الخميس, مارس 13, 2025
الرئيسيةاخبار السوداناقليم دارفورتقرير: «المطمورة» خنادق حماية مواطني الفاشر من القصف المدفعي

تقرير: «المطمورة» خنادق حماية مواطني الفاشر من القصف المدفعي

جبراكة نيوز: تقرير –  الفاشر

“هوي يا عيال ارجعوا حفرتكم سريع الدعامة شغلوا بنكك”..

جملة قد تبدو غريبة للبعيدين عن أحداث الفاشر الأخيرة لكنها مألوفة لمن هم في موقع الحدث. قالتها سيدة أربعينية للأطفال في أحد شوارع المدينة تحثهم للدخول إلى الخنادق احتماء من القصف المدفعي للدعم السريع تجاه المدنيين.

تحت الأرض

حُفرة بعمق ثلاثة أمتار أكثر أو أقل بقليل وبعرض ثلاثة أو أربعة أمتار تحت الأرض تغطى بقطع حديدية مثبتة على ركائز من أخشاب أو حديد، ومن فوقها جوالات مليئة بالتراب تدفن أطرافها بالتراب وتترك فتحة عند أعلى أحد جوانبها للدخول والخروج، ذلك هو الخندق أو “المطورة” أو “الحفرة” كما بات يطلق عليه السكان.

عندما تمر على شوارع مدينة الفاشر تجد مثل هذه الحفرة – الخندق على الطرقات بكثرة. سترى المواطنين يمارسون حياتهم الطبيعية، لكن بمجرد أن يبدأ التدوين ستصبح الشوارع خالية من المارة إلى الحد الذي يجعلك تشك أنه كان هناك بشر يسعى في هذا المكان قبل لحظات. الكل يهرب إلى داخل الحفرة ليخرج بعد انتهاء التدوين ويمارسون حياتهم الطبيعية وتبقى الحفرة خالية تنتظر التدوين الجديد وهكذا منذ بداية المعارك منتصف مايو الماضي وإلى الآن.

محمد عبدالقادر، أحد مواطني مدينة الفاشر، وصف لـ”جبراكة نيوز” إحساسه وهو داخل الخندق بالمرعب جدًا، وقال: يبدأ الجميع بالركض مع بداية التدوين وأصوات الرصاص من حولهم في كل مكان، من يدخل أولا يعتقد إنه الناجي عكس آخر الواصلين إلى الخندق. ويضيف: لكن في الحقيقة فإن أوائل الداخلين هم في ورطة حقيقية ما بين سخانة باطن الأرض وضيق المكان.

وأردف: الوضع داخل الحفرة مظلم جدًا وحار جدًا، ويؤثر سلبيا على أصحاب الأمراض المزمنة مثل مرضى الأزمة أو الجيوب الأنفية فإنهم يعانون وتزداد معاناتهم مع طول فترة التدوين والبقاء داخل الحفرة.

واستدرك محمد عبدالقادر قائلا: “لكن رغم هذا فإن هنالك حميمية بين الجميع رغم ضيق المكان وسخانة الجو. فالناس تحاول التعارف على بعضها، وكل شخص يسأل عن رفيقه هل نجا أم أدركته القذيفة في الخارج”.

وقال: نعم الناس تتخوف أيضا من تهدم الحفرة على رؤوسهم بسبب شدة سقوط القذيفة، خصوصا حين تتساقط الأتربة على الجالسين في الداخل، مضيفا: الخندق يسع الجميع لحظة التدوين مهما كانت مساحته ومهما كان عدد الفارين من القذائف.

وختم محمد عبدالقادر حديثه بقوله: “ساعة الحارة بشيلنا كلنا، ومن تبرد تفتش الطلوع بي وين عشان ناخد نفس بسرعة بدل الكتما الكنا فيها”.

صمود وقذائف

“رسالة” هي سيدة أربعينية تعيش في حي برنجية بالفاشر، قالت لـ”جبراكة نيوز” إنها ترفض الخروج من مدينتها مهما اشتد الصراع وازداد الضرب العشوائي للقذائف.

وأضافت: كنا نذهب مع بداية التدوين المدفعي إلى “عمارة” في الحي المجاور. وصلنا عددنا وقتها إلى قرابة الـ 200 شخص يحتمون بالمبنى. وكنا أحيانا لا نستطيع الوصول إلى العمارة الآمنة حين يبدأ التدوين العنيف فنضطر للنوم على الأرض في الشوارع  إلى أن يتوقف، ففكر شباب الحي بحفر الخندق – أو المطورة كما نسميها – لحمايتنا والبقاء فيه بدلا عن الذهاب يوميًا إلى العمارة لاسيما أن أعداد المحتمين بها يزداد كل يوم.

وتابعت: الحمدلله على هذه الحفرة رغم ضيقها إلا أنها آوتنا وكانت حامية لنا من ضرب المدافع.

الراحل أمير أحمد، أحد شبان الفاشر، لقي حتفه بعد خروجه من الخندق بدقائق قليلة فقط بعد اشتداد القصف. فمع ازدياد أعداد المواطنين داخل الخندق شعر أمير بضيق تنفس فاضطر الخروج طلبا للهواء النقي وليرتاح قليلا ثم يعود مرة أخرى إلى الداخل، لكن مع خروجه وقعت قذيفة على شارع السلام بالقرب منه ففارق الحياة إثر رائش اخترق جسده في عدة أماكن.

شقيقته “س” روت لـ”جبراكة نيوز” تفاصيل رحيله المحزن. وقالت إنها بقيت داخل الخندق لزمن طويل حتى انقضت الغمة ثم خرجت تبحث عنه، فرأت حذاءه ملطخا بالدماء، وعرفت عندها أنه راح ضحية لقذيفة اليوم.

وأضافت في حزن وألم: بقيت أبحث عن جثمانه لمواراته الثرى ومن ثم الاستعداد من جديد للعودة إلى الخندق إذا استمر التدوين أو للمنزل إذا توقف.

مع ازدياد القصف العشوائي تجاه المدنيين بالفاشر أصبح الخندق “المطمورة” هو الحامي والمنقذ لهم ومع ذلك يظل الخطر يحدق بالجميع وكل من يخرج طلبا لتنفس الهواء قد يجد حتفه في لحظة أو يعود فتسقط القذيفة خلفه.. وهكذا لأكثر من شهرين ظلت قوات الدعم السريع تستهدف المدنيين وظلوا يصارعون الموت باحتمائهم بالمباني المحصنة أو الخنادق على أطراف الشوارع ليخرجوا بعد القصف بدقائق ويباشروا حياتهم مرة أخرى.

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات