها تقريبا للدولار.
وأوضح أبشر أن بنك السودان المركزي انتهج خلال الفترة الانتقالية سياسات شجعت على استقرار الجنيه مثل المزادات الراتبة لشراء النقد الأجنبي من البنوك ما يعني أن البنوك في السودان استطاعت توفير احتياطات نقد أجنبي أسهمت في تعزيز استقرار للجنيه السوداني.
ويضيف شارحا: أقول استقرار فقط وليس بالضرورة أن الجنيه كان في وضع قوي ولكن مستقر وهذا مهم للدول مثل الحالة السودانية لأن استقرار العملة الوطنية يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية ويعزز نظرة الخارج من ناحية مخاطر تقلب سعر العملة الوطنية ويسهل السيطرة علي مستويات التضخم وارتفاع الأسعار.
انقلاب وحرب
في حوار مع صحيفة “المحقق” المصرية، برر وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، انهيار العملة السودانية بقوله: “من الطبيعي انهيار سعر الجنيه السوداني أمام الدولار، وإن الطلب على الدولار يرتفع لأنه لا يوجد ايرادات”، مضيفا “بقدر المحاولات التي نبذلها لإيقاف هذا الانهيار، طالما هناك طلب عال على الدولار سواء كان استيراد السلع الاستراتيجية أو الضرورية أو مدخلات الحرب من الطبيعي جدا أن العملة تتآكل، وحدث ذلك مع كل الشعوب التي واجهت حروب وأنها واجهت مثل هذه المشكلة”.
من ناحيته يرى الباحث الاقتصادي محمد أبشر، إن انقلاب ٢٥ أكتوبر تسبب في تدهور الجنيه السوداني وحرم السودان من التدفقات المالية الدولية المتوقعة من البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
وأوضح أبشر أن ما يحدث الآن من تهاو لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية يعد أمرا طبيعيا وذلك بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن هذه الحرب تمثل ضربة قاضية للاقتصاد السوداني، إذ أنها أوقفت حركة الاقتصاد في العاصمة الخرطوم أكبر ثقل اقتصادي لأكثر من عام.
وأردف بالقول: الخرطوم تمثل نسبة تمركز عالية لحركة رؤوس المال والأعمال في السودان وتمثل النسبة الأعلى للإيرادات الحكومية، كما أن الحرب في مناطق دارفور وأجزاء من كردفان مثلت عائقا للصادرات السودانية الحيوانية والزراعية، وكذلك الحرب في مناطق الجزيرة الزراعية التي ترفد الخزينة العامة بالنقد الأجنبي أو تخفف الضغط على فاتورة الاستيراد وبالتالي تقليل الطلب على النقد الأجنبي والحرب أعاقت الإنتاج بشكل كبير جداً.
أسعار السلع
التراجع الكبير في سعر الدولار أمام الجنيه أدى بشكل تلقائي إلى ارتفاع في أسعار السلع الضرورية ووضع المواطنين وصغار التجار أمام معادلة صعبة مع التقلب غير المتوقع للسوق مع كل صباح جديد.
المواطن السر باشري، من مدينة شندي بولاية نهر النيل، قال لـ«جبراكة نيوز»: حدث ارتفاع جنوني في أسعار السلع بالسوق، زادت الأسعار بنسبة كبيرة في تقديري تفوق نسبة الزيادة التي طرأت علي أسعار العملات الأجنبية، بالإضافة لزيادة في سعر الوقود والغاز، فلتر البنزين ١٩٣٢، و أنبوبة الغاز ٢٣٥٠٠ جنيه، كيلو العجالي ٩٠٠٠ جنيه والضأن ١٥٠٠٠ جنيه، كيلو السكر ٢٢٠٠ جنيه، أما مقابلة الطبيب الأخصائي ١٥٠٠٠ جنيه والعمومي ٧٠٠٠ جنيه… وهذه عينات فقط لنار الأسعار التي تكوي المواطن، كما يقول باشري.
ويضيف: هناك تجار أوقفوا البيع لمدة يومين وثلاثة، وآخرون واصلوا البيع، حيث يوميًا يقومون بزيادة سعر السلعة وفقا لما يقتضيه الحال في الارتفاع اليومي للدولار إذ وصل إلى ١٩٠٠ مقابل الجنيه السوداني، وتجربة الأسواق السودانية معروفة حتى لو نزل سعر العملة قليلا فإن أسعار السلع لا تنزل.
ويقول عاملون بأسواق العملة لـ«جبراكة نيوز»، إن سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني وصل إلى حوالي 1700 جنيه سوداني عند البيع، ونحو 1680 جنيهاً عند الشراء، هذا مع بداية تداولات الأسبوع الجاري. مشيرين إلى أن سعر الدولار مع بداية الحرب قبل عام من الآن كان في حدود (460) جنيها مقابل الدولار ووصل الآن إلى أرقام قياسية بنسبة زيادة تبلغ 250%.
المواطن باشري يواصل إفادته ويقول: هنالك فوضى وغياب للمراقبة بواسطة السلطات المحلية، ونجد أحيانا تفاوتا في الأسعار في نفس السوق فكل تاجر بيبيع حسب تكلفة بضاعته، فاختلاف سعر الترحيل أيضا يعد واحدا من أسباب هذا التفاوت.
إيقاف الحرب
الباحث الاقتصادي محمد أبشر، يواصل في إفادته التحليلية لـ لـ«جبراكة نيوز» بقوله: تكلفة الحرب المباشرة أسهمت في تدهور الجنيه السوداني؛ أي استيراد السلاح ليس من قبل الجيش فقط ولكن أيضا الدعم السريع لأن الدعم السريع لديه موارد ضخمة من النقد المحلي قبيل الحرب وبالضرورة سوف يلجأ لشراء الدولار من السوق الموازي.
ويردف بالقول: كذلك من إفرازات الحرب أنها هجرّت أكثر من 9 ملايين سوداني وهولاء دخلوا فعليا عملية شراء واسعة وطلب مستمر للنقد الأجنبي بالإضافة أيضا لهجرة أصحاب الأموال للخارج. وهناك عدد من رجال الأعمال السودانيين ذهبوا في تأسيس مصانع واستثمارات في دول الجوار وهذه موارد سودانية تضعف الجنيه السوداني لصالح اخرين.
ويقول: الجهاز المصرفي والمالي معطوب والخرطوم فقط تمثل نسبة 41% من قوة الجهاز المصرفي بالإضافة لدارفور والمناطق الأخرى التي وصلتها الحرب وتعطل فيها الجهاز المصرفي ومنها مطبعة العملة الوطنية.
وحول من يتحمل تبعات هذا التدهور للعملة الوطنية وكيفية معالجة ذلك، قال أبشر: في تقديري الآن لا نستطيع أن نحمل البنك المركزي أو صانعي السياسات النقدية والمالية أي تبعات لتدهور العملة الوطنية ولا أرى أي معالجات لمنع التدهور المستمر في قيمة الجنيه السوداني إلا بإيقاف الحرب فقط وتمهيد الطريق لاستقرار نظام الحكم واستعادة الثقة في مؤسسات الدولة لرسم سياسات اقتصادية للسودان ما بعد الحرب تعيد السودان للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية وتعيد إعادة تشغيل الاقتصاد الوطني وتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوداني.
أحدث التعليقات