الفاشر: مراسل جبراكة نيوز
بعد حصار تجاوز الشهرين، واستمرار الاشتباكات العنيفة لأكثر من شهر مع التدوين العشوائي اليومي تجاه المدنيين، أصبح وسط على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور خاليًا من السكان.
أسلاك وأعمدة الكهرباء مرمية على الأرض بفعل الذخيرة. الشوارع تخلو من الحياة، وفوارغ الرصاص والقذائف تغطي الأرض، بيوت مهدمة وأخرى محترقة بالكامل، وطرق “مترسة” وخنادق على طول الشوارع. الأشجار قطعت وسقطت على الأرض.. لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.
فر السكان باحثين عن الأمان في المحليات المختلفة وسط ظروف معقدة ونظام صحي مهدد بالانهيار في قلب حاضرة الإقليم (فما بال المحليات التي تعاني حتى في الظروف العادية).
خرجت المستشفيات عن الخدمة بعد القصف المدفعي الذي إستهدفها هي الأخرى مع إستمرار الحصار الذي يشتد كل يوم ومنع دخول السيارات المحملة بالغذاء والدواء إلى داخل المدينة، وإغلاق الطرق التي تربط محليات الولاية ببعضها بعد تكاثر عمليات النهب المسلح الذي يقتل بدم بارد ويأخذ ممتلكات المسافرين عنوة.
الحكومة عاجزة عن تقديم أي مساعدة لمواطن الولاية وهي التي أوقفت صرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية منذ بداية الحرب قبل أكثر من عام إلا من مستحقات شهور قليلة بنسبة 60% فقط.
عزلة عن العالم
غابت المنظمات الوطنية عن الساحة بالكامل تاركة الولاية على أكتاف المتطوعين من أصحاب المبادرات المختلفة التي تعتمد معظمها على الدعم الذاتي (الشير) وبعض مساهمات أبناء الولاية في الخارج وبعض الخيرين.
شبكات الاتصالات والإنترنت مقطوعة لأكثر من شهر ليصبح مواطن الفاشر معزولا عن العالم ولا أحد يسمع صوته أو يعلم بما يدور حوله إلا بين حين وآخر عبر الإنترنت الفضائي (ستارلينك) الذي يكون متوفرا أحيانًا ويختفي أوقات أخرى لأسباب أمنية أو بسبب القصف المدفعي أو خوف المواطن على نفسه من السرقة.
أما حال الفارين إلى المحليات فالبحث عن شاهد عيان في مناطق النزوح أمر صعب للغاية. فبعد البحث لأيام للحصول على إفادات شهود عيان من مناطق النزوح البعيدة، وجدنا أن الأكثيرية قد توجهوا صوب أحياء أقصى شمال وشمال غرب المدينة وجنوب وجنوب غرب الفاشر (أبوشوك الحلة، درجة أولى، الصحافة، الصافية، حي الجامعة، أب جربون، أبشِنِيبات، شالا، ترباء الهجرة وأم شجيرة، وأحياء الثورة جنوب، والمدرج).
بعد فرار السكان إلى هذه المناطق التي تعتبر بعيدة إلى حد ما من القصف المدفعي وجدوا المواطنون أنفسهم غارقين في مشاكل جديدة تتعلق بالمياه التي أصبحت معضلة بعد إقفال كل الطرق داخل المدينة وسط الرصاص الطائش وطلقات القناصين التي تنزل كالمطر على الرؤوس، أصبح كل هؤلاء النازحون يعيشون أوضاعا مأساوية مع شح المياه في ظل صعوبة الحركة للبحث عنها، إذ أن سعر الجركانة وصل إلى 300 جنيه و500 جنيه في بعض الأماكن وسط زحمة الصفوف.
حتى قضاء الحاجة أصبح بالصفوف في الحمامات العامة أو في المؤسسات القريبة من مناطق النزوح أو تضطر لقضائها في العراء، ومع دخول فصل الخريف قد تتحول المشكلة إلى أمراض وأوبئة يصعب السيطرة عليها خصوصًا مع انهيار النظام الصحي بعد خروج أكثر من خمس مستشفيات بفضل قصف الدعم السريع داخل المدينة.
