جُبراكة نيوز: مآب الميرغني
إنها الحرب لا تستثني أحدًا، ولكن يبدو أن النساء والفتيات السودانيات يتجرعن نصيبًا أكبرا من مُرها. حرب السودان حرب على نسائها أيضًا فهن لا يمتن جراء القصف والعنف والأسر فحسب، فبعضهن يقتلهن الجوع في سبيل إطعام أبنائهن وأخريات “حوامل” فقدن الحياة بسبب ألم الولادة في غياب أدنى الشروط الطبية.
صعوبات وتحديات ترتفع مع إمتداد وإتساع رقعة الحرب بجانب حدة نقص الغذاء وإنقطاع الدخل والعمل، لا سيما بالنسبة للنساء والفتيات اللاتي يقبعن في دور الإيواء، فهناك خصوصية غائبة ومعاناة مضاعفة.
قالت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية، ليلى بكر إن الوضع في السودان هو من أبشع الأوضاع التي شهدَتها خلال مسيرتها المهنية في الأمم المتحدة الممتدة على مدار 30 عامًا.
وأضافت في تقرير الأسبوع الماضي: “تخيلوا الآلاف من النساء مكتظات في ملجأ حيث ليس لديهن مياه نظيفة، ولا نظافة، ولا طعام كافٍ لوجبتهن التالية، ولا رعاية طبية لهؤلاء النساء النازحات”.
وأفادت المسؤولة الأممية في تقريرها، بأنها زارت أحد ملاجئ النساء في منطقة ديم عرب في مدينة بورتسودان الذي كان من المفترض أن يستوعب بضع مئات من الأشخاص، لكنه يؤوي الآن أكثر من 2000 نازحة، مضيفة أن “هذه بيئة مزدحمة للغاية”.
نساء ضد الحرب
بشأن معاناة النساء من إستمرار الحرب، تقول المحامية وعضو مجموعة نساء ضد الحرب والمهتمة بقضايا النساء وحقوق الإنسان د. إشراقة مصطفى، “مما لا شك فيه أنه لا يوجد وجه حسن للحرب وفي الغالب النساء هن أكثر المتضررات”.
ومضت إشراقة في حديثها لـ”جُبراكة نيوز” بالقول: عانت النساء في مناطق النزاع ضغوط أمنية واقتصادية وإجتماعية مما إضطرهن للنزوح بحثًا عن الأمان بعد أن تعرضت مجموعات كبيرة منهن للعنف الجنسي حيث يستخدم المتحاربون الاغتصاب كوسيلة للضغط أو الترهيب أو الاذلال.
وأضافت، من ناحية أخرى نجد بعض النساء يخضعن لرغبات الطرف المسيطر من أجل الحصول على الحماية أو الطعام، كل هذه الاسباب أدت إلي نزوح مجموعات كبيرة من الفتيات والنساء بحثًا عن الأمن والاستقرار.
وإسترسلت قائلة: عواقب الحروب وخيمة سواء أثناء الحرب أو بعد إنتهائها حيث ينتشر العنف نتيجة الضغوط والخوف وعدم الاحساس بالأمان، لا سيما توقفت الدراسة في أغلب الجامعات إن لم تكن جميعها حتى المؤسسات التعليمية التي إستأنفت الدراسة تمت في ظروف لا تلائم كل الملتحقين بها كما فقدت الكثيرات وظائفهن.
وأردفت إشراقة: لقد تركت الحرب الدائرة على مدى سبعة عشر شهرًا آثارًا نفسية وجسدية على كل إمرأة سودانية عاصرت الصراع وستظهر آثارها في المستقبل القريب إن لم ينهض العالم ليتدارك تلك الآثار.
وزادت: للاسف حتى الثقافة ستتحول تدريجيًا لتلائم الجيل الذي عاصر الصراع التي بدت ظاهرة من بعض المفردات التي إبتدعها حصرياً شعبنا المغلوب على أمره.
خطر المجاعة
أشارت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة ليلي بكر، إلى خطر المجاعة الذي يهدد أكثر من 26 مليون شخص في السودان، “وهو ما يعادل تقريبًا عدد سكان أستراليا”.
وقالت بكر: “بالنسبة لستمائة ألف إمرأة حامل، من المرجح أن تموت 18 ألفا نتيجة لهذه المجاعة. وهن لا يعرفن من أين ستأتي وجبتهن التالية”.
