الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةاخبار السودانالاخبارتقرير: حرب السودان.. أسرى مصيرهم التصفية

تقرير: حرب السودان.. أسرى مصيرهم التصفية

جبراكة نيوز: تقرير/ فريق التحرير

انتشرت خلال حرب السودان مقاطع فيديو تظهر أسرى يتعرضون للتعذيب والإذلال، وفي كثير من المرات للقتل والتصفية بعد عرضهم مهانين على مواقع التواصل الاجتماعي.

اغتيال الوالي والتمثيل بجثته

“اقتحمت مليشيات مسلحة تابعة لدعم السريع مقر إقامة والي ولاية غرب دارفور في 14 يونيو 2023، خميس أبكر واختطفته إلى جهة مجهولة، ثم ظهرت مقاطع فيديو تُظهر اغتياله بوحشية وبربرية لا مثيل لها”.

والي والاية غرب دارفور/ خميس ابكر

مقتل الوالي، ربما مثل أول حالة لضحايا عنف الأسر في حرب 15 أبريل بعد أن أعتقلته قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها نهاية العام الماضي، ونكلت به ضربا وشتما، ثم سرعان ما اغتالته بطريقة وحشية.

طريقة اغتيال الوالي خميس ابكر باعتباره مسؤولا رفيعا في الدولة، يؤرخ لها علي انه أول تصفية موثقة لأسير في الحرب الدائرة بالسودان. وتوثيق تلك الجريمة بكل مراحلها فتح الباب واسعا لسلسة من الجرائم ضد الأسرى من طرفي الحرب في مختلف جبهات القتال. العامل المشترك بينها هو التوثيق المرئي الذي قاد إلى زيادة الانتهاكات وانتشار ثقافة الانتقام الناجم عن خطاب الكراهية على أساس جهوي وإثني يهدد بتفيت ما تبقى من السودان.

صدمة الأيقونة

محمد صديق
الضابط محمد صديق

اغتيال الضابط المتقاعد محمد صديق، الذي عاد مستنفرا في صفوف القوات المسلحة بعد اندلاع الحرب، وجدت تضامنا واسعا من قبل جموع المنتمين لثورة ديسمبر باعتباره أحد أيقوناتها، لموقفه المساند للثوار في اعتصام القيادة 2018، الذي دفع ضريبته –الموقف – بإحالته للتقاعد.

وقع الضابط الراحل محمد صديق في الأسر أثناء اشتباكات بين الجيش والدعم السريع في منطقة الجيلي يوم 19 مايو الجاري، وظهر بعدها في مقطع فيديو وسط مجموعة من جنود الدعم السريع، الذين طلبوا منه توجيه خطاب لقواتهم فرد عليهم (من ياتو ناحية) مما استفزهم فصفعوه على وجهه، وبعدها بساعات انتشر نبأ اغتياله مما شكل صدمة كبيرة للثوار.

اغتيال محمد صديق أثار بشكل واسع قضية معاملة الأسرى من طرفي الحرب ودور خطاب الكراهية في تمدد الأعمال الوحشية التي وصلت إلى قطع الرؤوس وبقر البطون في بعض الحالات.

المعتقلين

تعرف اتفاقية جنيف “1949” معاملة الأسرى في الحروب حسب النص التالي: «يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. ويُحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكًا جسيمًا لهذه الاتفاقية.

وعلى الأخص، لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني، أو لا يكون في مصلحته. وبالمثل یجب حمایة أسرى الحرب في جمیع الأوقات، وعلى الأخص ضد جمیع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير. وتُحظر تدابیر الاقتصاص من أسرى الحرب».

موظف رفيع في الصليب الأحمر – فضل حجب اسمه – قال لـ”جبراكة نيوز” إن مسمى أسرى في حالات الحرب الداخلية كما يحدث في الحرب السودانية غير دقيق.

وأضاف أن الموقوفين من الطرفين مجرد معتقلين وتشملهم ذات قوانين ومعاهدات جنيف الخاصة بمعاملة الأسرى.

وحول المحاكمات المحتملة عن الجرائم المرتكبة ضد الأسري قال إن تحديثات قانون القوات المسلحة السودانية للعام 2013م وتعديلات القانون الجنائي السوداني تسمح بإحالة القضايا بين محاكم الطرفين العسكرية والمدنية.

