الأربعاء, مارس 12, 2025
الرئيسيةتقاريرتقرير: حصار وقتل ونهب.. حصاد الهلالية من حملات الدعم السريع الانتقامية

تقرير: حصار وقتل ونهب.. حصاد الهلالية من حملات الدعم السريع الانتقامية

جبراكة نيوز: تقرير- الهلالية

لم تمضِ أيام على إعلان القائد السابق لقوات الدعم السريع بولاية الجزيرة، أبوعاقلة كيكل، انسحابه من صفوف قوات الدعم وانضمامه إلى القوات المسلحة السودانية، حتى بدأت الدعم السريع حملات انتقامية طالت معظم المدن والقرى في منطقة شرق الجزيرة، التي عدتها تلك القوات حاضنة اجتماعية لكيكل.

مدينة الهلالية، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات غرب مدينة تمبول، كانت ملاذاً آمناً لعدد من القرى والمدن المجاورة، كقرى ود الفضل والديم وبرانكو وقرى مصنع سكر الجنيد، ومدينتي رفاعة وتمبول.

إلا أن الأحداث تسارعت في المدينة منذ أكثر من اسبوعين، لتطالها هي الأخرى هجمات نفذها منسوبو الدعم السريع، مما خلف أكثر من عشرة قتلى والعديد من الجرحى، مع نهب معظم السيارات وأجهزة “ستارلينك” بما في ذلك المقتنيات المنزلية، وفقاً لمصادر محلية متطابقة تحدثت لـ”جُبراكة نيوز”.

حصار محكم ولا ملاذ 

تقع مدينة الهلالية على الضفة الشرقية للنيل الأزرق، على بعد نحو 130 كيلومتراً جنوب الخرطوم، ونحو مئة كيلومتر شمال عاصمة ولاية الجزيرة ودمدني، ويفصلها عن طريق الخرطوم-مدني الغربي النيل الأزرق.

ومن الجهة الشرقية، تواجه المدينة مدينة تمبول وعدداً من القرى التي يوجد فيها مقاتلو الدعم السريع، ومن الجهة الجنوبية الشرقية على بعد عشرات الكيلومترات تقع مدينة رفاعة التي تعاني أيضاً من قوات الدعم السريع.

أما من الجهة الشمالية الشرقية، وعلى امتداد الطريق الشرقي الرابط بين ولايتي الجزيرة والخرطوم، تقع مدن ود راوة وأم ضوبان وصولاً إلى مدينة سوبا على حدود ولاية الخرطوم، التي تعاني جميعها من انتشار قوات الدعم السريع، التي تُنسب إليها العديد من الانتهاكات المروعة.

وعلى الضفة الغربية من النيل الأزرق، تعيش أيضاً عدد من القرى والمدن كالحصاحيصا والكاملين أوضاعاً ليست أفضل حالاً، مما جعل خيار النزوح إليها خياراً غير مقبول للكثير من السكان وفق إفاداتهم.

مع تصاعد الحملات الانتقامية، اتجه عدد من سكان شرق الجزيرة في رحلة نزوح طويلة إلى مدينة حلفا الجديدة بولاية كسلا في شرق السودان، وهي رحلة تتطلب قطع مئات الكيلومترات عبر طرق وعرة غير معبدة من خلال سهول البطانة، ما أدى إلى اختفاء وفقدان عدد من الأسر، وفق توثيقات عديدة لمرتادي وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلال الأيام الماضية، نزح عدد من مواطني شرق الجزيرة، بما فيهم مواطنون من مدينة الهلالية، إلى منطقة أم ضواً بان بالقرب من الخرطوم.

وقال إبراهيم أحمد (اسم مستعار) لـ “جُبراكة نيوز” إن النزوح إلى أم ضواً كأنه رحلة نحو المجهول، لأن من يود الخروج لا يعلم ما ينتظره ولا يدري كيف هي الأوضاع، فقط يتوكل على الله ويهرب.

ووفق إبراهيم فإن تكاليف الرحلة تبلغ مئة ألف جنيه سوداني للفرد، لقاء السفر عبر شاحنة “دفار” مزدحمة، تضم رجالا ونساء وأطفالاً وكبار سن.

وأوضح أنه بعد أن وصل إلى منطقة أم ضواً بان تفاجأ بأوضاع ليست أفضل كثيرا من الأوضاع في الهلالية، فكل النازحين يتجعون في “مسيد” لكن مع عدم وجود جهات تقدم مساعدات كافية.

وأوضح أن الذين لا يملكون المال فإنهم يعانون من ذات المخاطر التي هربوا منها، لافتا إلى أن المنطقة نفسها تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

غياب الاتصالات 

كحال العديد من المدن والقرى السودانية، تعاني مناطق شرق الجزيرة منذ نحو عام من انقطاع كامل في تغطية شبكات الاتصال، مما تسبب في نقص المعلومات وصعوبة التواصل.

