قصة خبرية
الفاشر _ جبراكة نيوز
على مر حقب التأريخ السوداني لعبت المرأة السودانية دورًا محوريًا في شتى ضروب الحياة، فهى قيادية في مجتمعها وحاكمة وطبيبة، مربية وعاملة زراعية في الريف السوداني. حيث بلغ تاثيرها وتحملها عاملًا حاسمًا في شتى المواقف والأزمات التي مرت بها السودان، ورغم هذا هي التي تحمل أعبائها وأعباء غيرها وتدفع ثمن الحروب والصراعات وتصبح ثكلى وأرملة.
تقدمت المراة الصفوف في الثورة السودانية لتجعل من (زغرودتها) تنبيهًا بقدوم الواحدة ظهرًا موعد إنطلاق التظاهرات التي أسقطت نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذى حكم السودان 30 عاما.
أجبرت حرب الخامس عشر من أبريل 2023، مجدداً المراة على التضحية وبكل ما تملك لأجل الحفاظ على نفسها، أسرتها وأطفالها ومواجهة ظروف الحمل والام مخاض الوالدة دون أن تتوفر لها حتى المخدر (بنج) ووسائل النقل التى قد تكون عربة كارو لمسافات طويلة للوصول إلي أماكن أكثر أمناً.
قصص كثيرة تختلف بإختلاف صاحباتها ولكن تتفق جميعها بأن هنالك بطولات أخرى تخوضها النساء بأجسادهن.
الحمل ومخاطر الولادة
حامل في توأم إحداهما لا ينمو، تعاني من ضغط الجنين ومع ظروف الحرب أُصيبت بمرض السكري والطبيب منعها الحركة، لكنها الحرب!
سارة أحمد سيدة أربعينية من الفاشر، شهدت بداية حرب أبريل في أمدرمان وهي حامل في شهورها الأولى، ولأن حالتها الصحية حرجة منعها الطبيب الحركة. وبسبب إشتداد الحرب في أمدرمان إضطرت النزوح إلى ولاية الجزيرة/ مدني، معتقدةً أنه الخلاص حتى سقطت الجزيرة على يد الدعم السريع وهي في شهرها الثامن فاضطرت الخروج مرة أخرى ولكن إلى المجهول!
تقول سارة “أن حملها بلغ أسبوعه الثاني والثلاثين وكل يوم يزداد ضغط الجنين لديها حتى تورم جسمها وهي ممنوعة من الحركة بأمر الطبيب، بعد سقوط أحد أجنتها في رحمها مع معاناة مرض السكري، ومع ذلك عليها الخروج أو مواجهة مصيرها مع إجتياح الدعم السريع لولاية الجزيرة”.
السفر إلي المجهول
وتضيف سارة قائلة: “أنها و بعد تفكير عميق قررت السفر إلى مصر بواسطة التهريب، عبر بورتسودان ثم تحركت مع بقية أطفالها إلى أسوان عن الطريق الصحراء وكانت المعضلة التي تواجهها أن المسافرين عبر التهريب يأخذون الماكولات الجافة مثل التمر والطحنية والبسكويت وكل هذا لا ينفع مع مريض السكري”.
وتابعت سارة قائلة: “أنني جازفت رغم كل هذا حتى بلغت القاهرة و أول ما فعلته هناك،قابلت الطبيب فأخبرني بضرورة بقائي في المستشفى قبل أسبوع من الولادة، لأن حالتي ساءت وعليّ البقاء تحت المراقبة ولكن ليس لديّ أي مستند لإستكمال إجراءات الولادة القيصرية”. ذهبت إلى مفوضية شؤون اللاجئين بمصر فاخبروني بأن الحصول علي بطاقة اللجوء تستغرق أربعة أشهر.
قالت عدت إلى الطبيب وأنا أجر أذيال الخيبة، سألته إن كانت هنالك طريقة لإجراء العملية بدون مستندات؟ ولكن الطبيب أخبرها بأن هذا مستحيل و طلب مني العودة إلى موظفي المفوضية وإخبارهم بقصتي علهم يجدوا طريقة عاجلة لإستخراج بطاقة الجؤ.
