بعد مرور 15 شهرا على حرب السودان، بات واضحا أن ميادين القتال تتمدد في كل يوم وتكاد تشمل البلاد بأكملها.
فبعد ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان، ثم الجزيرة، تصل الحرب الآن إلى ولاية سنار، لتخلق مسرحًا جديدًا يرتبط جغرافيا واستراتيجيا بعدد من المناطق الآمنة. الأمر الذي يطرح تساؤلات على شاكلة: ماذا يعني سقوط سنار؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة في حال حدوث ذلك؟
جبل مويه
يصف الروائي والباحث مهند رجب الدابي، جبل مويه بـ”جبل الذهب والحضارة” ويقول لـ”جبراكة نيوز”: بلا شك أن جبل مويه منطقة استثنائية، وتصنف ضمن أهم خمسة مواقع أثرية في شرق أفريقيا، الحضارات الأولى كانت هنا، آلاف السنوات قبل الميلاد، وقد اكتشف المهندس روي شيرلوك الذي شيد خزان سنار معبداً أثرياً فريداً أثناء تحضيره لحجر جبل سقدي الذي بُنيت منه سدود بحيرة خزان سنار.
وأضاف الدابي: “جبل الذهب المشغول، حيث كان المدفن الذي خبّأت فيه الدولة الفونجية جيشاً وشعباً ذهبهم الخاص والمتوارث، أخفوه بعيداً عن جيش محمد علي الألباني حاكم مصر، الذي ضرب عليهم حصارا هلكوا بسببه، لكن ظل ذهبهم موجودا.
وأردف الدابي بالقول: لجبل مويه أبحاث أثرية، أتى اليهودي الأمريكي هنري ولكم في العام 1899 إلى السودان وفقاً لخريطة صائد جوائز اسمه تشيستر بيتي، وقد استقر به الحال منقباً عن الذهب وأشياء أخرى في جبل مويه، وقد كانت حصيلته أكثر من 88 طنا من الذهب خلال عشرين عاماً.
واسترسل قائلًا: إن أهمية الجبل لها عدة أوجه، الأول حضاري، والثاني مورد معدني، والثالث سياحي والأخير حصن حربي بموقع استراتيجي، هذه هي أهم ملامح جبل مويه والسلسلة.
ولفت الدابي، إن الجبل هو الحصن والبوابة الغربية لسنار والإقليم الأوسط، ويمثل الدفاعات الطبيعية لأجواء وتضاريس المنطقة الصعبة، وله قيمة عسكرية كبيرة وموقع محوري استراتيجي مهم.
حرب جديدة
أدى القتال المستمر بين الجيش والدعم السريع إلى انتقال الحرب إلى ولاية سنار، إذ شهدت مدينة سنجة عاصمة عاصمة الولاية فتح جبهة قتالية جديدة بين طرفي النزاع.
وقال المرصد السناري، في بيان سابق، إن سيطرة الدعم السريع على سنجة بعد جبل مويه، يعد فصلا جديدا من الانتهاكات والجرائم التي تمارس ضد المدنيين العزل بولاية سنار مع توسع رقعة الحرب جنوباً.
وشهدت سنجة، الثلاثاء، اشتباكات مسلحة وقصفا مدفعيا عنيفا أدى إلى إصابة عدد من المواطنين العزل، إضافة إلى تدمير الأعيان المدنية، كما أكدت إفادات شهود عيان وجود قتلى وسط المدنيين.
وبحسب المرصد، نزح آلاف المواطنين جنوباً وجنوب غرب الولاية، بعد حالة من الهلع والتوتر والخوف أصابت سكان المدينة، مع إفادات تؤكد تعرض قوات الدعم السريع للفارين، وإنزال بعض الأسر من المركبات ونهب الجوالات والأموال التي بطرفها. إلى جانب حالات نهب واسعة للسيارات والدراجات النارية ومداهمة المنازل والاحتماء وسط المدنيين.
وأكد المرصد، أن قوات الدعم السريع هاجمت أمس الأول السبت مدينة الدالي بمحلية الدالي والمزموم، وارتكبت جرائم وعمليات سلب ونهب واسعة وممنهجة، مع معلومات تؤكد وجود قتلى وسط المدنيين.