واعتمد قاطنو تلك المناطق على خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك”، إلا أن الحملة الانتقامية التي نفذتها قوات الدعم السريع في غضبتها على القائد كيكل، أدت إلى نهب جميع أجهزة الإنترنت الفضائي في المدينة.

ووفقاً لشهود فضلوا حجب أسمائهم، ففي الجمعة قبل الماضية، حضرت قوة من الدعم السريع إلى أحد المراكز في سوق المدينة، ونهبت جهاز الـ”ستارلينك”، مع اعتداء على مرتادي المحل بنهب جميع هواتفهم الجوالة، كما شمل النهب جميع أجهزة الإنترنت الفضائي حتى تلك الموجودة في المنازل للاستخدام الشخصي.

هذا التعتيم الإعلامي أحدث حالة من القلق لدى أبناء المنطقة الموجودين خارج السودان، مما دفعهم لتكوين مجموعات افتراضية لتبادل المعلومات والأخبار، علّها تحمل لهم بعض الطمأنينة عن أسرهم.

ووفق متابعات محرر “جُبراكة نيوز”، وبسبب التعتيم الإعلامي وغياب الشبكات، لم يتمكن الكثير من أبناء الأسر من الاطمئنان على ذويهم، وظلت أخبار الموت والإصابات وسط المواطنين تصلهم أحياناً بعد مرور أيام على وقوع الحوادث.

وأكدت مصادر محلية مقتل ما لا يقل عن 10 أفراد من مواطني المدينة، آخرهم مواطن قُتل بطلق مباشر داخل منزله الجمعة قبل الماضية، وآخرون قُتلوا أثناء احتكاكات مع القوات الموجودة في المدينة.

الموت يفتك بالمواطنين

وفق متابعات محرر “جُبراكة نيوز”، فقد توفي ما يزيد عن 60 شخصاً من القاطنين بالهلالية خلال الأسبوعيين الماضيين، معظمهم توفوا نتيجة لحالات درج المواطنون هناك على وصفها بـ “حالات تسمم”، لكن رجّح بعض أبناء المنطقة الذين تحدثوا لـ “جُبراكة نيوز” أنها قد تكون مرض الكوليرا.

استند مرجحو الافتراض أعلاه إلى أن الأعراض المصاحبة للحالة التي وصفوها بالتسمم تأتي في الغالب في شكل إسهالات مائية، بينما نفى البعض ذلك، نتيجة لأن معظم الوفيات تركزت في منطقة واحدة من ثلاث مناطق يتجمع فيها الأهالي أثناء ما يتلقون الوجبات الجماعية التي يوفروها متطوعون، ناسبين حالة التسمم تلك إلى وجبة تلوثت بمبيد حشري زراعي، تناولها المواطنون في تلك المنطقة.

ونشطت صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي في نعي مواطنين في مدينة الهلالية، إذ رصد محرر “جبراكة نيوز” أكثر من 7 حالات تم إعلان وفاتها نتيجة للتسمم ومضاعفات مرضية خلال يوم الأربعاء الخامس من نوفمبر.

ونظم عدد من الكوادر الطبية حملات متنقلة لتقديم الدعم الصحي وتوفير الدواء للمرضى وكبار السن، بالإضافة للمصابين في الأحداث الأخيرة، إلا أن مصادر عديدة أكدت وجود فجوة كبيرة في المستلزمات الطبية، بعد توقف المستشفى والوحيد في المدينة ونهب الصيدليات والمراكز الطبية الخاصة.

شيوخ الصوفية

في ظل صعوبة التواصل بين سكان المدينة، الذين يزيد عددهم عن 80 ألف نسمة، اتجهت معظم الأسر إلى مسيد الشيخ الطيب علي المرين، أحد أكبر الخلوات في المدينة والمنطقة، حيث ظل المسيد لعقود يقدم الطعام لطلاب القرآن الوافدين من مختلف مناطق السودان.

 كما لجأت بعض الأسر إلى مسيد الشيخ أبوسقرة، أحد الرموز الصوفية في المنطقة، ومثّل التجمع الثالث للمواطنين في خلوة الفكي أبوصباح.

لجأ المواطنون إلى هذه المناطق مع انعدام الأمن في المنازل، وأيضاً لأنها طريقة تلقائية للتواصل والالتقاء في ظل انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت.

ورغم هذه الجهود الأهلية، أفادت مصادر لـ”جُبراكة نيوز” أن الأوضاع الصحية والغذائية ليست بأفضل حال، فمع توقف مركز غسيل الكلى ومستشفى المدينة، ونهب معظم المحال التجارية والمؤن الغذائية، يواجه السكان خطر الجوع والمرض، مع صعوبات تتعلق بضيق بعض الأمكنة التي آوت الناس، مع ندرة وقلة لدورات المياه.

ونتيجة لهذه الأوضاع، نشطت مطالبات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو منظمتي الهلال الأحمر السوداني والصليب الأحمر الدولي للدخول إلى مدينة الهلالية، مع مطالبات أخرى بفتح وتأمين ممر آمن لمواطني الهلالية للنزوح إلى مناطق أكثر أماناً.

 

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات