تقرير: أبوبكر الصندلي
استعاد السودانيون بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، الكثير من العادات والسلوكيات التي كادت أن تندثر بسبب حياة المدن وضغطها اليومي لهثا وراء الأرزاق.
وبالرغم أنه ليس للحروب من فوائد مباشرة، وأثرها التخريبي أكبر من أي شيء آخر، إلا أن الحرب الأخيرة دفعت السودانيين مجبرين إلى اكتشاف بلدهم في امتدادها الكبير وهم يتنقلون في رحلة النزوح من ويلات الحرب في عودة نحو الجذور في القرى والبوادي والفرقان المنسية.
كما استعاد السودانيون خلال هذه الحرب المدمرة سلوكيات كثيرة، وصفت سابقا بالقروية أو البدوية، لكنهم اكتشفوا مع استرجاعها أهميتها وقيمتها، ومن بينها عادات ترتبط بثقافة الطعام، التي تحولت مع التمدن إلى الوجبات السريعة والاعتماد الكلي على الخبز.
الظروف الاقتصادية الضاغطة، بعد الحرب، ورحلات التنقل الإجبارية للنازحين، وتكدس الأهل في مكان واحد في وضع استثنائي، كلها أعادت أصناف “العصيدة” و”الكسرة” و”القراصة” لتتصدر مائدة الطعام السودانية، وليكتشف الناس من جديد فوائدها الصحية والاقتصادية ومذاقها الشهي.
عصيدة وبليلة
المواطن آدم إبراهيم قال لـ”جبراكة نيوز”: الأوضاع الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها السودانيون الصامدين في البلاد خيمت بظلال قاتمة على قفة الملاح وأثرت بشكل كبير على “ملامح صينية الغذاء”، فقد تراجعت الأطباق الأساسية سابقا بشكل كبير بعد ارتفاع الأسعار التي فاقت حد التصور، فإصبحت العصيدة والكسرة والبليلة والمديدة والقراصة والكبسة بديلة عن الخبز وأطباقه المصاحبة.
وتابع قائلاً “هذه البدائل الشعبية تمثل أساس الحياة الاجتماعية السودانية لكونها متاحة لجميع الأسر بمختلف مشاربهم، حيث وحدت الحرب الجميع بعد أن انعدمت مصادر الدخل، فدوام الحال من المحال ولابد للحال أن ينعدل.
وتقول ست النفور إبراهيم، ربة منزل تقطن أمدرمان: “الناس عادت لماضي الإجداد الذي كاد أن يندثر، كنا بناكل العصيدة في أيام العطل وتحديدا يوم الجمعة، أما الكسرة فكانت خارج اهتمامنا ولا توجد حتى أدوات العواسة، ولكن سبحان الله الذي يبدل الأحوال من حال إلى حال.
وأضافت: ها نحن عدنا لعواسة الكسرة وإعداد القراصة وعمل المدائد كبدائل للوجبات والأطباق التي تعود عليها ناس البيت.
واكدت ست النفور أن هذه الأكلات الشعبية ذات فائدة كبيرة للإنسان، وقالت “كلنا ربونا بالعصيدة والكسرة”.
صحية وآمنة
أما “م- ن” صاحبة أشهر محل لإعداد العصيدة بسوق الضعين، فتقول إن “المأكولات الشعبية والبلدية صحية وآمنة واقتصادية ويمكن للقدح أن يكفي أكبر مجموعة وفيه البركات”.
وقالت إن عودة الأسر للأطباق السودانية فضيلة وعمل موفق. وتابعت: “بالمناسبة معظم البنات لا يمتلكن مهارات الطبخ بعد أن اعتمدن على الطباخ التجاري “سيد الدكان” الفول والعدس والفته”.
ابتسمت ثم قالت: “في إحدى المرات في مكان مناسبة طلبنا من إحدى جميلات الحي إعداد أم فتفت لكنها للأسف فشلت في إعدادها”!
وأردفت بالقول: “هذا الأمر جعلني أتواصل معها، وقمت بتدريبها بشكل تفوقت فيه في عمل الطبخ.. أما ظروف الحياة بعد الحرب أجبرتنا جميعا أن نرجع لماضي السودان الجميل رغم الوجع والأسى”.
أحدث التعليقات