وحسب إفادة شهود عيان، فإن المدينة شهدت حركة نزوح كبيرة على إثر هذا الهجوم مع سيطرة قوات الدعم السريع عليها.
توسع الحرب
مساء السبت المنصرم، أعلنت قوات “الدعم السريع” السيطرة على مقر قيادة الفرقة “17 مشاة” للجيش السوداني بمدينة سنجة عاصمة ولاية سنار. وجاء الإعلان بعد ساعات من زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لولاية سنار وتفقده الخطوط الأمامية للقوات المسلحة، التي تعرضت لهجوم الدعم السريع الثلاثاء الماضي.
وتمكن الجيش، الثلاثاء، من صد الهجوم على مدينة سنار، وأعلن تكبيده الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والآليات. وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، السبت، أن 370 أسرة نزحت من مناطق جبل مويه، جراء الاشتباكات المسلحة.
يرى المحلل السياسي وعضو تنسيقية تقدم شهاب الدين إبراهيم، إن امتداد الحرب إلى الولايات الآمنة التي تضم أعدادا كبيرة من النازحين من مناطق يزيد من المعاناة الإنسانية للمواطنين.
وحمل في حديثه لـ”جُبراكة نيوز” قوات الدعم السريع مسؤولية توقف الخدمات وزيادة تدهور الأوضاع الإنسانية بالإضافة إلى تحميل الطرفين أيضًا مسؤولية الانتهاكات التي تحدث سواء أكانت أثناء تبادل الهجمات التي راح ضحيتها المدنيين أو كانت من خلال الجرائم التي ترتكب بواسطة أجهزة الاستخبارات من تصفيات على أساس الانتماء الاجتماعي أو الإخفاء القسري أو غيرها.
وشدد شهاب، على إن خسائر الحرب وتضرر المواطنين العزل ستزداد من توسعها في أي منطقة وليس سنار وحدها.
خزان سنار
بعد يومين من تسللها إلى مدينة سنار، إستهدفت قوات الدعم شرق سنار حي الجنينة بـ3 قذائف نتج عنها أضرار جسيمة للمواطنين وهدم كلي للمنازل التي وقعت بها الدانات.
وبحسب مواطنين، يقطنون حي الجنينة فأن إحدى الدانات وقعت بالقرب من خزان سنار مما نتج عنه هزة أرضية. وعلى أثر ذلك، تخوف المواطنين من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالخزان المهدد سلفًا بالانهيار.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في قضايا البيئة والتنمية المستدامة د. الفاتح يس، إن أهمية خزان سنار من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية الكبرى، مقارنة مع السدود السودانية الأخرى، ترجح كفته.
ويضيف لـ”جبراكة نيوز”: يعتبر خزان سنار من أوائل الخزانات التي تم إنشاؤها في السودان على النيل الأزرق، وعند إنشائه اعترضت عليه مصر بسبب أنه يحجز مياه النيل الأزرق؛ الذين يغذيها بنسبة أكثر من ٧٠٪، وحينها حدث خلاف؛ لكن تم الاتفاق على بناء خزان سنار للري السودان، وخزان جبل أولياء على النيل الأبيض الواسع عرضه للري المصري أيام الجفاف، حتى اكتمال السد العالي، وبعدها تحول خزان جبل أولياء إلى حكومة السودان (الري المصري سابقًا).
أما عن المقارنة من ناحية التضاريسية والجغرافية؛ فقال: طول خزان سنار من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية 3025 متر، ويعتبر نصف عرض خزان جبل أولياء الذي عرضه يفوق 6000 متر لكن خزان سنار ذو ارتفاع عالي 40 متر نسبة لوقوعه على النيل الأزرق العميق، بينما خزان جبل أولياء أقل ارتفاعًا (22 متر) لوقوعه على النيل الأبيض صاحب العرض الكبير والعمق القصير.
