لم يتأثر إقليم شرق السودان بالحرب مباشرةً عند إندلاعها في 15 أبريل 2023م، ولكن الآثار الجانبية المتعلقة بتداعياتها الإجتماعية والسياسية والإقتصادية مست الإقليم كغيره من مناطق السودان.
ومع تمدد رقعة الحرب واقترابها من تخوم الإقليم ارتفعت حالة التحشيد ودعوات التسليح، وزيادة حالة الاستعداد العسكري مع وصول قوات الدعم السريع إلى مشارف ولاية القضارف.
وعرض تقرير الشبكة الشبابية للمُراقبة المدنيَّة الذي إطلعت عليه “جبراكة نيوز” في منتدى تحت عنوان: “تأثير الحرب وتعدُّد الجيوش على إقليم شرق السُّودان” في دار المنظمة الإفريقية بكمبالا السبت، إفــادات المشــاركين فــي المقابــلات التــي تــم إجراؤهــا بوجــود تأثيـرات أجنبيـة علـى نشـاط التسـليح، خاصـة مـن دول الجـوار وتوقعـوا وجـود تأثيـرات مسـتقبلية سـلبية لهـذه التدخـلات نتيجـة لعمليات العسـكرة والتسـليح.
وقال مسؤول مكتب الأبحاث في الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية، خالد مشين، إن الهدف الاساسي من التقرير هو التقييم لتطويره لمصلحة ما يدور في الشرق من صعوبات نتيجة للقبضة الأمنية خاصة في إجراء مجموعات النقاش التي تحولت لـ”أونلاين” والمقابلات الفردية.
وأكد مشين، خلال حديثه في المنتدى إن التحشيد ارتفع في شرق السودان بعد توسع رقعة الحرب على تخوم حدود الإقليم.
تلأثير قبلي
الفاعل السياسي والاجتماعي خالد محمد نور، قال إن شرق السودان مُهمل نسبة للأمان النسبي الذي يعيشه، وأشار نور، خلال حديثه في الندوة، إلى ان قضايا شرق السودان مرتبطة بالتأثير القبلي العالي لذلك مدخلها للتحليل يتم عبر القبائل وهو ما تم في مؤتمر تقدم الاخير.
ورأي نور، ان اضعف حلقة في شرق السودان هي تسلسل الإدارة الاهلية تاريخيا وحاليا، داعيا إلى ضرورة الفصل بين القبيلة والوعي العشائري السائد في كل السودان.
وأرجع نور، سوء حال الإدارة الاهلية إلى تأثير السلطة في عهد الانقاذ على مجتمعات شرق السودان خاصة الناظر ترك وشيبة ضرار، إلى جانب دعم طائفة انصار السنة واستغلال التوظيف القبلي للخدمة المدنية وتحول القبيلة إلى شكل من أشكال التنظيم السياسي، وظهور اجسام مجالس القبائل.
وأكد نور، أن دولة إرتريا بها (5) معسكرات لتجنيد قوات الحركات المسلحة بعد فشل عملية الإستنفار في شرق السودان مشيرا إلى انها محاولة للسيطرة على كل المجموعات الفاعلة في الشرق من قبل الاستخبارات العسكرية بفتح كمية من المعسكرات ولفت إلى انها رغبة التقت مع رغبة ارتريا وتمت بالتنسيق بينها والسودان، مشيرا إلى ان الحكومة الارترية لها القدرة والخبرة في التعامل مع الحركات المسلحة السودانية.
تعدد الجيوش
بدوره قال وزير الثقافة والإعلام السابق فيصل محمد صالح، إن شرق السودان ليس له حراك عابر للقبيلة، واكد خلال تعليقه أن التقرير أعتمد على مصادر ثانوية وكان بإمكانه التواصل مع المصادر الاساسية، ولفت إلى أن شرق السودان ليس قادرا على الخروج من أزمة تعدد الجيوش.
وقال إن الشرق كان له حراك سياسي فاعل بتأسيس مؤتمر البجا الذي “هزم العديد من الحكومات والمثقفين”, وأضاف ان مؤتمر طلاب البجا يشمل العديد من القبائل وليس ابناء البجا فقط.
عنف جنسي
بينما أكدت المعلمة والناشطة النسوية خالدة صابر، ان الاستنفار والتمليش تتعرض له النساء واثاره تقع عليهن بصورة مباشرة في شكل عنف ضد المرأة وعنف جنسي يترتب عليه حمل غير مرغوب فيه.
وقالت صابر، إن في التقارير الحقوقية يستبعدون الحالات التي تقع على النساء والاستجابة الإنسانية ضعيفة تجاه حالات الاغتصاب وغيرها من الانتهاكات.
وأضافت ان الحماية من العنف الجنسي من اكبر التحديات التي تواجه المجموعات النسوية وكيفية التصدي له. ولفتت إلى ان كل النشاط موجه نحو الاستنفار ودعم الحرب.
وأشارت صابر إلى تزايد وفيات الامهات والاطفال في شرق السودان بعد النزوح من الولايات إلى البحر الاحمر الذي خلق ضغطا على الخدمات الصحية وخفض الجودة وضعف الرعاية الصحية. ونوهت إلى إنه إذا انتهت الحرب اليوم بالنسبة للنساء لم تنته والسلام ليس توقيع اتفاق فقط. وحذرت من تأثير العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات ومن تأثير التزويج المبكر وتأنيث الفقر.