خطاب الكراهية

المحامي المختص في محاربة خطاب الكراهية حاتم الياس، يقول إن خطاب الكراهية الذي استشرى بشكل كارثي وكبير أسهم في هذه الحرب بأن يكون الممهد لانتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني من الطرفين خصوصا فيما يتعلق بتجاوز التعامل مع الأسرى إلى أقصى حدود يمكن أن تصلها الانتهاكات، ويضيف الياس، ليس الأسرى فحسب وإنما حتى التمثيل بالجثث في مشهد لا يمكن أن ينتسب إلا لأفلام الرعب وليس للحياة الإنسانية الطبيعية التي تتوخى الاتزان في التفكير والضمير.

وحمل الياس، خطاب الكراهية كل الانتهاكات في قتل الأسرى والتعامل معهم بطريقة لا إنسانية ووحشية والحط من كرامتهم بإرغامهم على التفوه بعبارات وتصريحات لا يمكن أن يقولوها في حالة طبيعية وخارج ملابسات وظروف التهديد.

وأضاف الياس، إن خطاب الكراهية الذي مهد لكل الجرائم في واقع الأمر يوجه الاتهام فيه مباشرة للقادة وتصريحاتهم غير المسؤولة.

مسؤولية القادة

تشير المادة (4) من اتفاقية لاهاي 1907 في الفصل الثاني حول أسرى الحرب إلى هذا التعريف: “يقع أسرى الحرب تحت سلطة حكومة العدو, لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات التي أسرتهم”.

وتلزم الاتفاقية بـ “معاملة الأسرى معاملة إنسانية. ويحتفظ أسرى الحرب بكل أمتعتهم الشخصية ما عدا الأسلحة والخيول والمستندات الحربية”.

البرهان وحميدتي
البرهان وحميدتي

وترى المحامية المتخصصة في القانون الدولي بابل إسحاق، “إن الانتهاكات ضد أسرى الحرب الدائرة في السودان بين أطراف الصراع والقوات المتحالفة معها بعيدة تماما عن مراعاة اتفاقيات جنيف في التعامل مع أسرى الحرب”، إذ اشتملت على التصفية الجسدية، والتمثيل بالجثث وفصل للرؤوس وأكل للأحشاء الداخلية واستخدام الأسرى في بث خطابات عنصرية، والحرمان من تلقي الخدمات العلاجية ومن التواصل مع العالم الخارجي أو أفراد أسرهم، بالإضافة للتعذيب والتنكيل عبر نشر الفيديوهات والصور.

وأضافت بابل لـ”جبراكة نيوز” إن هذه الانتهاكات تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية وتتنافي مع اتفاقية جنيف التي تشترط في المادة الرابعة لعام 1949م المطبقة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية وهي حماية جميع المحتجزين بمن فيهم أسرى الحرب، فالقتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية كل تلك الانتهاكات قد شاهدناها خلال الحرب السودانية عن طريق الفيديوهات والبث المباشر بين الأطراف المتحاربة وكيفية تمثيلهم بالجثث.

وذكرت بابل، إن المسؤولية الجنائية لكل أطراف الصراع في السودان تقع على عاتق القادة، فهم من يرسل التعليمات لجنودهم بحسم التمرد عبر وسائل الإعلام، وشاهدنا وسمعنا خطاب قائد القوات المسلحة بأن “حسم التمرد في الساعات القادمة”، ونفس المسؤولية يتحملها قائد قوات الدعم السريع في الخطابات المبثوثة بأن “اقضوا على دولة 1956م وجلب الديمقراطية”. ومع ذلك هذا لا ينفي صفة المشاركة والمعاونة مع قيادات في ولايات وأقاليم أخرى من السودان.

في مادتها الـ 14 حول احترام أسرى الحرب في أشخاصهم وشرفهم، نقتبس من اتفاقية جنيف النص التالي: «لأسرى الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال. ويجب أن تُعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن. ويجب على أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال».

