الأربعاء, مارس 12, 2025
الرئيسيةتقاريرتقرير: فاطمة.. صحفية سودانية لاجئة في تشاد تكافح بتكسير الحجارة

تقرير: فاطمة.. صحفية سودانية لاجئة في تشاد تكافح بتكسير الحجارة

 

“الحرب أجبرتني على ترك مهنة الصحافة التي أحبها، وتحولت إلى تكسير الحجارة، عمل شاق لا أختاره ولا أتمناه، ولكنه الواقع المرير الذي فرضته علي الظروف”.

هكذا تحكي فاطمة جاسر، وهي صحفية سودانية من غرب السودان، عندما اشتدت الحرب في ولاية  شمال دارفور نزحت غربًا إلى منطقة أدري التشادية مع الحدود الغربية  للسودان”.

جبراكة نيوز: تقرير – مآب الميرغني

في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها في معسكر تولوم بإقليم وادي فيرا شرق تشاد، أجابت فاطمة فضل جاسر على سؤال “جبراكة نيوز” عن أوضاعها داخل المخيم وكيف غيرت الحرب حياتها؟ قائلة: “الحياة في المخيم أجبرتني على ترك مهنتي كصحفية والعمل في تكسير الحجارة. فقدان وظيفتي وغياب أبسط الخدمات مثل الكهرباء والإنترنت جعلني أبحث عن أي عمل يمكن أن يسهم في تأمين لقمة العيش.”

رأت جاسر، أن عملها الحالي في تكسير الحجارة هو حل مؤقت فرضته الظروف القاسية، ودعت المنظمات المعنية إلى تقديم برامج تمكين للنساء اللاجئات، تساعدهن على اكتساب مهارات جديدة تمكنهن من تحقيق الاستقلال المالي.

تروي فاطمة أنها كانت شاهدة عيان على بداية الحرب. في ذلك اليوم المشؤوم، كانت توجد في قلب الأحداث، داخل مقر القيادة العامة بالفاشر، حيث اندلعت الاشتباكات فجأة. كانت الرصاصات والقذائف تحلق حولها، والخوف يملأ قلبها.

لأول مرة

حسب فاطمة إنها المرة الأولى التي تشهد فيها عنفًا كهذا، فكانت صدمتها بالغة. تسرب الهلع إلى قلبها وهي تحاول جاهدة الحفاظ على هدوئها والبحث عن مكان آمن. وعندما هدأت الاشتباكات، خرجت من المكان وهي ترتجف، لكنها قررت العودة إلى منزلها رغم كل ما شهدته.

بعد توثيقها للانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، أدركت فاطمة أن البقاء في السودان أصبح مستحيلًا. فقد تعرضت هي وأسرتها للتهديد بعد مقتل ابن خالتها وأيضًا مقتل شقيقها بالفاشر، مما أجبرها على النزوح عدة مرات. ومع استمرار الأوضاع الأمنية في التدهور، قررت الهجرة إلى دولة تشاد.

إفراج مشروط

فاطمة، التي فرت من ويلات الحرب، وجدت نفسها تواجه مصاعب جديدة في المخيم. قالت: “هربنا من الموت بالرصاص لنواجه موتًا بطيئًا بسبب الجوع والعطش والأمراض. الحياة في المخيم لا تختلف كثيرًا عن الحياة التي هربنا منها”.

وشكت جاسر من تكميم الأفواه والعنف الذي يتعرض له اللاجئون. قالت: “نحن ممنوعون من التعبير عن أنفسنا بحرية، ونعيش في خوف مستمر من التهديدات والاعتداءات. فبالإضافة إلى التهديدات بالسلاح الأبيض والناري، يتم قمع أي صوت معارض ويُعتقل الناشطون”.

دفعهم هذا الوضع المزري إلى الإعلان عن إضراب عام وتنظيم احتجاجات سلمية للمطالبة بحقوقهم كلاجئين. إلا أن السلطات التشادية قمعت هذه الاحتجاجات بعنف، حيث تعرض المتظاهرون للضرب والاعتقال، وتم إطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة بشروط قاسية.

تهديدات مستمرة

تقول: “أعيش في خوف مستمر على حياتي داخل المعسكر. الوضع الأمني متدهور للغاية، مما أجبرني على النوم خارج الخيمة خوفًا من الاعتداء. أضطر أحيانًا إلى ترك المخيم واللجوء إلى منازل الجيران بحثًا عن الأمان. هذا الوضع المأساوي يؤثر بشكل كبير على صحتي النفسية والجسدية.

وتابعت: “أتحمل عبء إعالة أسرتي بأكملها داخل هذا المعسكر، مما يزيد من قلق أمي الذي لا يهدأ. تخشي علي من التعرض للأذى أو الموت في أي لحظة، وتدعو الله لي بالسلامة”.

لم تستسلم فاطمة لظروف المعسكر القاسية، بل تحولت من ضحية إلى قائدة. فبدلاً من الاكتفاء بالشكوى، تولت منصب الناطقة الرسمية للاجئين وأطلقت مبادرة “جندريات نسوية” التي ألهمت الكثير من النساء.

