جبراكة نيوز: تقرير – الفاشر
مرت أربعة أشهر على حصار قوات الدعم السريع لحاضرة إقليم دارفور الفاشر، المدينة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات الجيش السوداني في إقليم دارفور مع استمرار انقطاع شبكات الاتصالات وتذبذب خدمات الكهرباء والمياه وتعطل أغلب المرافق الصحية والخدمية.
اشتد الحصار على مدينة الفاشر بعد سقوط مدينة مليط بوابة الإقليم على يد قوات الدعم السريع في أبريل المنصرم، وهي البوابة التجارية للولاية وبفضلها صمدت حاضرة الإقليم لعام كامل من الحرب.
بعد استيلائها على مليط سيطرت قوات الدعم السريع على طريق الإنقاذ الغربي ما أتاح لها قدرة عالية على إيصال المؤن واستمرار التدوين العشوائي طيلة الأربعة أشهر الماضية هذا غير الهجمات الشرسة على المدينة التي انتهت بالفشل أكثر من مرة، الأمر الذي دفع هذه القوات لتوجيه هجمات انتقامية بقصف الأحياء السكنية والمستشفيات وأماكن التجمعات العامة والأسواق والشوارع المكتظة بالمدنيين.
فرار السكان
عضو بلجان مقاومة الفاشر، قال لجبراكة نيوز إن أكثر من ثلثي السكان فروا من الفاشر بعد اشتداد الحصار والمعارك إلى المحليات القريبة وإلى ريفي الفاشر وبعض الأحياء في الجنوب الغربي للمدينة لتحول الدعم السريع التدوين المدفعي إلى تلك المناطق وتفتح جبهة جديدة للقتال في آخر مخابئ آمنة المواطنين، هذا غير هجومها الأخير على المدينة عبر ثلاث محاور أهمها المحور الجنوبي الغربي الذي تسبب في خسائر كبيرة بين المدنيين في أحياء الرديف والثورة جنوب ولم يسلم منهم حتى المصلين بالمسجد.
وقال: عقب مقتل قائد الدعم السريع في دارفور اللواء علي يعقوب، يونيو الماضين، خلال إحدى المعارك الشرسة بالفاشر وبعد تدوين انتقامي استمر لقرابة أربعة أيام بعد مقتله توقف القصف العنيف لأكثر من عشرة أيام لتعيش المدينة هدوءا حذرًا مع انتشار بشريات العودة للمواطنين وعودة الحياة إلى طبيعتها وفتح المحال التجارية وسير المواصلات بصورة طبيعية بين سوق المواشي الذي أصبح بؤرة تربط بين شمال وجنوب المدينة وريفها.
فيضان الوديان
مع بواكير الخريف وفيضان الوديان على امتداد شمال دارفور خصوصًا الوديان التي تمر بمناطق غرب الفاشر التي أصبحت مأوى للفارين من جحيم الحرب في الشمال والجنوبي الشرقي ووسط مدينة الفاشر بدأ المواطنون يعودون إلى منازلهم وتنظيف الطرقات وردمها من مياه الخريف وبدأت بعض المنظمات بالتوعية بخطر الاجسام غير المتفجرة في الطرقات والبيوت وكيفية التخلص منها عن طريق الاتصال بالجهات المختصة، في هذا الوقت كانت قوات الدعم السريع – وفقا لمصدر عسكري بالقوة المشتركة – تعد العدة لإعادة الهجمات من جديد، إذ استقبلت الفاشر دفعات أخرى من الذخائر والقذائف المميتة وعادوت الدعم السريع التدوين العنيف والممنهج تجاه المدنيين بسوق المواشي والأحياء المجاورة لها التي راح على إثرها عشرات القتلى والجرحى حتى عجز المركز الصحي “المستوصف” القريب للحي (سيد الشهداء) عن استقبالهم.
وبحسب مواطنين من الفاشر استمر التدوين لقرابة أسبوع في كل يوم يستهدف مكانا جديدًا مع التركيز على حي الثورة جنوب والرديف حتى عادت المدينة خالية من السكان وعاد السكان إلى مناطق نزوحهم التي اجتاحتها السيول سابقًا وعاد الوضع أسوأ مما قبل.
ضائقة معيشية
وذكر متطوع في القتال –فضل حجب اسمه- لجبراكة نيوز، إن المدينة أصبحت شبه خالية من النساء خلال فترات النهار إذ يذهبن في الصباح الباكر إلى المزارع غرب الفاشر ويعدن في المساء ليكن مع ابنائهن المرابطين في الداخل.
وذكر أنه ونتيجة للتدوين الانتقامي الأيام الماضية خصوصًا بعد معركة السبت الماضي التي وصفها بأنها الأشرس منذ عودة الهجمات، فإن سوق المواشي آخر أسواق الفاشر الذي ظل يعمل لعام من الحرب وأربعة أشهر من التدوين أُغلق بالكامل، هذا فضلا عن إغلاق بقية الأسواق التجارية الأخرى لا سيما سوق (الحَر) على طريق المواشي وهو سوق للمنتجات التي ترد من ليبيا ومصر عبر مليط، هذا عطفًا على إغلاق جميع المخابز بالمناطق الجنوبية الغربية للمدينة ليصبح الوضع السائد حاليًا هو وضع الجوع إذ لا محل مفتوح ولا نقود في المدينة.
وأوضح أنه بسبب اشتداد الحصار وجريان الوديان تقطعت طرق السفر وجعلت من منطقة خزان جديد السوق – الجديد للاستيراد والتصدير – مقطوعة عن بقية المحليات هذا غير انتشار عمليات النهب المسلح التي تتعرض لجميع سيارات السلع الخارجة من خزان جديد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الإستهلاكية للدرجة التي يعجز المواطن عن شرائها.