المحامية بابل أكدت، “أن التشريعات الوطنية السودانية ليس بها نصوص واضحة تتضمن بنود اتفاقية جنيف الأربعة رغم توقيع السودان على تلك الاتفاقيات”. والآن القضاء الوطني غير جاهز أو راغب في تحقيق المساءلة. لكن لدينا إمكانية الولاية القضائية العالمية ونحن نعلم تماما المشاركين في حرب السودان.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان
اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان

دور الصليب الأحمر

لعبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دورا كبيرا في عمليات تبادل الأسرى، خلال الحروب السودانية المتعددة التي شهدتها البلاد منذ استقلالها في العام 1956، وفي حرب 15 أبريل 2023 لعبت الصليب الأحمر أيضا دورا كبيرا في عمليات استلام الأسرى وتبادلهم سواء من المدنيين أو العسكريين الذين يتبعون لطرفي النزاع.

في نهاية شهر أكتوبر 2023 أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن تيسيرها “إطلاق سراح 64 محتجزًا ينتمون للقوات المسلحة السودانية كانت قوات الدعم السريع تحتجزهم. وقالت إنه تم “نقل الأشخاص المفرج عنهم من الخرطوم إلى ود مدني بناءً على طلب من طرفي النزاع بأن تضطلع اللجنة الدولية بدور الوسيط المحايد في هذه العملية”.

و”تعمل اللجنة الدولية، بوصفها منظمة إنسانية محايدة، في السودان منذ عام 1978. وتساعد هذه المنظمة ضحايا النزاعات في السودان وفي أماكن أخرى، بينما تعمل أيضًا على تعزيز القانون الدولي الإنساني”.

ومن ضمن عدة مهام إنسانية تضطلع بها في السودان تعمل الصليب الأحمر على “تسهيل إطلاق سراح المحتجزين بناءً على طلب الأطراف. والأهم من ذلك رصد تطبيق جميع أطراف النزاع للقانون الدولي الإنساني”.

وفي يونيو من العام الماضي “سهّلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إطلاق سراح 125 جندياً من القوات المسلحة السودانية تحتجزهم قوات الدعم السريع، وذلك عملاً بدورها كوسيط محايد وبناءً على طلب من أطراف النزاع. ونقلت فرق اللجنة الدولية الجنود الذين أُطلق سراحهم، من بينهم 44 جندياً جريحاً، من الخرطوم إلى ود مدني”.

حرب السودان
13 شهرا منذ اندلاع حرب السودان

الخبير بالمنظمات الدولية صلاح الأمين، يقول لـ”جبراكة نيوز” إن المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني (وهو القانون الذي يعمل به في مناطق الحروب) يمكن تلخيصها في التمييز بين المدنيين، والمقاتلين، وحظر مهاجمة كل من يضع السلاح.

والمدنيين تشمل أيضًا المنشآت المدنية مثلًا مدارس، مستشفيات، بيوت المواطنين إلخ ومن هذه المبادئ نقرأ ما يحدث في حرب السودان من طرفي القتال من تصوير لأسرى الحرب، وتعذيبهم، وحرمانهم من النوم، والأكل والاتصال بذويهم وقتلهم والتمثيل بجثثهم.

مؤكدًا ان اتفاقيات جنيف الأربعة والتي بدأت منذ عام 1864م تحدد بوضوح الحقوق الأساسية للإنسان في حالة الحرب مثلًا الاعتناء بالجرحى، والمرضى أسرى الحرب، وأيضا البروتوكولات الثلاثة التي ضمنت بالاتفاقية ومن ضمن هذه البروتوكولات هناك بروتوكولا يهتم بالحروب داخل الدولة الواحدة.

وحول المسؤولية عن الانتهاكات التي تطال الأسرى يقول الأمين، “إنها تشمل كل من يثبت أنه قد شارك بشكل مباشر في التعذيب أو غير مباشر بالتحريض أو حتى بالتواطؤ”، وأضاف أن مسؤولية تطبيق القانون هي مسؤولية الحكومات في الدول من خلال المحاكم لكن ولأن الكثير من الدول رغم توقعيها على البروتوكولات لا تقوم بذلك وفي هذه الحالة تعقد المحاكمات الدولية.

وأكد الأمين، أنه بشكل عام مسؤولية اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي تفعيل القانون الدولي الإنساني في مناطق الحروب لذلك تقوم فرق الصليب الأحمر في تقديم محاضرات لكل الأطراف يتم فيها التأكيد على احترام القانون الدولي الإنساني.

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات