الجمعة, مارس 14, 2025
الرئيسيةتقاريرتقرير: موظفون بمدينة نيالا يتحولون لـ«سماسرة وتجار أواني وباعة رصيد»

تقرير: موظفون بمدينة نيالا يتحولون لـ«سماسرة وتجار أواني وباعة رصيد»

جبراكة نيوز: نيالا

لم تتصور المعلمة بمرحلة الأساس، فاطمة علي حسن، بأنها يمكن أن تصبح في يوم من الأيام تاجرة تبيع وتشتري في السوق، وهي التي نذرت عمرها لتعليم الأطفال اليافعين، لكنها الحرب، كما تقول!

تسرد فاطمة لـ”جبراكة نيوز” قصتها مع حرب السودان والتحول الكبير الذي حدث في حياتها وتقول: عندما طال أمد الحرب ونفدت مدخراتنا فكرت في الخروج للعمل.

وتضيف: زوجي كان موجودا، لكن في تلك الفترة، في بدايات الحرب، خفت أن يتعرض لمكروه، خاصة إننا نسكن في مناطق سيطرة الدعم السريع، وحينها كان تحرك الرجال يجعلهم في موضع الشك بأنهم ينتمون لاستخبارات الجيش، فكان الحل الأمثل هو خروجي أنا لتلبية متطلبات الأسرة وتركه هو بجانب الأطفال.

وتابعت بقولها: قبل ولوج مجال التجارة، وبسبب الحاجة أخذت جزءا من الأواني المنزلية الخاصة واتجهت بها إلى السوق، فهناك الكثير من النساء اللاتي أجبرتهن الظروف لدخول هذا المجال، وكنت أتحدث مع إحداهن عن بيع أشيائي فذكرت لي إنها موظفة بإحدى المؤسسات الحكومية وزوجها متوفي ولها أربعة أطفال، فشجعتني على العمل وعند عودتي طرحت الفكرة على زوجي ورغم إنه تردد في البداية لكنه وافق في النهاية، إذ لم يكن باليد حيلة، فواقع الحرب المؤلم لم يترك لنا خيارا آخر.

تواصل المعلمة فاطمة في سرد قصتها وتقول: قمت بنقل كل أواني بيتي واتجهت بها للسوق والحمد لله استطعت توفير حاجة أسرتي اليومية.

وتردف بالقول: بعد ذلك قررت دخول هذا المجال بقناعة تامة، وصرت استلم الأواني المستخدمة من أصحابها بسعر وأضيف إليها هامش ربح بسيط وأعرضها في السوق.. والحمدلله لم ينم أولادي جوعى أو عطشى منذها.

سوق الله أكبر

حرب الخامس عشر من أبريل 2023 لم تكن في حسابات السودانيين، وربما أكثر من تضرر منها بشكل مباشر هم الموظفون، الذين كان كل همهم أن يصلوا نهاية الشهر ليحصلوا على مرتباتهم لسداد ديونهم رغم أنه في السنوات الأخيرة أصبح المرتب ذاته لا يكفي لسد حاجتهم في ظل الغلاء الطاحن الذي كانت تشهده الأسواق.

هذا كان تعليق أحد الموظفين ممن تحدثوا لـ”جبراكة نيوز” بعد انتقاله للعمل في “سوق الله أكبر”، كما وصفه وأضاف: مع ضعف الراتب قبل الحرب، إلا أن موظفي الحكومة وغيرها من المؤسسات الخاصة، كانوا راضين وحامدين وشاكرين على نعمة وجوده، بيد أن توقفه مع اندلاع الحرب أحدث فجوة كبيرة وبدد آمال الكثيرين الذين ظلوا ينتظرون لعدة أشهر حتى قرروا مجابهة ظروفهم المعيشية والتوجه إلى ممارسة التجارة.

يقول الأكاديمي والأستاذ الجامعي عبد الرحمن أحمد، لـ”جبراكة نيوز”: مررنا بلحظات صعبة وتجربة مريرة فخلال فترة المعارك العنيفة كانت الأسواق تكاد تكون مغلقة بشكل كامل.

ويتابع: قبل اندلاع الحرب كنا كموظفين نعتمد على المرتبات بشكل أساسي أما أوصلتنا إلى نهاية الشهر أو انتهت قبل ذلك دون أي توفير أو إدخار شيء منها. ويستدرك مضيفا: لكن رغم ذلك أقول إن الحرب أكسبتني تجربة مفيدة بدخولي السوق وعبر المعارف والإخوان بدأت عملية تحويل بنكك بنسبة ضئيلة واستطعت بحمدلله توفير مصروفي اليومي.

ويشير عبدالرحمن إلى بعض المشاكل التي بدأت تعترضه بعد دخول السوق، ويقول: واجهتني العديد من الصعوبات أولها القرصنة، يجيك زول بهيئة شخص محترم وله مكانته لا يوحي إليك إنه محتال يريك إشعارا مزيفا لمبلغ مالي وعلى أساسه تتصرف، وبهذه الطريقة “انضربت” مرتين ثم فهمت طبيعة السوق وأدركت إنه مدرسة بها نصابين ومحتالين.

ويتابع سرد قصته مع السوق وتجربة تحويلات بنكك: هناك من يتحكم في سوق التحويلات بافتعال أزمة الكاش وعدم توفره إضافة إلى مشاكل توقف بنكك من مرة إلى أخرى، بجانب الهشاشة الأمنية فأنا لا أستطيع حمل مبالغ كبيرة والخروج بها من السوق أو ترحيلها من مكان إلى آخر فهذه مشكلة كبيرة.

