تقرير: عيسى دفع الله
“ناكل طرق اللالوب ومرات نعمله بليلة.. ما في بليلة ناكله براه ذي دا والله” هكذا عبرت سيدة سودانية عن معانتها عبر مقطع فيديو متداول في مواقع التواصل الاجتماعي، متحدثة عن جوع شديد ضرب منطقتهم (نمر شاقو) التابعة لمحلية لقاوة بجنوب كردفان، فهناك كارثة ألمت بسكان جنوب كردفان وتداعياتها الصحية تهدد بموتهم إن لم يتم تداركها بإيصال المساعدات الإنسانية.
مُر المذاق
“جوع وفقر ومرض” متلازمة ثلاثية صاحبت حرب 15 أبريل في السودان حتى بات السكان في قرى محلية لقاوة بجنوب كردفان يأكلون صفق أشجار اللالوب مُر المذاق غير المستساغ لكنهم مجبرين على تناوله لسد الرمق من جوع يضرب قراهم وانحسار بدائل البقاء على قيد الحياة بعد إغلاق كل الطرق المؤدية إلى المنطقة بسبب الحرب وحرمان المواطنين من المساعدات الإنسانية واستخدامها كسلاح في الحرب.
مطابخ خيرية
تقول رشيدة عثمان، التي تسكن في حي الأزهري جنوب الخرطوم ونزحت بعد الحرب إلى ود مدني بولاية الجزيرة ثم عادت مرة أخرى إلى بيتها بعد وصول الحرب إليها، تقول إنها رجعت إلى منزلها رغم أنه تعرض للنهب مع صعوبة في الحصول على الغذاء وشح الإمكانيات إلا إنها مطمئنة رغم استمرار الحرب لجهة إنها في بيتها ولا تدفع إيجارا والموارد القليلة التي تحصل عليها من إخوتها المغتربين توظفها للبقاء على قيد الحياة رفقة أطفالها الثلاثة.
وتضيف رشيدة، لـ«جبراكة نيوز» إن رقعة الجوع توسعت بصورة كبيرة في الخرطوم مع غلاء فاحش في الأسعار. وأكدت أن العمليات العسكرية انحسرت جنوب الخرطوم ما عدا القصف المدفعي الذي يحصد أرواح المدنيين.
وأشارت إلى أن المطابخ الخيرية في الخرطوم ساعدت كثيرا الأسر للبقاء على قيد الحياة، ونبهت إلى أن الخرطوم تعيش حاليا في مجاعة لم تشهدها من قبل بعد عودة أغلب الأسر التي نزحت إلى الولايات الآمنة.
العنف الوحشي
قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمانتين نكويتا سلامي، إن الشعب السوداني “عالق في جحيم” من أعمال العنف يُضاف إليه خطر مجاعة متفاقم بسبب موسم الأمطار وعقبات تحول دون وصول المساعدات.
وأضافت “بعد استمرار الحرب لأكثر من عام، أصبح شعب السودان محاصراً في جحيم من العنف الوحشي، المجاعة تقترب، والمرض يقترب، ولا يوجد أي مخرج في الأفق”.
شبح المجاعة
وقال الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال، في تصريح لـ«جبراكة نيوز» إن مخيمات النازحين في دارفور تعيش في حالة إنسانية تزداد سوءاً وصعوبة نسبة لعدم توفر الغذاء مع شبح المجاعة وسوء التغذية الحاد، وانعدام الدواء، مع تصنيف فئات المجتمع الأكثر درجة في الجوع الشديد بمخيم كلمة الذي يبلغ عدد أسره 36،581 وعدد الأفراد 142،956 فردا جميعهم يعانون من حالة الطوارئ السيئة.
وأضاف رجال، إن مخيم رونقتاس وبقية المخيمات الأخرى بولاية وسط وغرب دارفور، يعانون أشد المعاناة، لكن نازحي مخيم رونقتاس يواجهون صعوبات وتحديات في أمرين أحلامها مر: شبح المجاعة وسوء التغذية الحاد، وإنعدام الدواء، مع فرض جبايات على النازحين ألف جنيه سوداني من قبل مليشيات متحالفة مع الدعم السريع، مشيرا إلى أن الوضع الإنساني ينهار يومياً أمام أعين إدارة المعسكر.. أطفال ونساء يموتون جوعاً ولا حياة لمن تنادي.
مجاعة سنة «6»
وحذرت منظمات دولية عديدة من تكرار حدوث مجاعات كبرى، كتلك التي ضربت السودان سابقا، وعلى رأسها مجاعة سنة “6” التي حدثت عام 1888 بسبب الجفاف، وأودت بحياة مئات الآلاف من السكان، وكانت واحدة من أسوأ المجاعات تدميرا.
كما شهد تاريخ السودان الحديث مجاعات أخرى أهمها: مجاعة 1985 التي حدثت بالتزامن مع أسوأ موجة جفاف ضربت بلدان شرق أفريقيا، ومجاعة 1988 التي جاءت بعد موجة فيضانات عارمة غمرت مساحات زراعية واسعة، ومجاعة 1998 بسبب حرب الجنوب وأودت بحياة 70 ألف شخص بمنطقة بحر الغزال وحدها.
مؤشر المجاعة
كل مؤشرات المنظمات الأممية تشير إلى حدوث مجاعة في السودان تهدد حياة السكان بمناطق كردفان ودارفور واستمرار الحرب ولا وجود لأي أمل بتوقفها في وقت قريب إلى جانب خروج أغلب المزارعين من الدورة الزراعية المروية والمطرية التي تحتاج لتقاوى ومبيدات وأيدي عاملة وهي أيضا غير ممكنة مع تمدد رقعة الصراع.
ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص في السودان على حافة المجاعة، معظمهم في مناطق النزاع بما في ذلك دارفور ومنطقة كردفان وكذلك الخرطوم. وحذر من أن العدد ربما يكون قد زاد بشكل كبير منذ آخر تقييم لتصنيف مراحل الأمن الغذائي في ديسمبر 2023م.
وطالبت منظمات أممية بضرورة بذل كل الجهود لمنع المجاعة في السودان حيث شهد عدم الأمان الغذائي وسوء التغذية زيادة كارثية خلال عام من النزاع المكثف خاصة في دارفور، وكردفان، والخرطوم والجزيرة.
وأشارت إلى أن 18 مليون شخص، أي ثلثي السكان، يعانون من عدم أمان غذائي حاد و730 ألف طفل يعانون من سوء التغذية.
وللتخفيف من الوضع، طورت الوكالات الإنسانية خطة لمنع المجاعة تركز على استجابات متكاملة تقودها مجموعات الأمن الغذائي والتغذية والصحة والمياه والصرف الصحي، مع التركيز على أهمية الحماية. ومع ذلك، تعتمد الخطة على شيئين نادرين: الوصول والتمويل.
أحدث التعليقات