وأشار د. الفاتح، إلى أن أهمية خزان سنار تتمثل في الري الانسيابي لمشروع الجزيرة والمناقل ويرفع منسوب المياه للري بالطلمبات ويستفاد منه في ريّ مشروعات زراعية مهمة ومحاصيل اقتصادية مثل القطن، أما المقارنة من ناحية التوليد الكهربائي؛ في خزان سنار من أقل السدود إنتاجاً للكهرباء في السودان، ينتج ١٤ ميغاواط؛ بينما ٢٥ ميقاواط ينتجها خزان جبل أولياء، ويفوقهم خزان الروصيرص بعد تعليته لتصل إنتاجيته الكهربائية ما تفوق ١٠٠٠ ميغاواط.
واسترسل قائلًا: من ناحية حسابات الرصد المائي والهيدرولوجي فنجد السعة التخزينية لخزان سنار ٣٩٠ مليون متر مكعب؛ بينما خزان الروصيرص تصل سعتة التخزينية للمياه ما يفوق ٧ مليار متر مكعب؛ الذي أيضاً مبني على النيل الأزرق والقريب من الحدود الإثيوبية وعلى بعد مسافة ١٠٠ كيلو متر مربع مربع من سد النهضة الإثيوبي.
خسائر الحرب
مع استمرار المعارك الدامية بين الجيش والدعم السريع حصد السودانيون ومازالوا يحصدون يومياً النتائج الكارثية لهذه الحرب التي أدخلت البلاد في مصاف الدول غير المستقرة ذات النزاعات الداخلية.
فحجم الخسائر ليس له نهاية إلا بوقف الحرب، ويمكن الإشارة إلى بعض ما نتج عنها المتمثل في:
ارتفاع معدلات النزوح الداخلي بصورة غير مسبوقة وبشكل يومي، فكل ولاية تسقط هي بالأصل مكان قد نزح إليه مواطنون من ولاية سابقة قد سقطت بأيدي الدعم السريع أو متوقع سقطوها أو يدور فيها إقتتال بين الطرفين، وزيادة معدلات اللجوء لدول الجوار خاصة مصر وأوغندا وأثيوبيا، إلى جانب استغلال أوضاع النازحين بمضاعفة أسعار إيجارات المنازل.
فضلًا عن فقدان المواطنين وظائفهم التي تعينهم على الحياة مما دفع كثير من الأسر إلى ممارسة أعمال شاقة بمقابل زهيد لا يكفي لاحتياجاتهم الأساسية، وعجزت الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها في مسألة الرواتب التي يعتمد عليها الموظفين، وفي جانب الصحة خرجت معظم مستشفيات البلاد عن الخدمة ناهيك عن هجرة الكوادر الطبية للخارج فراراً بأنفسهم وحفاظاً على وظائفهم.
وبحسب توقعات الأمم المتحدة هناك مهددات بدخول السودان قبل نهاية العام في مجاعة كارثية نتيجة انعدام الغذاء بمناطق الحرب خاصة الولايات والمدن الكبرى التي لا تصلها إمدادات الدولة بصورة دورية مما يشكل خطراً محدقاً بالجميع فلا الذي يملك المال من المعدم سيكون قادرا على كفاية نفسه وأسرته من المأكل والمشرب لهم وهو التحدي الأكبر.
ولايات على الخط
من جهته، يرى الخبير العسكري عمر أرباب، ان لدى الدعم السريع استراتيجية تعتمد على مبدأ عزل القوات المسلحة ثم محاصرتها ويلي ذلك موجات من الهجمات المتتالية.
وتابع: الدعم السريع عندما سيطرت على جبل مويه وهاجمت سنجة جعلت إمكانية الهجوم على سنار المدينة وكوستي وربك القضارف والدمازين واردة.
وأضاف: هذه واحدة من تكتيكات الدعم السريع، إذ يسعى لعزل قوات الجيش، لا سيما قوات سنار التي أصبحت محاصرة بدرجة كبيرة من ناحية سنجة وجبل مويه وجنوبا الحاج عبدالله ود الحداد، وبحرا انتشار قوات كيكل في المنطقة الشرقية.
وتابع حديثه: هذا التكتيك الحربي اعتدمته الدعم السريع منذ بدأ الحرب وهو تكتيك ما يزال الجيش عاجزا عن مقاومته إلا من خلال الضربات الجوية التي لا تحقق القدر الكافي للقضاء عليها.
أحدث التعليقات