وأوضحت أنه بالنظر إلى تعقيدات الصراع والخسارة المادية والبشرية والدمار الناجم عن النزوح وفقدان الأحباء، فضلا عن إنتشار العنف الجنسي على نطاق واسع، “يمكنك أن تفهم أننا نشعر بقلق بالغ، كصندوق الأمم المتحدة للسكان، بشأن العواقب، سواء الفورية أو طويلة الأجل، بالنسبة للنساء والفتيات في السودان.
بدائل
تقول المواطنة رشا حسن، من مدينة القطينة في ولاية النيل الأبيض، إن النساء والفتيات يعانين بشدة من نقص المواد الغذائية وندرة بعض الأدوية في القطينة، إلى جانب إنعدام وسائل النقل مثل السيارات والركشات، حيث أصبحت “الكارو” الوسيلة الوحيدة لإسعاف المرضى، مما يزيد من المعاناة، خاصة للحوامل. وبدأت هذه الأزمة منذ دخول قوات الدعم السريع إلى المحلية بعد إنسحاب الجيش السوداني منها.
وأشارت رشا في حديثها لـ”جُبراكة نيوز” إلى أن هناك تحديات تواجه النساء والفتيات عند مغادرتهن المدينة، حيث يتعرضن للتفتيش من قبل قوات الدعم السريع على الطريق، وعند وصولهن نقاط تفتيش الجيش يتعرضن للتفتيش مجددًا، لمجرد معرفتهم أنهن قادمات من القطينة.
وغالبًا ما يقفن لساعات طويلة في الشمس الحارقة، وعند وصولهن إلى وجهتهن يُمنعن من الدخول بسبب حظر التجوال وتحديد أوقات دخول المواطنين إلى مدن ولاية النيل الأبيض، رغم أنهن يكنَّ على الطريق منذ الساعات الأولى من صباح يوم سفرهن. كما أن كثرة نقاط التفتيش من كلا الطرفين تجعل الرحلة تستغرق وقتًا أطول في التفتيش.
وأوضحت أن طريق القطينة – الدويم كان يستغرق 3 ساعات في الظروف العادية، أما بعد دخول الدعم السريع إلى القطينة، فقد أصبح الطريق يستغرق أكثر من 6 ساعات، مما يضطر بعض النساء إلى المبيت على الطريق والدخول إلى المدينة في اليوم التالي. وهذا دفع بعضهن إلى تفضيل البقاء في منطقة الصراع نظرًا لعدم توفر مأوى في المدن التي تقع تحت سيطرة الجيش وارتفاع أسعار الإيجارات.
وأضافت أن النساء بدأن في إستخدام الفحم والحطب لتحضير الطعام بسبب إنعدام غاز الطهي في القطينة، كما لجأن إلى العلاج البلدي لبعض الأمراض نظرًا لندرة الأدوية وارتفاع أسعار بعضها.
حياة بدائية
من جهتها، قالت المواطنة المقيمة في مدينة سنار، الهام أحمد، تفاقمت صعوبة حياة الحرب لدى النساء والفتيات في ظل نقص أبسط المقومات الحياة بعد إندلاع الحرب وإستمرارها اللاتي ما زلن يقبعن في منازلهن تحت أصوات المدافع.
وتابعت في حديثها لـ”جُبراكة نيوز” تعرضت نساء بلادي لكثير من الكوارث أثناء الحرب من ظلم وتحرش وعنف وإغتصاب وتشتتها على أرصفة الشوارع والأزقة. لا سيما النساء النازحات في مراكز الإيواء ومعسكرات اللاجئين حيث تتعرض النساء الحوامل إلى مخاطر صحية وسوء التغذية فضلًا عن النساء كبيرات السن فأوضاعهم مضاعفة والبعض منهن لا يوجد من يعولها بشكل مستمر مما يصعب عملية البحث عن غذاء بشكل دوري.
حماية فورية
أكدت المسؤولة الأممية أنه من خلال لقاءاتها مع النساء في السودان وما إستمعت إليه منهن مباشرة، “فإن ما يرغبن فيه أكثر من أي شيء آخر – أكثر من الماء، وأكثر من الطعام – هو الحماية الفورية من الحرب المستعرة”.
وأضافت: “إنهن يردن السلام والاستقرار. إنهن يردن ألا يعشن هذه التجربة مرارا وتكرارا”.
وأعربت ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع المأساوية التي تواجه النساء والفتيات السودانيات، في خضم الصراع المستمر وتداعياته الإنسانية الكارثية.
وعلى الرغم من المأساة والمعاناة التي يمررن بها ما زالت المرأة السودانية تقف شامخة أمام الخطر ومواجهة التحديات والعراقيل سواء أكانت هذه المرأة ربة منزل أو عاملة أو صحفية أو نازحة أو لاجئة.
أحدث التعليقات