ثلاث حركات
وقال الناشط السياسي مهندس محمد، إنه بعد سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة، برزت أصوات في الإقليم الشرقي تطالب المواطنين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في حال هجوم المليشيات على ولايات الإقليم الثلاث (القضارف، كسلا، بورسودان).
وأكد مهند، في إفادة لـ”جبراكة نيوز” ان الأصوات المنادية بالتسليح وجدت استجابة واسعة في بعض مدن الإقليم، أبرزها مدينة الفاو و كسلا، لكن الاستجابة الأكبر كانت في مدينة كسلا، حيث لم يقتصر حمل السلاح على غير القادرين، بل شمل قطاعا واسعا من سكان المدينة الذين توجهوا إلى معسكرات الاستنفار والتدريب التي يشرف عليها الجيش السوداني.
وكشف مهند، عن تأسيس ثلاث حركات مسلحة افتتحت معسكرات تدريب في دولة إريتريا، وهي: حركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، وحركة الاورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤد، والحركة الوطنية للعدالة والتنمية بقيادة رجل الدين سليمان علي بيتاي.
وسلط مهند، الضوء على سياق تشكل الحركات وإيضاح الأسباب والدوافع التي أدت إلى نشوء هذه الحركات، مشيرًا إلى أن هناك عدة أسباب دفعت المكونات الاجتماعية في مدينة كسلا لتأسيس حركات مسلحة، أبرزها حرب 15 أبريل التي امتدت رقعتها إلى حدود الإقليم الشرقي بعد سيطرة الدعم السريع على منطقة ولاية الجزيرة المتاخمة للإقليم الشرقي من الناحية الغربية، إلى جانب ارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين العزل تمثلت في القتل والنهب والتشريد، فهي أيضا من الأسباب الرئيسية التي دفعت المكونات الاجتماعية لتأسيس حركات مسلحة لحماية المجتمعات التي تنتمي إليها في حال هجوم الدعم السريع على مدينة كسلا.
علاوة على تجربة الحكومة الانتقالية إبان حكم تحالف الحرية والتغيير والمجلس العسكري، حيث قامت الدولة بأجهزتها الرسمية الجيش النظامي ومؤسساته المدنية (أمانة الحكومة، ووزارة الاعلام الاتحادية) باستهداف قبائل محددة تنتمي لنظارة البني عامر سواء بالقتل الذي تم في مجزرة 15 أكتوبر بواسطة الجيش النظامي في مباني أمانة الحكومة وباشتراك الدعم السريع التي يقاتل ضدها الآن في المستشفى التعليمي أو عبر تصريحات وزير الإعلام حينها فيصل محمد صالح الذي لام الضحايا الأبرياء الذين استشهدوا برصاص القوات النظامية في مؤتمره الصحفي واتهمهم بمحاولة احتلال أمانة الحكومة في سياق تبريريه للمجزرة الشنعية ومحاولاته تبرئة القوات النظامية من الجريمة الشنيعة، أو عبر تصريحات المسؤول من أمانة الحكومة الذي كان أكثر بجاحة وقال في حديثه لتلفزيون كسلا “مات منا واحد” يقصد الدولة وأجهزتها الرسمية، و”ماتوا منهم سبعة” يقصد المتظاهرين السلميين.
وأوضح مهند، ان الحادثة ساهمت بشكل كبير في تشكيل حركتي تحرير شرق السودان بقيادة دنيا وحركة الاورطة بقيادة داؤود، وأشار إلى ان هناك سبب آخر يتمثل في المشاركة السياسية في أي ترتيبات سياسية قادمة بعد الحرب، لأن منطق الدولة ما بعد الاستعمارية تاريخياً لا يعترف في كثير من الأحيان بالقوى السياسية المدنية وإذا اعترف بها على مضض يعود وينكر الاعتراف المؤقت بالانقلاب عليها، لذلك تشترك حركة الوطنية للعدالة والتنمية مع حركتي داؤد ودنيا في دافعين الأول هو الدفاع عن مكون اجتماعي تمثله الحركة (مجتمع الهندودة) في حال هجوم الدعم السريع على مدينة كسلا وحمايته من البطش والتنكيل الذي تقوم به المليشيات بمحاولة استنساخ نموذج القوات المشتركة في مدينة الفاشر، والدافع الثاني هو المشاركة السياسية في الترتيبات الانتقالية لما بعد الحرب.
ودعا مهند، الدولة والفاعليين السياسيين في مدينة كسلا إلى حل الأزمة الاجتماعية حلا جذريا ليس عبر التمثيل السياسي المزيف بل عبر تلافي الآثار الاجتماعية المدمرة للنزاع القبلي واستهداف الدولة للقبائل التي تتبع لنظارة البني عامر، وتشكيل إطار تنسيقي بين الحركات أشبه بالاطار الذي ينظم عمل قوات مناوي وجبريل في مدينة الفاشر، ليقطع الطريق على الدول الطامعة في استغلال الحركات في تحقيق أجندتها، ويسهل عملية استيعابها في أي عملية سياسية قادمة.
أحدث التعليقات