عملة مزيفة

ويؤكد عبدالرحمن أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل الآن في الأوراق النقدية المزورة التي تكون –حسب قوله- محشوة وسط ربطة الخمسين جنيها أو المائة جنيه. ويقول: قد تستلم المبلغ من شخص يتبع لواحدة من الجهات المسلحة وإذا أخبرته بأن هناك أوراق نقدية مزورة بين مبلغه تبدأ المشكلة ويبدأ في الاتهامات، لاسيما بعد انسحاب الجيش، فلا وجود الآن لأي جهة  عدلية، لا شرطة لا نيابة لإثبات الحق، كما قد تتعرض للتخوين.

ويختم عبدالرحمن إفادته بقوله: التجارة في ظل الحرب بها مخاطر وابتزاز والمجازفة بالروح. نتمنى إيقاف الحرب وأن تحل علينا نعمة والسلام وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وتأسيس بلد يسودها الأمن والقانون.

شنطة وشنطايا

أما شرف الدين عبدالعزيز عيسى مدير التراث غير المادي  بوزارة الثقافة والإعلام فيقول: عند اندلاع الحرب بنيالا كنت أسكن على بعد أمتار من القيادة العامة فقمت بإجلاء أسرتي إلى موطني الصغير كتيلا التي تقع جنوب نيالا وأصبحت أجازف بحياتي وسط النيران لأوفر حاجة أسرتي المكونة من ستة أشخاص.. ويضيف: عشنا ظروفا صعبة خاصة بعد الحرب وتوقف المرتبات.

ويتابع شرف الدين في إفادته لـ”جبراكة نيوز” ويقول: عندما دخلت السوق كنت لا أملك إلا عقلي وطاقتي، ولكن الزملاء والمعارف لم يقصروا،  فكانت بدايتي بائع متجول بتسويق الراديو وأجهزة الطاقة الشمسية مستخدما أسلوبا تشويقيا مثل: “دنيا دبنقا وراديو دبنقا ودبنقا جنب الباب”، وبهذه الطريقة أوزع البضاعة واستلم هامش الربح وأسلم رأس المال لصاحب البضاعة.

ويتابع شرف سرد حكايته مع التجارة بقوله: بعد فترة أصبح بيع الراديو فيه ركود ففكرت في بدائل تتماشى مع السوق وبت أعرض “المعجون النيجيري والشنطة النيجيرية” وأتنم أثتاء تجوالي “شنطة وشنطايا وشنيطة جميلة وجذابة وراقي وقوي ومتين جاي من نيجيريا وبشبه ناس المدينة فايقين ورايقين وقاعدين ما بمشوا الزراعة، وفرشة ماليزي تجرب تجينا تكوسنا تشرب شاي بالنعناع جنب الباب”.

ويضيف: السوق علمنا كتير واكتشفنا أن اعتمادنا على الوظيفة لم نكن صادقين مع أنفسنا لأنها لا تخلف إلا الديون والمطالبات، الآن أدخل السوق على بركة الله والحمدلله غير مطالب أي دين.

ويرى شرف الدين إن الوظيفة أخرته كثيرا، ويقول: لو كنت أفكر بهذه الطريقة قبل الحرب لكنت الآن أمتلك منزلا وتحسن وضعي المادي والاجتماعي، فـ”المرتب ما بدينا ذي السوق حتى لو جاء السلام ورجعنا للوظيفة لن نترك السوق”.

تحويل رصيد

الموظف بالجهاز القضائي، عادل حسن، خاض تجربة بيع وتحويل الرصيد بعد اندلاع الحرب مباشرة. يقول لـ”جبراكة نيوز”: لكن بعد انقطاع الشبكة توقف الحال ففكرت في شحن الموبايلات بالكهرباء لأن مدينة نيالا أصبحت تعتمد كليا على الطاقة الشمسية بعد أن تضررت محولات واعمدة الكهرباء جراء القصف العنيف المتبادل بين الطرفين.

يقول عادل: الحمدلله أصبحت البترينة الصغيرة لشحن الموبايلات مصدر رزقي وسعادة أسرتي لأنها تلبي طلباتهم.

وبحسب استطلاع أجرته “جبراكة نيوز” في أسواق مدينة نيالا فإن حوالي 20% من الموظفين السابقين في الحكومة والمؤسسات الخاصة قبل اندلاع الحرب، أصبحوا يمتهنون التجارة ما بين سوق الجملة والقطاعي والعمل كباعة جائيلن، ومنهم من دخل سوق المواشي والسمسرة وتعايشوا مع الواقع الجديد وكيفوا وضعهم، بل إن بعضهم يفكر في الاستقالة من الوظيفة بعد انتهاء الحرب.

يذكر أن مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور شهدت معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سقط خلالها مئات القتلى والجرحى من المدنيين نتيجة للقصف المدفعي المتبادل بين الطرفين.

وفي أواخر أكتوبر من العام الماضي أعلنت قوات الدعم السريع تمكنها من السيطرة على الفرقة التاسعة مشاة بمدينة نيالا بعد انسحاب الجيش منها وتشكيل إدارة مدنية وعسكرية لإدارتها. ومنذ ذلك الوقت تشهد المدينة حالة من السيولة الآمنية والفوضى الاقتصادية بعد انتشار العملة المزيفة في الأسواق المحلية.

 

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات