الخميس, مارس 13, 2025
الرئيسيةاخبار السودانتقرير: الدمار طال كل شيء..  كيف أثرت الحرب على الاقتصاد السوداني؟

تقرير: الدمار طال كل شيء..  كيف أثرت الحرب على الاقتصاد السوداني؟

تقرير: جبراكة نيوز

يواجه عثمان أحمد “53” عاماً، الموظف بوزارة الزراعة السودانية صعوبات كبيرة في توفير متطلبات الحياة اليومية لأفراد أسرته المكونة من “5” أشخاص.

يقول عثمان الذي نزح من الخرطوم إلى مدينة نيالا غربي السودان بعد اشتداد المعارك هناك، إن أسعار السلع بلا استثناء قد تضاعفت، وبات الحصول على مستلزمات الحياة اليومية “مصدر صداع دائم وصراع من أجل البقاء”.

وأوضح أن أسعار المواد الغذائية مثل جوال الدقيق زنة 25 كيلو ارتفع إلى 57 ألف جنيه وجركانة الزيت 47 ألف جنيه، وجوال الذرة 150 ألف جنيه.

ولفت عثمان إنه يعمل في السوق “رزق اليوم باليوم” من أجل تدبير مستلزمات أفراد أسرته الصغيرة. وتابع قائلاً: المرتب ضئيل وغير كافٍ ولا يأتي بانتظام.

وبالرغم من شكوى عثمان يبدو أنه أفضل حالاً عن غيره من آلاف السودانيين الذين فقدوا وظائفهم أو مصادر رزقهم جراء النزاع.

ومع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023 تتضاءل فرص إنقاذ الاقتصاد السوداني الذي وجهت إليه الاشتباكات العسكرية ضربة قوية رغم إنه هش بالأساس.

وبفقدان معظم الأسر السودانية مصادر دخلها والآثار الهائلة للحرب على سوق العمل والتجارة والزراعة والصناعة أصبحت الدائرة تضيق أكثر فأكثر على السودانيين الفارين داخلياً واللاجئين خارجيا.

إيرادات الدولة

يقول مسؤول في وزارة المالية السودانية نقلاً عن “الجزيرة نت” إن نسبة إيرادات الدولة انخفضت بنسبة 85% مع مضي أكثر من سنة على القتال، ويتوقع ارتفاع مؤشر الفقر بالبلاد إلى أكثر من 90% بعد فقدان الموظفين والعمال وظائفهم، ومن ثم عدم الحصول على رواتبهم.

ويشير المسؤول أن الدولة تدفع نحو 60% فقط من الرواتب لعدد من القطاعات وأن بعضها توقف الدفع لها منذ أشهر.

وبحسب المسؤول فإن الحكومة حالياً عاجزة عن دفع الرواتب بنسبة تصل إلى 50% بسبب تراجع الإيرادات.

فيما وصف الخبير الاقتصادي الحسين أبوجنة الذي تحدث لـ”جبراكة نيوز” آثار الحرب بالسلبية والكارثية على الاقتصاد السوداني، موضحاً إن جملة خسائر هذه الحرب حسب تقديرات المؤسسات المالية الدولية حوالي “200” مليار دولار  خلال الفترة من 15 أبريل 2023 وحتي 15 أبريل 2024.

انكماش غير مسبوق

ويواصل أبو جنة في رصد آثار الحرب، إذ أدت إلى انكماش غير مسبوق في الاقتصاد السوداني بنسبة قد تصل إلى 28% بنهاية مايو 2024 لافتاً الى تراجع منحني الصادرات بنسبة 46% ، مع انخفاض إنتاج الذهب وتراجع عائداته بنسبة 63% .

ومع إغلاق مطار الخرطوم وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، مع اضطرابات سلاسل التوريد تراجعت عائدات الصادرات من العملات الصعبة.

وفي دراسة للبنك الدولي نشرت في أبريل الماضي قدرت تكلفة الحرب في السودان بحوالي 900 مليون دولار يومياً أي أكثر من 328,5 مليار دولار بعد مرور أكثر من عام على الحرب.