هذا غير مشاكل الغذاء وسط الغلاء المميت لأسعار السلع الاستهلاكية في السوق الوحيد (المواشي) الذي يعمل طوال فترة الاشتباكات مع منع دخول السلع إلى المدينة، فرطل السكر أصبح 1900جنيه، ورطل البن 7000 جنيه وصابونة الغسيل 1300 جنيه وخمس قطع رغيف الخبز1000 جنيه وجردل البصل (يزن قرابة 20رطلا) 22000 جنيه وكيلو اللحم العجالي 8000 جنيه والضأن 10000جنيه، والفوط الصحية 2500 جنيه.
مع غياب تام لعربات المواصلات داخل المدينة، وتعمل فقط بين سوق المواشي وشالا وابجربون الحي الذي فر إليه السكان بعد القصف
وهذا قيض من فيض عن الحياة داخل مدينة الفاشر المحاصرة من الخارج والمحروقة من الداخل.
طويلة
في محلية طويلة التي فر إليها مواطنون من الفاشر، بعضهم تحت حراسة قوات جيش تحرير السودان جناح الطاهر حجر، يبدو الوضع الأمني جيدا فالمنطقة يسيطر عليها جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد نور، ولكن الخدمات الصحية منهارة مع اكتظاظ سكاني عالي جدا وسط شح في السلع الاستهلاكية وارتفاع أسعارها.
مشاهد النزوح والتشرد في كل مكان داخل المدينة. جميع مواطني طويلة الذين نزحوا سابقا إلى الفاشر عادوا إليها الآن في ظروف مأساوية يقيمون في مركزي إيواء وبعضهم في الشوارع ومع المجتمعات المستضيفة وقلة عادوا إلى بيوتهم القديمة لإعمارها.
هنا النازحون يفترشون الأرض وليست هنالك منظمة أو جهة خيرية تدخلت للدعم فقط بخلاف الأهالي. النازحون في طويلة بحاجة إلى تدخل عاجل في القطاع الصحي والإصحاح البيئي.
دار السلام
دار السلام التي نزح إليها 15122 أسرة تقيم خارج مراكز الإيواء وألفين وثمانين أسرة داخل المراكز وعددها سبعة عشر مركزا داخل المحلية حسب حديث منسق العون الإنساني بالمحلية الذي قال إن هذه الأسر النازحة في حاجة ماسة إلى الماء والغذاء والدواء والحماية وأنه ليست هنالك أي جهة تدخلت لتقديم أي خدمة للنازحين.
وناشد المنسق المنظمات والجهات الخيرية بضرورة التدخل العاجل خصوصًا لتوفير المياه لأن مصادر المياه بالمنطقة هي الآبار الجوفية فقط ومع الخريف ستغمر بالمياه وبالتالي المنطقة تحتاج إلى عربات لنقل المياه من مناطق أخرى قريبة من المنطقة لسد الحاجة وأدوات لحفظ المياه (خزانات أو براميل، جركانات) لاسيما بعد الاكتظاظ السكاني الرهيب بالمحلية الذي أدى إلى قلة المياه.
أيضًا أشار المنسق إلى ضرورة التدخل الصحي خصوصًا بعد النزوح الكبير إلى المنطقة وأيضًا مع قدوم فصل الخريف وانتشار الحشرات المسببة لأمراض الخريف، تأتي الحاجة إلى التوعية والاصحاح البيئي وتوفير المشمعات ومواد بناء لاسكان النازحين ومبيدات الحشرات وغيرها من أساليب الوقاية من أمراض فصل الخريف.
وناشد المنسق بضرورة التدخل بتقديم جلسات الدعم النفسي الاجتماعي والحماية لأن الصدمة النفسية التي مر بها النازحون تحتاج إلى تدخل عاجل لتخفيف وطأتها للتعايش مع هذه الظروف.
وأخيرًا قال المنسق إن الأسر المستضيفة داخل الأحياء تحتاج إلى مشمعات ونفرات بناء لإيواء النازحين معهم في البيوت بالإضافة إلى دورات مياه ثابتة لأن معظم المستضافين يستخدمون دورات مياه بلدية وهي غير صحية لاسيما مع الخريف، هذا بخلاف النازحين الذين يسكنون في الطرقات وتحت الأشجار هم في حاجة ماسة إلى إيواء.
هناك أماكن أخرى حاولت الوصول إليها، لكن لا شبكات اتصال أو قنوات تواصل، وتبقى أصواتهم مكتومة هناك ومن يسمع؟
أحدث التعليقات