رؤيتنا الشاملة للحلول وآلياتها وموقفنا من الحرْب وطرفيها ودعوتنا للالتفاف حولها
نضال عبدالوهاب
الانقسام الكبير حول حرب الـ ١٥ من أبريل داخل جميع مكونات الشعب السُوداني الإجتماعية والسياسِية بل وحتي الثورية، سواء حول الحرب نفسها ومشروعيتها، أو حول طرفيها مشروعيةً وتأئيداً، وهو الواضح للجميع حتي الآن، هذا الواقع يُفرض علينا توضيح موقفنا منها ومن طرفيها، ورؤيتنا لضرورة وقفها والطريق الذي يأتي بذلك والحلول لذلك والآليات التي علينا إتباعها، ومُستقبل طرفي الحرب وفق رؤيتنا هذه، ولن أكتفي بتوضيح ذلك، بل ندعوا الجميّع والآخرين للإلتفاف حول دعوتنا هذه والعمل والإشتغال عليها.
أولاً موقنا من الحرب:
موقفنا الواضح والمُباشر والمُعلن من الحرب هو رفضها تماماً، ورفض أي مشروعية أو مُبرر لها، وهنا لن ننساق وراء السؤال الذي ظل يُمهّد لإعطاء الشرعية لها وهو ( من بدأ الحرب ؟)، وأن الثابت لدينا والذي أوضحناه كثيراً أن الطرفان هما من أشعل هذه الحرب، وأنها بناءً علي مُقدماتها فإن الطرفان أعدا لها، من حشد وإستعداد وتصريحات و رفض لأي محاولات لنزع فتيل الأزمات بينهما قبل إنطلاق شرارتها الأولي، في سبيل صراعهما معاً علي السُلطة وتنفيذ أجندة خارجية وإرتباط بمصالح محلية و إقليمية ودولية ليست لها علاقة بمصالح السُودان أو شعب السُودان، لذلك فنحن نرفض إعطاء أي مُبررات أو شرعية للحرب نفسها أو إستمرارها، وخاصةً في ظل غياب طرف مُحايد وليس له مصلحة مُرتبطة بطرفيها يعمل علي التحقيق في من هو الذي بدأ الحرب أو المُعتدي الأساسي، وحتي إذا سلمنا جدلاً بأن هنالك طرفاً إعتدي علي الآخر وفي منطقة محدودة، فهذا لم يكُن مُبرراً في توسيع وتمديد دائرة الحرب، وحتي عملية التفاوض لوقفها بينهما كانت قد بدأت باكراً ومنذ أقلّ من شهر لإندلاعها وكان الطرفان وقتها يُصرحان بأنهما ليسا مع الحرب وأنها فُرضت عليهما، بل أسمياها بالعبثية والتي يجب أن تتوقف، وحتي ما توصلا له في جدة في مايو ٢٠٢٣ من إتفاق لوقف الحرب وعدم تمديدها وعدم تعريض المدنيين والأبرياء للأذي لم يلتزمان به، ونفس الأمر لاحقاً بعدها في المنامة في فبراير ٢٠٢٤، وظلت الحرب مُستمرة ولم يكترثا لكل الضحايا والتخريب والتدمير للوطن أو التشريد والإبادة لشعبه، ولم ينصاعا لأي مُناشدات داخلية أو خارجية ظلت تأتي لوقفها، بل وحتي لمُجرد هُدن مؤقتة تسمح لإغاثة الناس أو خروجهم من مناطق العمليات المُنتشرة والعشوائية، كُل الذي حدث يقول وبوضوح وشواهد مُتعددة أن الحرب لم تحدث صُدفة، وأن حيثياتها كانت مُعد لها مُسبقاً وأن محاولات فرض شرعية عليها الغرض منه فرض شرعية لطرف ينتصر فيها أو يُسيطر علي مناطق علي الأرض، وهذا ما ظلّ الطرفان يسعيان له من خلال فرض شرعية لهما في مناطق سيطرتهما، وتشكيل سُلطة أمر واقع، تحكم ولها نفوذ داخلي وخارجي، وتعمل وتمهد لتقسيّم البلاد نفسها، وهذه هي إحدي دوافع الطرفين للحرب وإستمرارها.
لذلك نحن نرفض إعطاء هذه الحرب أي شرعية، وفق كُل ما أوضحناه، ونرفضها تماماً ونرفض إستمرارها ومع وقفها الفوري.
