جبراكة نيوز: تقرير
شكل أبناء مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، ملحمة إنسانية رائعة بتضافرهم وتعاونهم من أجل خدمة إنسان هذه المدينة، لاسيما بعد اشتداد الحصار وارتفاع وتيرة المعارك لنحو الشهرين.
تداعى أبناء الفاشر من الشباب في أحياء المدينة المختلفة إلى إطلاق مبادرات “تكايا الطعام، والمطابخ الجماعية”، بهدف إطعام المتأثرين بالحرب والفارين من منازلهم والنازحين من محليات الولاية المختلفة.
تكية شباب حي تمباسي
قال محمد أحمد (ود قربا) وهو أحد أعضاء مبادرة تكية حي تمباسي بالفاشر، إن الإفطار الجماعي كل جمعة كان من عاداتهم قبل الحرب، إذ يجتمع جميع أهل الحي تحت ظلال الأشجار على الطرقات وأمام أبواب المنازل، يتفقدون بعضهم ويطمئنون على أحوالهم. ويضيف: لكن الحال تبدل بعد اندلاع حرب أبريل، فرأينا تحويل عادة الافطار الجماعي إلى مبادرة لإطعام عابري السبيل في الطرقات وتوزيع سلال مواد تموينية للأسر المتأثرة بالمعارك من أهل الفاشر وبعض نازحي دور الإيواء.
وتابع: كل هذا تم بدعم ذاتي ومساهمات أهل الحي بالمواد التموينية وما تحتاجه (برمة الملاح) من مواد. وعندما اشتد الحصار والاشتباك عملنا على إطعام الفارين من بيوتهم من الأحياء التي تقع في مرمى النيران، ولأن أعداد المحتاجين تزداد كل يوم بدأنا بطلب العون من أهل الخير في الولايات الآمنة وأبناء الفاشر في الخارج.
وأردف محمد بالقول إنهم وبعد أن كثر القصف المدفعي والرصاص العشوائي نقلوا عملهم إلى معسكر شالا للنازحين لدعم الفارين هنالك عبر تقديم وجبتين في اليوم أو أقل على حسب كمية المواد والمبالغ المتوفرة عندهم.
ثم استرسل أن مبادرتهم غير مسجلة وليس لها مانح دولي أو أي جهة رسمية تغطي متطلباتها، ويسدون احتياجتهم فقط من (الشير) ومساهمات أهل الخير بعد أن يتم طرح الفكرة لهم وبعد التنفيذ يتم إرسال فواتير المنصرفات مع التقرير.
وختم محمد حديثه بدعوة أهل الخير في الداخل والخارج للوقوف مع أهل الفاشر في نكبتهم متمنيًا الخير والسلام للسودان عام.
تكايا الحرب
“لجأ السودانيون بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل إلى نهج صوفي قديم يتمثل في فكرة الإطعام الجماعي المجاني، أو ما يعرف بـ”التكية” أو مطابخ الطعام المفتوحة للجميع التي أقامتها “غرف الطوارئ”. وفكرة التكايا ترتبط بشكل كبير بالمدارس القرآنية الأهلية، التي تعرف بالمسيد، والتقليد الراسخ في هذه المدارس هو توفير الطعام مجانا لطلاب القرآن وللزوار العابرين بالمكان، أيا كان موقعه في السودان.
وكانت التكايا الأهلية القديمة تمول ذاتيا، من أهل القرية أو المدينة، وكل حسب استطاعته، سواء أكان تبرعه بالمال أو بالمواد الغذائية العينية. وهي ذات الفكرة التي قامت عليها المطابخ الجماعية، أو “تكايا الحرب” التي لعبت دورا كبيرا في إنقاذ السودانيين داخل المناطق الملتهبة بالمعارك. ففي العاصمة الخرطوم – أكثر المناطق تأثرا بالحرب – هناك أكثر من (300) مطبخ جماعي موزعة في أحياء العاصمة المختلفة. يشرف عليها شباب متطوعون، نذروا أنفسهم لخدمة أهاليهم ساعة المحن.
