جُبراكة نيوز: تقرير: مآب الميرغني
لا تتوقف معاناة مرضى السكري ببتر أحد الأطراف عند إنقاذ حياتهم فحسب، بل يواجهون كابوسا مؤرقا بمعنى الكلمة، إذ أن بتر أحد الأطراف يعني لكثيرين صعوبة مواصلة العمل والتنقل وكيفية التأقلم مع الوضع الجديد، لاسيما مع الأوضاع المعقدة والخطرة طيلة فترة الحرب.
هذا ما قالته لـ”جبراكة نيوز” المريضة ” م .ع “، إحدى النازحات إلى ولاية الجزيرة فرارًا من الحرب، قبل أن تهرب مرة أخرى بعد اجتياح الجزيرة إلى ولاية سنار، وتواجه هناك فداحة الحصار والعزلة.
روايات مروعة
نجت “م. ع” من المعارك العنيفة في منطقتها لكنها خاضت حربا أقسى ضد داء السكري، فهي عرضة للموت في أي لحظة حال توقفها عن إستخدام الدواء أو تأخر الرعاية الطبية المناسبة.
تقول “م. ع” من داخل عنبر مرضى السكري في مستشفى سنار: “بعد شهرين من وصولي إلى ولاية سنار، شاء الله مرة أخرى أن أكون من الناجيات من الموت، فقد كنت موجودة لحظة دخول الدعم السريع إلى مدينة سنجة وفرض سيطرتهم عليها”.
ومضت بالقول: “بعد أن دارت الإشتباكات بين الطرفين وصلت إلى سنار المدينة سيرًا على الأقدام لما يقارب نحو 4 كيلومترات قبل أن أستقل عربة حافلة بعد ذلك.
وتضيف: “كنت مصابة بجروح سكري وتم تحويلي إلى قسم “الغرغرينا”، هذا مع إنقطاع الطريق وعدم تلفي الرعاية الطبية، وتلف دواء الأنسولين الذي كنت أحمله وعدم توفره في الصيدليات إلى جانب أن المستشفيات مغلقة”.
وتقول: “وقتها أصابني اليأس وبدا لي الأمر وكأنها (عقاب جماعي بأمر الحرب لمرضى السكري).
وإستطردت بحزن: أصبحت في وضع صعب ومؤلم لا سيما مع إستمرار إنقطاع الكهرباء والمياه وإنعدام المواصلات وإغلاق المستشفيات، وحين تلقيت العلاج كان الأوان قد فات وتم بتر قدمي الأيسر.
“م. ع” تمثل حالة للآلاف مرضى السكري في ولاية سنار وعموم المناطق المتأثر بالحرب في السودان، يعانون من مشكلات إنعدام الدواء وإغلاق المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى، ومن قطوعات الكهرباء إن توفر العلاح.
إفتقار حاد للخدمات الصحية
في قلب المعركة ضد آثار الحرب المدمرة على أجساد الأبرياء في ولاية سنار، يقف الجراح الدكتور عمر ساتي شاهدًا على معاناة لا تصدق، ويذكر إنه أول من تقدم الخطوط الأمامية لفتح المستشفى لإستقبال المصابين بعد الأحداث الدامية التي شهدتها الولاية.
وكشف في حديثه مع “جُبراكة نيوز” طبيعة الوضع الصحي في قسم الجراحة خلال الفترة الماضية. يقول الطبيب المختص ساتي بمستشفى سنار التعليمي قسم الجراحة، لـ”جبراكة نيوز” إنه أجرى حوالي 6 عمليات بتر، إثنان من جنود الجيش وأربعة مدنيين خلال فترة الإشتباكات في سنجة، أما عن مرضى السكري فيؤكد إنه أجرى العشرات من عمليات البتر.
وأرجع الأسباب إلى الإفتقار الحاد للرعاية الطبية عند المرضى الذين كانوا يباشرون نظافة جروح السكري، ومع إغلاق المشفى وإنقطاع طرق التنقل توقفوا عن جلسات النظافة.
ويضيف دكتور ساتي: “قطوعات الكهرباء سبب كبير أيضا في سوء الأوضاع، وتلف الأنسولين كان حاضرًا في عمليات البتر، حيث لا توجد بدائل لحفظ الأنسولين غير ثلاجة التبريد”.
ومسترسلاً في حديثه: “جميع مرضى السكري وصلوا في أوضاع حرجة ومتأخرة لمرحلة العلاج، حيث بقي البتر هو الحل بعد تلف الأنسجة بشكل كامل بسبب البكتيريا والغرغرينا، فضلًا عن أن هناك مرضى نازحين من مناطق سبقتها الصراع قبل سنار.
ووصف ساتي وضع مرضى السكر بـ”المؤسف” في ظل إستمرار قطوعات الكهرباء ومشكلات المواصلات، مما جعل أهالي المرضى يضطرون إلى نقلهم بوساطة عربات “الكارو”، بجانب الوضع المادي الضاغط على المواطن في تلقي العلاج بشكل مستمر.
وطالب جمعية السكري بتفعيل دورها مجددًا، وتوفير الأنسولين في مكان بارد خاصة في المناطق البعيدة التي يصعب على سكانها الوصول إلى سنار المدينة.
وناشد ساتي المواطنين والكوادر الطبية في سنار بالداخل والخارج بالوقوف على أوضاع المستشفى حتى تستمر الخدمة بشكل مستمر.
بدوره، قال المدير العام لـ”الهيئة العامة للأجهزة التعويضية للمعاقين” جمال حامد في تصريح صحفي سابق، إنه منذ إندلاع الحرب “زادت الإحتياجات للأطراف الإصطناعية بشكل كبير، إذ يتم تصنيع 900 طرف شهريًا لمن فقدوا أحد أطرافهم بسبب الإشتباكات، ولا يشمل هذا الرقم الذين تعرّضوا لعمليات جراحية للبتر بسبب الحوادث المرورية أو أمراض السكري”.
بيد أنه أشار إلى “توقف تصنيع الأطراف الاصطناعية منذ 5 أشهر بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام”، وقال في الوقت الحالي نصنع “عصا الساعد والأحذية الطبية”، ونقدم خدمة العلاج الطبيعي.
ورغم أن منطقة ولاية سنار هي الأكثر إستقرارًا مقارنة بولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور غير إنها إيضًا تشهد وجهًا آخر من المعاناة، يتمثل في إستمرار قطوعات الكهرباء والماء وإنقطاع الإتصالات ونقص الوقود والشح الكبير في الدواء، كما تعاني من توقف المراكز الصحية وقلة الكوادر الطبية بسبب نزوح ولجوء أعداد كبيرة منها بسبب الحرب.
أحدث التعليقات