ثانياً موقفنا من طرفي الحرب:
الموقف الثابت من طرفي الحرب هو عدم الإنحياز بأي صورة من الصور لإيٍ منهما، وعدم إعطاء أي مُبررات لهما في الإستمرار في الحرب، وعدم تقديّم أي دعّم لإحدٍ منهما أو كليهما، ونزع أي شرعية لهما، وأن الطرفان بما فعلاه خلال هذا الحرب قد أجرما في حق البلاد وشعبها، وأن من بينهم من يستحق التقديم للمُحاكمة مُستقبلاً جراء إدخال البلاد في هذه الحرب، وفي كُل الجرائم التي أُرتكبت خلالها وعمليات الإبادة والتطهيّر العِرقي والقتل خارج القانون وعلي الهوية والإخفاء والتعذيب والإعتقال والإغتصاب والعنف الجسدي والنفسي، وإحتلال البيوت ونهب المُمتلكات، والتهجيّر القِسري وغيرها من جرائم وإنتهاكات ظلت مُستمرة طوال الحرب ولاتزال، وإن موقفنا من طرفيها هذا يمتد ليشمل كُل من يدّعم جرائمهم دعم بيّن ومُعلن، أو يُحاول إعطاؤهم أي شرعية لإستمرار الحرب وإنتهاكاتها وجرائمها أو يدّعمها سواء أفراد أو مجموعات سياسية أو قوي حزبية داخلية أو خارجية.
كيفية نزع الشرعية من طرفي الحرب وآلية ذلك:
إيماننا ودعوتنا لنزع الشرعية من طرفي الحرب ودعوتنا لذلك هي بلا شك قضية ومعركة مدنية أساسية تتطلب إقتناع وعمل دؤوب لأجلها وليس فقط القول بها، ونعني بذلك أساساً مُحاربة ومُجابهة أي محاولات لإعطاء أي مُسوق أو إعتراف سياسِي بطرفي الحرب يمكنهما من أن يكونا أي جزء من سُلطة أو نفوذ أو تمكين سياسِي وإقتصادي في بلادنا، أو يجعلهما مُتحدثان بإسم الشعب السُوداني أو مكوناته الإجتماعية، أو تحويلهم لمنظومة ذات فعل سياسِي أو سلوك سُلطوي مُعترف به، وهو ما يُعرف بنزع الشرعية، أي عدم الإعتراف السياسِي المُرتبط بالسُلطة أو أي دور حكومي، وهو المتعلق أيضاً بنفي أي دور دستوري أو قانوني لهما له علاقة بالسُلطة أو الحُكم أو التمثيل لجموع الشعب السُوداني داخلياً وخارجياً والطعن في كُل طريق يحاول الطرفان خلق شرعية لهما ومقاومته ورفضه، والآلية هنا تتمثل في بُعدين:
١/داخلياً
ويتمثل في الرفض من كُل السُودانيّن لشرعية طرفي الحرب أو تمثيلهم للشعب، أو إعطاؤهم أي حق سياسِي أو سُلطوي أو حكومي أو أدوار مُستقبلية في هذا، ويكون هذا الرفض بشكل فردي وجماعي، بمعني تبنيه من الأشخاص أو الأفراد، وكذلك من كُل المجموعات والقوي السياسِية والثورية والرافضة للحرب، ويتم مناهضة ذلك دعائياً وإعلامياً وجماهيرياً وبشكل مُستمر، مع التوضيح الكامل لكل الأسباب التي تدعو لنزع الشرعية منهما، من خلال ما يقومان به من جرائم وإنتهاكات، وإبراز كل ذلك ونشره وفضحه وتعميمه.
٢/خارجياً:
وذلك بمطالبة كُل المؤسسات الدولية ومنظماتها والدول في عدم التعامل الرسمي مع طرفي الحرب كممثلين للشعب السُوداني، أو حاكمين له، والضغط الجماهيري والدبلوماسي والقانوني في توضيح وإبراز جرائمهم، خاصة من قبل تنظيمات حقوق الإنسان والقوي السياسِية والثورية والفاعلين السياسِيّن.
نزع الشرعية من طرفي الحرب هام لوقف الحرب نفسها، وإبعادها من أي تمثيل للسُودانيّن أو محاولات لجر الشعب السُوداني لحرب ممتدة علي أساس العرق والإثنية والهوية والقبيلة كما ظل الطرفان يعملان ويسعيان لذلك طوال الوقت، وإعطاء أنفسهم تلك الشرعية بناءً علي أساس إثني أو قبلي من بين كُل السُودانيّن، وعلينا جميعاً مُجابهة ذلك وفضحه والعمل القوي ضده وبإستمرار، من خلال توحيد الخطاب ضد الحرب وضد مشروعيتها ونزع الشرعية من طرفيها، بل والمطالبة بمحاكمة مُجرميها في الطرفين.
وقف الحرب ضرورية وأولوية لحاضر ومستقبل السُودان:
في رؤيتنا هذه التي ندعوا للإلتفاف عليها تُمثل وقف الحرب وفوراً أهميّة قصوي لحاضر ومُستقبل السُودان ووحدته و إستقراره و تقدمه، ولذلك نحن نؤمن تماماً بوقفها ونعمل لذلك ونطالب لأجله ونللتف.
