جبراكة نيوز: مآب الميرغني
بوتيرة متسارعة.. وفي رحلة عكسية خلال الأسابيع الماضية، غادرت عشرات المركبات التي تحمل النازحين في شرق وشمال السودان إلى ولاية سنار.
بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجه النازحين داخليًا، بعد فرارهم قسرًا من منازلهم بسبب امتداد الصراع، إلا أن قرار العودة أصبح هو الخيار الأول والأخير وربما الأفضل لهم.
وفضل الكثيرون العيش وسط المعارك ومواجهة خطر الموت على أوضاع النزوح التي عانوها. لكن ما هي الأسباب الحقيقية التي قادتهم إلى الهجرة العكسية؟ وكيف عاشوا أيام النزوح، وكيف يرون واقع وحال ولاية سنار اليوم؟. “جبراكة نيوز” استنطقت عددا من نازحي سنار وخرجت بالحصيلة التالية:
العودة إلى سنار
بعد سقوط سنجة عاصمة ولاية سنار، كان قرار النزوح لم يكن سهلًا بالنسبة لولاء هاشم. حيث نزحت مع أسرتها الممتدة إلى ولاية القضارف لتستقر فيها حوالي 4 أشهر، هذا ما قالته ولاء لـ”جبراكة نيوز”.
ومضت بالقول: ” بعد أن أصيب جميع أسرتي بوباء الكوليرا وحمى الضنك بشكل متكرر… مع محدودية العلاج التي تحتاج إلى جهد في عملية البحث والتعقيدات التى و ظهور حمى “الكنكشة النزفية” بولاية القضارف.. فأصبح قرار الخروج من القضارف في الحسبان.
وأضافت ولاء: “كنا أمام خيارين، إما التقدم إلى ولاية أخرى أو العودة إلى سنار. وكان اختيار سنار هو الأفضل رغم أنها تعيش نفس الأوضاع الصحية الحرجة، ولكن اقتصاديًا أفضل بكثر عن الوضع في القضارف.
تحديات تواجهة العائدين
واسترسلت: كانت هناك تحديات تقف أمام العائدين إلى سنار، فلم يكن قرار الرجعة بالأمر السهل. فآلاف العائدين لا يملكون تكاليف السفر.. والبعض منهم ما زال متوجسًا من قرار العودة تحسبًا إلى تغيير الأوضاع بالولاية.
وعن أوضاع الولاية اليوم وبعد تحرير أجزاء واسعة منها، قالت ولاء: “سنار محافظة على ملامحها، ولكنها لم تعد بذات الزخم من ذروة المواصلات وضجيج أصوات الشوارع في الصباح الباكر.
تشهد المدينة الآن غلاء في أسعار العقاقير الطبية.. ومشكلات في التحويلات البنكية المتوقفة بسبب قطوعات الإنترنت. ولكن يعيش مواطنوها حياة هادئة وبشكل طبيعي.. إذ أن السلع الغذائية متوفرة مع استقرار في الوضع الاقتصادي. وهناك حديث رائج عن افتتاح البنوك التجارية.
وختمت حديثها بقولها “في الأسبوعين الماضيين شهدنا عودة عكسية لأعداد من مواطني سنار الفارين منها… إذ تشهد الولاية دخول عشرات المركبات يوميًا وجميعهم وصلوا بخير.. وبعد تحرير سنجة نستبشر كل خير”.
وأعلن الجيش، السبت 23 نوفمبر، “تحرير منطقة سنجة” من سيطرة قوات الدعم السريع. وقال في بيان له إنه استرجع المدينة التي كانت في قبضة قوات الدعم منذ خمسة أشهر.
وبحسب مراقبين، تعد سيطرة الجيش السوداني على سنجة، عاصمة ولاية سنار، إنجازا استراتيجيا في الحرب الدائرة منذ 19 شهرا…. لوقوعها عند محور أساسي يربط بين مناطق يسيطر عليها الجيش في وسط وشرق السودان.