وبصفتها صحفية، فقد قامت بتغطية الأوضاع الإنسانية داخل المعسكر، ووثقت معاناة اللاجئين، خاصة فيما يتعلق بنقص المياه وتأخر المساعدات الغذائية، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وانتهاكات حقوق المرأة.

رغم الظروف الصعبة، تصر فاطمة على مواصلة نضالها من أجل حقوق النساء واللاجئين، مع العمل في الوقت نفسه على توفير لقمة العيش لعائلتها.”

ترى فاطمة من أجل إيقاف الصراع الدائر في السودان، وتخفيف المعاناة لابد من وجود تنازلات من طرفي الصراع وأن الحرب اثقلت كاهل السودانيين والسودانيات وعلى النازحين ان يعودوا إلى منازلهم، وأن يبدأوا في رحلة التعافي الجسدية والنفسية.

وأردفت: “استمرار الصراع يؤثر حتى في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والزوجية والصحية، وبعد أن أستقر ماديًا وجغرافيًا أول ما سأقوم به البحث عن علاج نفسي”.

موت لاجئة

وحول أوضاع النساء والفتيات داخل المعسكر، كشفت الناطقة الرسمية باسم اللاجئين، عن موت لاجئة سودانية داخل المعسكر بسبب الجوع تاركة خلفها 4 أطفال، في أغسطس المنصرم،  وأن المعسكر يعاني من أزمة غذاء حادة ومياه، ونقص في الأدوية المنقذة للحياة.

ووصفت الوضع داخل المعسكر “بالسيء جدًا”، معاناة قاسية في توفير الأوضاع المعيشية وسوء الأوضاع الصحية والأمنية، النساء والفتيات يعانين من الخصوصية الغائبة والحياة غير الآدمية، فضلًا عن فشل إدارة المسؤولين.

وقالت إن معسكر تولوم مثال للعطش والجوع والقهر، وأن الأسر الموجودة فيها تعتمد على نفسها في كل شيء، والوضع المعيشي متردِ.

معاناة الصحفيين

وفي غضون ذلك، قالت نقابة الصحفيين السودانيين إن نحو (80%) من الصحفيات في السودان فقدن وظائفهن جراء الحرب، فيما خسر المئات ممتلكاتهن، إلى جانب “انتهاك الحقوق الأساسية المضمنة في المواثيق الدولية من الحق في السكن والعمل والحياة الكريمة”، بالإضافة إلى فقدان أقرباء من الدرجة الأولى.

قصة فاطمة ليست فريدة، بل هي جزء من قصة أكبر تعكس معاناة الصحفيين السودانيين منذ اندلاع الحرب. فمع توقف معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وجد الصحفيون أنفسهم في مواجهة تحديات هائلة، بدءًا من توقف عملهم ووصولاً إلى التعرض لانتهاكات جسيمة من قبل أطراف النزاع.

وحسب نقابة الصحفيين السودانيين فإن الصحفيات يواجهن ظروفًا إنسانية كارثية،  إذ فقدت نحو 80% منهن وظائفهن بسبب الحرب، كما تعرضن لخسائر مادية فادحة بفقدان ممتلكاتهن.

هذا بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوقهن الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والكرامة، وفقدان العديد منهن لأعزاءهن.

كشفت سكرتارية النوع الاجتماعي في نقابة الصحفيين السودانيين، بمناسبة حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، عن معاناة الصحفيات اللواتي هُجّرن من منازلهن بسبب الحرب.

وأوضحت أن نحو 130 صحفية نزحت داخليًا، بينما اضطر العشرات للجوء إلى دول مجاورة مثل تشاد، حيث واجهن ظروفًا قاسية، بما في ذلك ولادة إحدى الصحفيات أثناء هروبها من الجنينة دون تلقي أي مساعدة.

أكدت نقابة الصحفيين أن عشرين صحفية يتعرضن لتحديات كبيرة في مناطق النزاع، حيث يواجهن صعوبات في توفير الاحتياجات الأساسية والحماية اللازمة.”

في حين تمكن بعض الصحفيين من الفرار إلى خارج البلاد، يعاني زملاؤهم داخل السودان من تحديات كبيرة في أداء عملهم بسبب انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت وتعرضها للحجب المتكرر في مناطق النزاع. هذه الظروف الصعبة تعيق قدرتهم على الحصول على المعلومات ونقلها للمواطنين، مما يسهم في انتشار الشائعات والأخبار الزائفة.

شهدت الحرب في السودان هجوماً شرساً على حرية الصحافة، حيث تم إغلاق عشرات الوسائل الإعلامية، بما في ذلك 25 صحيفة ورقية وعدة قنوات تلفزيونية وإذاعية، مما يمثل انتهاكاً صارخاً لحق الشعب في الحصول على المعلومات.

وأصبحت حياة الصحفيين والصحفيات في خطر دائم بسبب استمرار الحرب، منذ 15 أبريل 2023 حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة من قبل كلا طرفي النزاع، مما يجعل من الصعب عليهم أداء مهامهم.

 

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات