جبراكة نيوز: مهند مرشد
بعدما بات من المستحيل البقاء في الخرطوم، غادرت سامية مسقط رأسها وعائلتها، تاركين كل ممتلكاتهم بمنزلهم مقابل الحصول على الحياة الآمنة.
تتكون أسرة سامية من ابنتها الكبرى وعد التي تدرس الطب في كلية أمبريال وكانت على وشك التخرج إلا أن الحرب منعت ذلك، ورذاذ خريجة كلية الإعلام، ووهج أكملت المرحلة الثانوية، وولاء في المرحلة المتوسطة بالإضافة لزوجها.
روت سامية مأساتها لـ”جبراكة نيوز”، مع الحرب والنزوح وقالت إنها كانت تعمل في دار الرعاية ومعلمة في نفس الوقت، ووصفت حياتها مع أسرتها بالسعيدة قبل اندلاع حرب 15 أبريل، التي وجدتها في مكان عملها بدار الرعاية والأطفال فاقدي السند بضاحية الديم في مدينة الخرطوم.
وقالت إنها ظنت أن الحرب ستنتهي قريبا، لذا ظلت موجودة في بيتها تمارس عملها في دار المايقوما لرعاية الأطفال فاقدي السند، ومع احتدام المعارك في الحي الذي يقيمون فيه والسقوط العشوائي للدانات وكثرة الإصابات التي رأتها سامية بمستشفى الجودة بالقرب من منزلِهم، نزحت بصحبة أسرتها إلى حي القوز جنوب الديم الآمن حينها نسبيا.
معارك المدرعات
إلا أن معارك المدرعات بين الجيش والدعم السريع، دفعتهم للنزوح مجدد إلى حي الرميلة، ثم انتقلوا إلى أمدرمان عبر جسر الفتيحاب، في محاولة للوصول إلى ملاذ آمن.
وتابعت في حديثها لـ”جبراكة نيوز”، “الجيش قدم لنا كمامات في جسر الفتيحاب لمنع استنشاق روائح الجسس المنتفخة في الطريق”.
وأضافت: “رؤيتنا لأشلاء القتلى لم نستطع استيعابها أنا وبناتي وأصابنا هلع ورعب ودخلنا في نوبة بكاء”.
وأردفت قائلة إنهم عبروا من الجسر إلى منطقة صابرين جنوبي أمدرمان، ثم نزحوا منها إلى السامراب عبر جسر الحلفايا الذي يوجد به الجيش من ناحية أمدرمان والدعم السريع من ناحية بحري، وفي الطريق رؤوا حافلة ركاب محترقة وبها ضحايا من المدنيين، وصفت المشهد بالصادم.
وقالت إنهم عانوا من الحلفايا حتى وصلوا السامراب شمالي بحري وكانت أهدأ من المناطق التي أقاموا فيها، ومكثوا ثلاثة أيام، واضافت في حديثها: “وصلت قوات مالك عقار وكانت تدخل المنازل وتضرب السلاح في الشوارع، وفي الطريق الذي نقيم فيه أصابت رصاصة طفلين ورجل مسن”.
وأضافت أن اقتحام هذه المنازل أثار مخاوفها على بناتها وقررت بعدها العودة إلى حي القوز بمدينة الخرطوم، وحين وصولهم للحي اتجهوا نحو الكلاكلة التي مكثوا فيها لأسبوع، ثم قرروا النزوح وترك مسقط رأسها واسرتها الصغيرة وعائلتها الكبيرة، لخارج الخرطوم للبحث عن واقع أفضل.
ومن التحديات التي قابلتهم الوجهة التي يتوجهون اليها خارج الخرطوم، لافتة إلى أنها وبناتها من مواليد الخرطوم، وليس لذويهم امتدادات خارجها، ولم يسبق لهم الخروج للولايات. وبعد مشاورات قرروا النزوح إلى ولاية الجزيرة وبالتحديد مدينة المناقل.
ووصفت سامية، معاناتها في طريق النزوح لولاية الجزيرة الآمنة حينها بالقول إن الارتكازات التي تتبع للدعم السريع توقف السيارات وتفتشها وسط حالة من الرعب، ويتم انزال من يريدون بلا أسباب بحسب وصفها. ولفتت إلى أن السائق يتم انزاله ويدفع مقابل المرور في العديد من الارتكازات.
وقالت إنهم وصلوا وأقاموا لفترة شهر مع معارفهم، مشيرة إلى أنهم عانوا من طبيعة البلد واختلاف الناس، ولكنهم استطاعوا أن يتعايشوا مع الأمر الواقع، ولفتت إلى أنهم تعرضوا لأمراض كثيرة بسبب اختلاف البيئة.
وفي رحلة جديدة إلى ود مدني حيث أقاموا في عدد من الأحياء وبدأوا في الأستقرار ووجدت فرصة عمل مع منظمة اليونسيف بمساعدة زميلاتها،
اجتياح ونزوح
وعملت مع المنظمة في دور الايواء بالمدينة، وبدأت الاستقرار والتعايش مع الواقع الجديد، إلا أن أحداث اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة منتصف ديسمبر 2023، وسيطرتها على المدينة هدمت أحلامها حديثة الولادة بالحياة الكريمة، فانطلقوا نازحين مجددا، هذه المرة إلى ولاية النيل الأبيض، حسبما أوضحت.
وقالت إنهم واجهوا عوائق مالية تأخروا بسببها في الإقامة في ود مدني، وبعد التغلب عليها رتب لها معارفها في مدينة كوستي سكنا في إحدى المدارسة الصغيرة التي لم تفتح كمركز للايواء، ووصفت أن الوضع في كوستي كان الخيار الأفضل من كل المدن التي نزحت اليها.
وقالت إن الأثر النفسي للحرب انخفض في مدينة كوستي وأكدت حدوث تغيير ايجابي كبير بالنسبة لبناتها وخرجن من حالة الانطواء والكآبة التي كن يمرن بها، مشيرة إلى أنهم شاركوا في الفعاليات الثقافية والفنية العامة في المدينة.
وأخيرا مع ارهاصات وصول قوات الدعم السريع لكوستي غادرت سامية المدينة إلى الولاية الشمالية وتسعى وأسرتها لمغادرة السودان بحد ما روت لـ”جبراكة نيوز”.
ورغم كل ما واجهته من مصاعب ظلت سامية تبث الأمل والتفاؤل في اسرتها بأن الحياة ستمضي نحو الأفضل، وفي رسالة وجهتها لجميع النازحين قالت سامية إن هذه الحرب ربما تستمر أكثر من وربما يحدث نزوح أكثر، لذلك فيجب علىهم البحث عن فرص عمل باصرار، وان يعوا صحيا للمحافظة على أسرهم، وأن ترفع الأسر مستوى وعي بناتها عن الانتهاكات والاستغلال، ولكل ما يساهم في تخفيض اثار الحرب، وأضافت: “ولابد من الصمود في وجه ظروف الحرب ولابد للرجوع للسلام والعدالة”.
معاناة سامية وصمودها تعكس التحديات التي واجهت آلاف الأسر التي عاشت تجارب نزوح ومرت بظروف مشابهة وأقسى من منها، وتلفت إلى الحاجة الملحة إلى تقديم المساعدات النفسية والمادية لهذه الأسر.
وادت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، إلى مقتل نحو 15 ألف شخص، وما يزيد عن عشرة ملاين نازح ولاجئ، بحسب الأمم المتحدة.
أحدث التعليقات