طوارئ الفاشر
“غرفة طوارئ الفاشر والمعسكرات” مبادرة تأسست مع الطلقة الأولى للحرب عندما اكتظ المستشفى الجنوبي بالمصابين مع غياب تام للكادر الطبي، فتحركت الغرفة بصورة سريعة وتلقائية لسد الحاجة العلاجية والخدمية بالمستشفى ثم تجمعت بصورة مؤسسة لاحقًا نسبة لتوقف دواليب العمل داخل الولاية وخروج المرافق الخدمية عن العمل بسبب الحرب فوزعت انشطتها لاقسام حسب الأوجة.
هكذا تحدث عبدالناصر محمد، أحد أعضاء الغرفة المركزية لطوارئ الفاشر والمعسكرات، لـ”جبراكة نيوز” معرفًا بمبادرتهم. وأضاف: مع تعدد الحاجات الطارئة والفراغ الكبير في مراكز الايواء تكقلت الغرفة بتوفير المؤن في المطابخ الجماعية في المراكز، وتوفير المياه لعدد ثمانية عشر مركز إيواء، بالاضافة إلى الحماية والتثقيف الصحي والإصحاح البيئي والدعم النفسي الاجتماعي للأطفال عبر الرسم والمسابقات للكبار بإقامة أيام ترفيهية داخل المراكز وإيصال المساعدات الإنسانية لقرى غرب الفاشر.
وقال: آخر أنشطة الغرفة إعداد السلة الغذائية للفارين من منازلهم داخل مدينة الفاشر، إضافة إلى توفير المياه للنازحين خصوصًا بعد نقل المعارك إلى الاتجاه الجنوبي من المدينة.
وتابع عبدالناصر قائلا بعض الغرف القاعدية التابعة لغرفة الطوارئ نقلت أنشطتها إلى مناطق شالا وأبجربون وسلومة وأنشأت مطابخ جماعية هناك ووفرت المياه والسلال الغذائية للنازحين والمجتمعات المستضيفة.
شارع الحوادت
الناشطة ساجدة عمر، عضو في عدة مبادرات منها شارع الحوادث الفاشر، تحدثت لـ”جبراكة نيوز” وقالت إنهم يعملون على توفير المواد التموينية للأسر المتعففة التي زادت الحرب ضيقها ضيقًا، إضافة إلى توزيع المواد الغذائية على الكوادر الطبية بالمستشفيات (الجنوبي والسعودي) ومراكز الايواء. كما يوفرون الوجبات الغذائية والعصائر للمصابين في المستشفى الجنوبي.
وتحدثت ساجدة عن فرحة المواطنين داخل المستشفيات بالوجبة المقدمة لهم الأمر الذي شجعها للعمل أكثر وتوسعة دائرة عملها وزيادة عدد الأصناف المقدمة. وقالت إنها تعرف بعض الأسر التي تظل لأيام دون أكل فقط تعيش على المياه الساخنة وحتى هذه يصعب الحصول عليها.
وأشارت ساجدة إلى الأثر النفسي الطيب الذي تخلفه مثل هذه المبادرات بالنسبة للفارين من بيوتهم أو المحاصرين داخل منازلهم، إضافة إلى النازحين في مراكز الإيواء. وقالت: من الضروري أن نتكاتف جميعا في ساعة المحنة، وأن نساعد بعضنا وأن نخفف الآلام على المصابين ومن فقدوا أعزاءهم.
وتابعت ساجدة قائلة إنها فخورة بشباب الفاشر وسعيهم لتقديم العون للمحتاجين، مؤكدة التزامها باستمرار المبادرة حتى توقف الحرب وعودة الناس إلى بيوتهم.
فاشر السلطان
مبادرات كثيرة أطلقت لإطعام الفارين والمتأثرين بالحرب في فاشر السلطان، وبيوت كثيرة فتحت أبوابها لإيواء النازحين وإطعامهم.
مر عام على الكرب ولكن الفاشر صمدت على أكتاف أهل الخير. ورغم المآسي تبقى المحبة والإنسانية هما السمتان الغالبتان في فاشر السلطان ويبقى أبناؤها في الداخل صامدون وبارون بأهلها يخدمونهم بأياديهم ويمدون لهم يد العون وبكل ما يستطيعون، وبينما يسعى إخوانهم في الخارج لإنجاح أي مبادرة خيرة لصالح الأهل في الداخل.
أحدث التعليقات