وتقول سارة “عدت إليهم مجددًا وطلبت منهم إستعجال بطاقتى فقط وترك أولادي لأني على وشك الولادة وحالتي لا تتحمل الإنتظار أكثر، خاصة مع إرتفاع مستوى الضغط لدي وتدحرج السكري بين الهبوط والارتفاع، فحن عليّ الموظف وإستخرج كرتي وكروت أطفالي وكان هذا أكبر الهموم التي سقطت من كتفي”.
وتسرد سارة قائلةً “عدت إلى المستسفى وأكملت إجراءات عمليتي وبقيت هنالك لأسبوع حتى موعد العملية والحمدلله تمت على خير،…. خرج جنيني بسلام والآخر ميت وأُستؤصل رحمي، عانيت من نقصان في الدم ومضاعفات أخرى جعل الاطباء يقررون أخذ طفلي بعيداً عني وإرضاعه بحليب الأم مع إبقائي تحت العناية لأسبوع ثاني بعد الولادة.
ليس معي مرافق سوى إبنتي الكبرى التي ظلت ترافقني في المستشفى وتعود لخدمة إخوتها بالمنزل وزوجي يتابع حالتي عبر الهاتف من بورتسودان.
في ختام حديثها تقول سارة : “الآن أنا بخير في مصر مع دعواتي لمسببي الحرب بالدمار ولشعبي بالأمان والسلام”.
الولادة في زمن الحرب: قصة مواهب
مواهب التي لقيت حتفها بسبب ولادة متأخرة لجنين ميت، تروي عمة مواهب قائلة: “أنها فتاة في بواكير شبابها في الثامنة عشر من عمرها، نزحت مع أهلها إلى دار السلام وهي في شهرها الثامن من الحمل، بسبب حداثة سنها ولأنها بكرية، لا تدري بأي شهر هي ومع ظروف النزوح و وضعها المالي وفقدان الرعاية هزل جسمها ثم مات جنينها في بطنها وهي لا تعلم”.
مع موعد أول مقابلة لها بعد شهر من النزوح أخبرها الطبيب أنها ستدخل عملية مستعجلة لإنقاذها قبل أن تدخل في حالة تسمم. تمت العملية بنجاح في مستشفى دارالسلام لكنها فارقت الحياة بعد خمسة أيام من الولادة.
قصة أخرى، تقول نعمات بحسرة، “أمي التي ظلت تحارب مضاعفات أدوية السرطان لتسعة أشهر ثم فارقت الحياة بعد سفر طويل ومرهق إلى القاهرة.
أجرت أمي عملية إستئصال الجيب الأنفي اليمين والجزء العلوي من الفك اليمين، ثم أخذت جرعات من العلاج الإشعائي وقبلها الكيميائي حتى تعافت وبقيت تقابل طبيبها كل ثلاثة أشهر في القاهرة ولكن لظروف الحرب توقفنا بعد مقابلة واحدة فقط لان السفر إلى هناك أصبح مستحيلا بعد حرب.
تضيف نعمات “الفاشر ليس بها جهاز الرنين المغناطيسي لكى يتمكن الأطباء متابعة حالة أمى من على البعد عبر الانترنت. لذلك ظللنا لتسعة أشهر نتابع مع طبيب ولا تستطيع المشي والأكل بل ظلت معتمدة على المكمل الغذائي الذي ينقطع عنها أحيانًا لاسبوعين، معتمدة علي الحليب مع التمر والدخن لتسعة أشهر في محاولة لإنقاذها دون جدوى.
مع إغلاق المطارات في دارفور وقفل الدعم السريع للطريق البري (طريق الانقاذ الغربي) تسعة أشهر جعلت أمى تصمد على آلام الأنف والصداع النصفي وصعوبة الهضم معتمدة علي التغذية بالمحاليل الوريدية حتى فارقت الحياة. هذه هي حالة الكثيرات اللائي فقدن حياتهن بسبب غياب الخدمات الصحية في قرى وأرياف شمال دارفور المختلفة.
أحدث التعليقات