حلولنا وآليتنا:
١/دعوة الجميّع لضرورة وقف الحرب وخطورة إستمرارها علي البلاد وشعبها حاضراً ومُستقبلاً وعلي وجودها ووحدتها وبقاء شعبها
٢/توحيد الخطاب السياسِي ضد الحرب وضد مشروعيتها
٣/نزع أي شرعية سياسِية لطرفيها، و عدم دعمهما في الحرب
٤/العمل المدني الجماعي للوصول لحالة من التوحد ضد الحرب ينتهي بإنشاء جسم مدني حتي لو بشكل تنسيقي يضم و يُمثل كُل السُودانيين الرافضين للحرب ويعطيهم شرعية تمثيله وفقاً لإرتباطه فقط بمصالح السُودانيّن وأهداف ثورته وإنتقاله للديمُقراطية ولتأسيس جديد للدولة
٥/التعاون التام مع المجتمع الدولي والإقليمي لوقف الحرب وتقديم العون والإغاثة للمُتضررين والنواحي الإنسانية، مع عدم فرض أي قرارات تتعلق بمستقبل السُودان السياسِي أوفرض لطرفي الحرب أو التدخل المباشر في الشئيون الداخلية والسيادية لبلادنا وترك أمر ذلك للسُودانيّن في تصميم أي عملية سياسِية أو حوار سُوداني سُوداني مستقبلي لنقل السُلطة أو تحديد نظام الحُكم وكيفيته.
الآلية المباشرة لوقف الحرب:
١/العمل الجاد لقبول وعودة الطرفين للتفاوض علي وقف الحرب وإطلاق النار وفق آليات مراقبة داخلية وخارجية، وخروج القوات والعساكر من بيوت المواطنين ومن القري والمُدن، والفصل بين القوات، وفتح جميع ممرات الإغاثة والتمهيد لعودة جميع النازحين والمُهجرين.
٢/دعم أي جهود للوساطة داخلية وخارجية لوقف الحرب دون ربطها بأي محاولات لفرض عملية سياسية أو شروط تعيد طرفي الحرب للحكم أو المشاركة فيه أو إفلات من أجرم من العقاب والمحاكمة مستقبلاً.
٣/العمل علي الأولويات من الجميّع ولكل الرافضين للحرب وتقديم مصالح السودانيّن في وقف الحرب ووقف إطلاق النار وإغاثة السودانيين والمتضررين منهم، وعودة وإستقرار كل النازحين والمهجرّين وتأمينهم.
أهمّ ملامح العملية السياسِية مابعد توقف الحرب وحسب رؤيتنا:
١/أطرافها تتمثل في كُل السُودانيّن الرافضين للحرب وإنتهاج العنف للوصول للسُلطة أو الحكم أو السيطرة علي البلاد، وكل المؤمنين بالإنتقال السلمي الديمُقراطي للسُلطة
٢/الحوار السُوداني السُوداني داخلياً لمناقشة كُل قضايا التأسيس ومُعالجة جذور المُشكلات لضمان التوقف التام للحروب وإنهائها وعمليات السلام الشامل العادل المؤدي لوحدة البلاد وإستقرارها وتقدمها
٣/الحكم الإنتقالي المدني الكامل وخروج العسكريين من السياسة والسُلطة
٤/الجيش المهني الموحد وحل جميع المليشيات وعلي رأسها مليشيا الدعم السريع ومليشيات الإسلاميين وإعادة تنظيم وضم الحركات المختلفة داخل الجيش وفق العمليات الفنية المتبعة والتسريح وإعادة الدمج وأن تحتكر الدولة الموحدة أدوات العنف وفق القانون والدستور المدني الديمُقراطي والإتفاق حول كُل هذا وفق جداول زمنية وآليات مراقبة وضمانات بعدم خرقها مُجدداً.
٥/العمل علي التوصل والتمهيّد لدستور ديمُقراطي مُوحِد ومُوحد للبلاد لايُكرس لدولة دينية أو ديكتاتورية ويكون علي مسافة واحدة من جميّع الأديان والمُعتقدات واللغات والإثنيات والقوميات والقبائل المختلفة، وفق هوية مُتعددة تعترف بالجميع ونظام حكم فدرالي يتفق عليه الجميّع ومساواة في الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون و به كافة حقوق المواطنة وإحترام حقوق الإنسان.
هذه هي رؤيتنا وموقفنا من الحرب وطرفيها، وطريقنا للحلول وآليتنا لذلك، والتي ندعو للإلتفاف حولها والعمل لأجل تحقيقها من الجميّع وكل المؤمنين بوقف الحرب وضروريته لحاضر بلادنا ومُستقبلها.
أحدث التعليقات