ارتفاع نسبة البطالة

وفقاً للغرفة الصناعية السودانية فقد أدت الحرب إلى تدمير حوالي 90% من المصانع القائمة بولاية الخرطوم وتدمير أكثر من 400 مصنع بشكل شبه كامل فى عموم السودان، مما أدى الى تراجع الاقتصاد السوداني بنسبة 42%، وبلغت نسبة البطالة 47,2% ، مع ارتفاع معدل التضخم إلى 256% ، حسب تقرير للغرفة الصناعية السودانية.

وقال الصحفي المتخصص فى الشؤون الاقتصادية أحمد خليل إدريس لـ”جبراكة نيوز” إن الحرب أثرت على كل القطاعات الإنتاجية والخدمية وتضررت المصانع بولاية الخرطوم التي تتمركز فيها الصناعات التحويلية، وإن العديد من الشركات قد توقفت وسرحت العاملين فيها.

وأضاف أحمد: بعض الشركات حاولت نقل نشاطها إلى الولايات الآمنة لكن أصولها الرأسمالية كلها في الخرطوم وتعرضت للتدمير. موضحاً إن الحرب كشفت خارطة الاقتصاد والشركات التي ترتكز فى ولاية الخرطوم فقط.

انهيار المصارف وتدهور الجنيه

يعتبر القطاع المصرفي والعملة الوطنية من أكثر القطاعات التي تأثرت بالحرب، بسبب تآكل مدخرات البنوك السودانية المقدرة بنحو 45 تريلون بمقدار النصف بعد أن فقدت الجنيه السوداني أكثر من 50 بالمئة من قيمته منذ اندلاع الحرب.

وأوضح أحمد خليل ادريس إن المصارف والبنوك قد شلت مع بداية الحرب لدرجة لا توجد مقاصات أو تحويلات، لافتاً إن حوالي  100 مصرف تعرضت للنهب والسرقة ، مع فقدانها للكثير من ممتلكاتها ومستنداتها ولم تتعاف إلى الآن بسبب استمرار الحرب.

واستدرك قائلاً: صحيح إن بنك السودان المركزي استطاع بعد أربعة أو خمسة شهور من الحرب العودة للعمل وفعل المقاصة، لكن ظلت بقية البنوك تعاني لأنها فقدت الكثير من فروعها.

وأكد بنك السودان المركزي في بيان منشور على موقعه عن تعرض المصارف لعمليات نهب وتخريب واسعة منذ بداية النزاع، وخروج العشرات من فروع البنوك في ولايات وسط وغرب البلاد عن الخدمة بسبب اتساع رقعة الحرب.

وتعهد البنك بالعمل على تقليص الأضرار التي لحقت بالقطاع ومعالجة الانخفاض فى قيمة العملة الوطنية.

وأصدر محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق في وقت سابق قرارا يقضي بوضع حد للسحب اليومي من أموال العملاء بالبنوك ورفع سقف التحويلات عبر التطبيقات المصرفية، ولفت إن القرار يهدف لوقف التدهور المستمر لقيمة الجنية السوداني.

الإنتاج الزراعي والحيواني

القطاع الزراعي كغيره من قطاعات الاقتصاد السوداني التي تأثرت بالحرب إذ تكبد خسائر فادحة، ويمتهن ما يقدر بحوالي 80% من القوة العاملة في السودان في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي ويسهم بـ 32,7 من إجمالي الناتج المحلي.

ويشير أحمد خليل أن الحرب أثرت في القطاع الزراعي بشقيه لانتقالها من ولاية إلى أخرى. وقال: يعتمد الاقتصاد السوداني في الصادر على الإنتاج الزراعي والحيواني، إلا إن هذا القطاع تضرر من الحرب بخروج 80% من المناطق المطرية من الدورة الزراعية وهي أكبر مناطق تسهم في الاقتصاد السوداني خاصة الحبوب الزيتية بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني، بالتالي هذه المناطق خرجت من دائرة الإنتاج.

وبحسب تقديرات غير رسمية فإن الحرب دمرت 65% من القطاع الزراعي في السودان. ويقول مدير مشروع الجزيرة السابق أكبر المشاريع الزراعية في السودان نقلاً عن وكالة “المحقق” الإخبارية إن “المشروع صمد عندما كانت الحرب فى ولاية الخرطوم وتمكنا من زراعة 650 الف فدان، ولكن عند دخول الدعم السريع إلى الجزيرة لم يستطع أحد الدخول إلى المشروع بعد طرد المفتشين”.