وحول أسعار السلع الضرورية قال “ع ب” أحد تجار الفاشر لـ”جبراكة نيوز” إن سعر جركانة الزيت وصل 95 ألف جنيه وجوال السكر “50 رطل” 230 ألف جنيه وكيلو العجالي 8 آلاف جنيه والضأن 10 آلاف جنيه وملوة الدخن الربع بـ20 ألف جنيه وتناقص عدد قطع الخبز إلى 5 قطع صغيرة بـ1000جنيه (إن وجد) لأن المخابز مغلقة بسبب رشح الدقيق.
وأشار عضو لجان مقاومة الفاشر إلى توقف معظم المطابخ العامة (التكايا) نتيجة للعجز المالي ولاضطرار بعض القائمين على أمرها للفرار من نيران الحرب والتحاق آخرين بصفوف المقاومة الشعبية.
وقال: أصبحت الشوارع خالية من المارة والمواصلات بفضل نتيجة لارتفاع أسعار الوقود وأحيانًا خوفًا من السطو المسلح على السائقين هذا فضلا عن الرصاص العشوائي وحصد القناصين لأرواح الأبرياء يوميًا على الطرقات العامة.
مقابر المدينة
الزائر لمدينة الفاشر خلال هذه الأيام العصيبة سيلاحظ أن هنالك توسعا ملحوظا في المقابر رغما عن أن بعضها أغلق بسبب وجود القناصين المنتشرين، كما حدث بالقرب من مقابر “التيمانات” إذ قتل نتيجة للقنص بعض المشيعين بعد مواراتهم جثامين موتى إحدى المعارك بالفاشر، مثلما ذكر أحد أبناء الحي لـ”جبراكة نيوز”.
وقالت إحدى المواطنات أنه لا وجود الآن لسرادق العزاء بسبب خوف المواطنين من التدوين على التجمعات، إذ ينتهي العزاء بمراسم الدفن الذي يتم بحضور عدد قليل من الاشخاص قد يصل إلى ثمانية أو تسعة على حسب الوضع وكمية القذائف الموجهة تجاههم.
استهداف المستشفيات
بعد خروج أكثر من خمسة مستشفيات عن الخدمة بسبب القصف العنيف تبعهم مركز تمباسي الطبي آخر المراكز الصحية في جنوب غرب المدينة بسبب التدمير الذي طاله من قذائف الدعم السريع. والمستسفى المرجعي “السعودي” الوحيد بالمدينة يفتقر إلى أقل المقومات لدرجة أن المدير الطبي للمستشفى أعلن عن الحاجة الماسة لأكياس الدم وسيور نقل الدم بعد تزايد أعداد الإصابات هذا غير قصفه أمس الأول هو الآخر، مما أدى إلى مقتل عدد من المرضى والمرافقين وتدمير قسم الطوارئ بالكامل.
وبحسب كادر طبي في المستشفى – رفض ذكر اسمه – فإن قسم الجراحة توقف جراء القصف، وأن المرضى والمرافقين وحتى الفارين من النازحين الذي احتموا بالمستشفى خرجوا تجاه مباني مستشفى الأطفال الذي تحول إلى مأوى للفارين من التدوين العشوائي. وقالت متطوعة بالمعمل الطبي لـ”جبراكية نيوز” إن المستشفى عجز عن تقديم الرعاية الصحية للمصابين عقب التدوين الأخير بل حتى أن الموجودين لقرابة 24 ساعة يعانون من قلة المياه بسبب كثرة المتبرعين والمصابين والمرافقين هذا غير عناصر الجيش السوداني الذي حضروا للتبرع ببنك الدم المرجعي في السعودي.
وعن ضحايا القصف قالت إن من يتم التعرف عليه يسلم إلى أهله أو يدفن إن لم يظهر له أهل، وهناك آخرون يتم جمع أعضاءهم وإدخالها في أكياس الموتى ودفنهم دون أي إجراءات لأنه لا وقت للقيام بأي شيء والكادر مشغول بانقاذ المصابين أثناء التدوين.
أما عن الاصابات فقالت إنه ليست هنالك إصابة طفيفة قط وإن أكثر من ثلثي المصابين إصاباتهم تتراوح بين قطع أعضائهم أو اضطرار الجراحين إلى بترها بعد التلف.
وأكدت أن المستشفى السعودي تقريبا خرج عن الخدمة بسبب سوء الوضع وعجز الكادر عن تقديم الخدمات مع ازدياد في أعداد الوافدين الذين تم نقلهم إلى مباني تتبع لمنظمة بلان سودان.
وعبرت عن أسفها بقولها: طالما أن الدعم السريع يستهدف الحقل الصحي بهدف التدمير فإن بلان ايضًا مهددة بالقصف عاجلا أم آجل.
وعن مركز سيد الشهداء قالت إنه عجز عن استقبال الإصابات لتجاوز قدرته على تقديم الخدمة، مشيرة إلى أن الدعم السريع ما زالت تحتجز في مدينة كباكبية قافلة طبية تتبع لمنظمة أطباء بلا حدود كانت في طريقها إلى الفاشر.
لا تزال المدينة المنسية صامدة أمام القصف والهجات المستمرة، وما يزال انسانها يعاني للحصول على أبسط مقومات الحياة ليجد نفسه بين سندان القصف العشوائي ومطرقة السيول التي تهدم البيوت تباعًا في الوقت الذي يعاني فيه للحصول على مياه الشرب فيضع الأواني على الطرقات وتحت الاسقف لجمع مياه الأمطار.
أحدث التعليقات