أرقام قياسية
وعبر محمد آدم العائد من ولاية كسلا شرق السودان إلى سنار، عن دهشته من ارتفاع الأسعار قائلًا: “هناك معاناة كبيرة فيما يخص إيجار العقارات… خاصة بعد امتداد الصراع إلى ولاية سنار وفرار مواطنيها إلى الولايات الآمنة.
وقال: ارتفعت الأسعار وسجلت أرقاما قياسية… وكانت وجها آخر للحرب، فهي حرب مواطن ضد مواطن.
وأضاف إن الايجار ولو كان لمنزل صغير مرتفع للغاية ولا يتناسب مع الظروف الحالية في ظل انعدام الدخل الثابت.
واستطرد آدم “الرجعة إلى سنار في الفترة الأولى كانت مستحيلة…” فالمدينة افتقرت وقتها لأبسط مقومات الحياة.. حوالي 4 أشهر نعيش بلا ماء وكهرباء وانترنت. إضافة إلى الغلاء والأوضاع الصحية الحرجة التي كانت تمر بها الولاية.. لا سيما التدوين العشوائي المستمر من قبل طرفي النزاع”.
وأردف: تفاقم الصراع في المنطقة هو سبب قرار النزوح. وبعد أن قضيت في كسلا شهرين قررت العودة إلى سنار… بعد أن شهدت استقرارا ملحوظا.
حيث بدأت تظهر ملامح الحياة رغم تذبذب الكهرباء وانقطاع الاتصال والانترنت. ولكن طريق العودة كان لابد ولو طال انتظاري.
وحول الأسباب الحقيقية التي قادتهم إلى العودة… أوضح أن أزمة العقارات وضعف الدخل المحدود هو ما دفع المواطنين إلى شد أمتعتهم واتخاذ قرار العودة بدون تردد إلى سنار. بالتأكيد هذا بعد أن هدأت الأوضاع بشكل ملحوظ.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.
وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.84 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية.. بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.
أصبح حقيقة
“بعد أن كان حلمًا يراود كل نازح ولاجئ هجر منزله وولايته قسرًا أصبح حقيقة. ” هكذا عبرت “إسراء مختار” التي نزحت إلى القضارف ومن ثم إلى بورتسودان، عن رغبتها الملحة في العودة إلى منزلها ومسقط رأسها.
وأشارت مختار:” في الحقيقة إن التحديات التي عشناها في الولايات كانت الفاصل في قرار العودة… خاصة بعد متابعات عن أحوال وأوضاع الولاية واستقرارها بشكل أفضل من قبل.
وقالت إن من ضمن التحديات التي كانت تواجهها انتشار الوبائيات وغلاء أسعار العلاج والايجارات، كان أمرا غير محتمل.
وحول أوضاع الولاية بعد التغييرات التي شهدتها… أوضحت “بعد تحرير جبل مويه وجزء كبير المناطق التي كانت تسيطر عليها “المليشيا” واستقرار الحال في الولاية لم أجد سببا في السكن خارج ولايتي وحياة نزوح بـ”المعافرة”.
وتابعت: استقر السوق بشكل أفضل عن السابق ودخلت سلع غذائية جديدة بعد أن كانت محدودة. لكن الانترنت لا يزال مقطوعا والقطاع الصحي يعاني من تحديات متمثلة في نقص الكادر الطبي والأدوية المنقذة للحياة” حسب تعبيرها.
ومنذ أن بسط الدعم السريع سيطرته.. تعاني ولاية سنار من أوضاع انسانية سيئة.. إذ تنعدم الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات وسط ندرة شديدة في السلع الغذائية التي تضاعفت أسعار المتوافر منها.
وتتدهور الأوضاع الصحية بشكل كبير في ظل خروج معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة… والنقص الحاد في الكوادر الطبية والأدوية المنقذة للحياة.
أحدث التعليقات