واشار مرزوق الى تقلص المساحات المزورعة في العروتين الصيفية والشتوية. وأردف قائلاً: كنا نزرع أكثر من مليون و600 فدان، ولكن بعد قيام الحرب لم نزرع سوى 7000 ألف فدان.

من جانبه يروي المزارع حاج عثمان لـ”جبراكة نيوز” تأثير الحرب على مشروعه الزراعي فى جنوب دارفور غربي السودان، حيث قال كنت أزرع مساحة تقدر بحوالي 3000 فدان وبعد قيام الحرب العام الماضي زرعت 700 فدان فقط.

وأرجع تلقيص المساحة المزروعة لارتفاع مدخلات الإنتاج من التقاوى والأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى العامل الأمني الذي كان حاسماً بالنسبة للمزارعين نسبة لكثرة التفلتات الأمنية، وقال: “لم أفكر في الزراعة هذا العام”.

على ذات السياق بحسب جولة لـ”جبراكة نيوز” فى أسواق المواشي بمدينة نيالا ثاني أكبر مدن السودان، التي تتميز بإنتاج كبير للثروة الحيوانية، فقد أثرت الحرب على الأسواق هناك وذلك من خلال عمليات البيع والتصدير إلى السوقين الخارجي والمحلي.

قطاع الذهب

أثرت الحرب في خفض إنتاج الذهب السوداني الى 10%. وفي تطور لافت لتدهور هذا القطاع قال وزير المعادن السوداني محمد بشير أبونمو في تصريحات لـ”لعربي الجديد” إن قوات الدعم السريع نهبت 1273 كيلوجراما من الذهب كانت في المصفاة الحكومية بالخرطوم قبل الحرب.

وأضاف الوزير: في 12 أبريل 2023 أي قبل الحرب بثلاثة أيام تم حصر الذهب الموجود بالمصفاة فكان نصيب بنك السودان المركزي 156كيلو جرام ونصيب وزارة المالية الاتحاديه 106كيلو، ونصيب المصفاة 101 كيلوجرام، بالإضافة إلى نصيب الشركات 906 كيلو، بينما كانت هنالك كمية  قيد التصنيع بلغت 200 كيلوجرام و 265 تحت المراجعة والتحليل  فضلاً عن 15 طنا من الفضة.

وكشف أبونمو أن الشركات التي توقفت تبلغ 130شركة امتياز فى مرحلة الاستكشاف، بالإضافة إلى توقف 19 شركة وهي قريبة من الامتياز، مشيرا إلى إن الوزارة فقدت أكثر من 35 شركة في قطاع المخلفات.

قطاع النفط

يقترب قطاع النفط في السودان من الانهيار الكامل، بعد مرور 14 شهرا من الحرب، إذ تأثر بحرق حقول النفط وتوقف التكرير ومحطات الضخ، بالإضافة إلى تخريب أنابيب تصدير نفط دولة جنوب السودان .

وحسب التقديرات الرسمية ينتج السودان نحو 60 ألف برميل قبل أن يتراجع إنتاجه بعد الحرب، ومع اتساع المواجهات العسكرية في مناطق حقول النفط في إقليمي دارفور وكردفان ومنشآت تكرير النفط شمال الخرطوم تأثر هذا القطاع وأصبح مشلولا تماما.

وكشف وزير الطاقة والنفط محيي الدين محمد سعيد بحسب وكالة السودان للأنباء، إن إعادة تأهيل قطاع النفط الذي جرى تدميره خلال الحرب يكلف 5 مليارات دولار، مشيرا إلى تدني إنتاج النفط.

وأوضح الوزير أن الأضرار في قطاع النفط شملت المنشآت النفطية ومحطات الكهرباء وفقدان الخام النفطي والمشتقات النفطية فى المستودعات الاستراتيجية من إنتاج مصفاء الجيلي بالخرطوم .

الدمار الذي لحق بقطاعات الاقتصاد السوداني قد يستغرق منها وقتا طويلا حتى تعود الى طبيعتها. وحسب الخبراء الاقتصاديين فإن تكلفة تأهيل ما دمرته الحرب قد ترتفع يوميا في ظل استمرار المواجهات العسكرية وانتقالها إلى المناطق الآمنة.

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات