جبراكة نيوز: تقرير- ملاك جمال
صرخ “خالد عمر” (اسم مستعار): “أنا ما عسكري يا جماعة، أنا ما عسكري!” حسبما أفاد أحد مرافقيه من الناجين الذين شهدوا وفاته.
سقط خالد على الأرض مفارقًا الحياة. لم يتوقف معذبوه من قوات الدعم السريع، بل أطلقوا رصاصة غادرة نحو رأسه.
كان “خالد”، مثلما يذكر مرافقه لمبادرة “مفقود”، طالبًا في السنة السادسة بكلية الطب في جامعة الخرطوم، ويسكن في حي جبرة جنوب العاصمة السودانية. اعتقلته قوات الدعم السريع وحولته إلى سجن سوبا جنوب الخرطوم، حيث توفي هناك ولم تعلم أسرته بذلك إلا بعد أشهر من وفاته.
موت بطيء
ثويبة هاشم، عضو مبادرة “مفقود”، قالت لـ “جبراكة نيوز” أن المدنيين هم الأكثر تعرضًا للتعذيب في السجون السودانية، خاصة في سجن سوبا.
وأشارت إلى أن شدة ونوعية التعذيب تختلف بين المدنيين والعسكريين، حيث يُعتقل العديد من المدنيين للاشتباه بانتمائهم للجيش، وتتم تصفيتهم لاحقًا.
ذكرت ثويبة أن أحد الناجين من سجن سوبا أفاد بأن نوع التعذيب يعتمد على الزنزانة وحراسها. فإذا شك الحراس بانتماء السجين إلى جهات أمنية أو عسكرية، فإنه يتعرض لتعذيب شديد وفي كثير من الأحيان يتم تصفيته.
المحامي وعضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، عثمان البصري، كشف لـ “جبراكة نيوز” تفاصيل مروعة عن ظروف الاعتقال في سجن سوبا.
وأكد أن أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم كان في حالة صحية متدهورة، حيث عانى من سوء تغذية شديد وتدهور كبير في حالته الصحية.
وبحسب البصري، يعاني المعتقلون في سجن سوبا من سوء التغذية والحرمان من الطعام بشكل منتظم، حيث يقتصر غذاؤهم على كميات قليلة من الماء والأرز.
كما تنتشر الأمراض بسبب الظروف الصحية السيئة، مما يؤدي إلى وفيات متكررة. وأشار إلى أن الجثث تُدفن في أماكن مجهولة.
ويعيش المعتقلون في أماكن ضيقة وساخنة، دون مرافق صحية مناسبة، ويتعرضون للضرب والتعذيب بشكل مستمر، خصوصًا في حال تحقيق الجيش انتصارات على قوات الدعم السريع.
ضحايا وناجون
في 23 يوليو 2023، تعرض “سيف النصر محمد سليمان” للاعتقال التعسفي على يد قوات الدعم السريع من منزله بولاية الخرطوم.
وصلت قوة من ثلاثة أفراد ملثمين، اثنان منهم يرتديان زي قوات الدعم السريع والثالث بلباس مدني.
بعد تحديد هويته، انهال قائد القوة على “سيف النصر” ضربًا بعصا غليظة، مهددًا إياه بسلاح كلاشينكوف.
وفي إفادته لمبادرة “مفقود” يقول سيف النصر “تعرضت للاعتقال التعسفي في منزلي. تم اقتحامه وتقييدي وضربي بعنف، واتهامي بالانتماء إلى نظام الحركة الإسلامية السابق والمشاركة في أعمال عنف خلال حكم حمدوك. بعد تفتيش منزلي باستخدام العنف، هددوني وصديقي بالتصفية الجسدية. نُقلنا بعدها إلى مكان مجهول يُرجح أنه معتقل سري”.
وأضاف: “خلال الاعتقال، تعرضنا للتعذيب الوحشي، حيث أجبرنا على الزحف في الشمس الحارقة. وعند وصولنا إلى المعتقل، أدخلونا إلى مكان مظلم ومزدحم بأصوات الصراخ والتعذيب. عانينا من تهديدات وشتائم مستمرة”.
بيئة كارثية
تحدثت ثويبة هاشم عن تفاصيل مروعة حول أوضاع المعتقلين في سجون الدعم السريع.
وأكدت أن المعتقلين يجبرون على القيام بأعمال شاقة، مثل نقل الأسلحة والذخيرة والمواد الغذائية، في ظروف قاسية.
ووفقًا لشهادات الناجين التي تحصلت عليها مبادرة مفقود، فإن المعتقلين يعانون من الازدحام الشديد، حيث يتم حشر عدد كبير من المعتقلين في مساحات صغيرة، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة.
وقالت إنهم يعيشون في خوف مستمر، في ظل ظروف صحية متردية تنتشر فيها العديد من الأمراض المعدية، مثل الكوليرا والحميات والملاريا، بسبب عدم توفر الرعاية الصحية اللازمة.
وأضافت ثويبة أن أحد الناجين، احتجز لمدة سنة وأربعة أشهر، وتم إنقاذه بعد أن تدهورت حالته الصحية بشكل كبير نتيجة سوء التغذية.
وتؤكد هذه الشهادة وغيرها أن المعتقلين في سجون الدعم السريع يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وطالبت بفتح تحقيق عاجل في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
حياة قاسية
“كانت حياتنا اليومية في المعتقل تخضع لرقابة شديدة”، قال “سيف النصر” – في شهادته لمبادرة “مفقود” – وأضاف، متحتدثا عن تجربته داخل المعتقل: “فُرضت علينا قيود قاسية، حيث كان يُسمح لنا بشرب الماء فقط، وكان الاستحمام والوضوء وغسل أي جزء من الجسم ممنوع تمامًا. أي مخالفة لهذه القواعد تترتب عليها عواقب وخيمة، إذ يتم نقل المخالفين إلى غرفة التعذيب، حيث يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب. نتيجة لهذا التعذيب، يعاني المعتقلون من آلام مبرحة تستمر لأيام، مما يجعلهم عاجزين عن النوم على ظهورهم”.
وأضاف: “الوجبات المقدمة لنا في المعتقل قليلة جدًا وغير مغذية. كنا نتلقى وجبتين يوميًا، إحداهما في الصباح والأخرى في المساء، وتتكون عادة من عصيدة ذرة وعدس بالماء والملح. هذه الوجبات الشحيحة لم تكن تكفي، وكنا نشعر بالجوع الشديد طوال الوقت. نتيجة لهذا النظام الغذائي السيء، عانيت من فقر الدم الشديد والدوار المتكرر، حتى أنني فقدت البصر مؤقتًا في بعض الأحيان”.
إحصائيات مفقودة
مصدر عسكري مطّلع أفاد “جبراكة نيوز” بأن جهود تحديد عدد معتقلات قوات الدعم السريع في العاصمة السودانية تواجه صعوبات كبيرة بسبب الخوف من الانتقام وتحويل المنازل والشركات إلى معتقلات بشكل متكرر. وتشير التقديرات إلى وجود آلاف المعتقلين في مناطق مثل سوبا والرياض.
وبحسب حقوقيين أن الإحصائيات تختلف حول عدد المعتقلات وأماكنها، مما يزيد من صعوبة تحديد رقم دقيق. على سبيل المثال، تشير مبادرة “مفقود” والمجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري إلى وجود أكثر من 18 منزلًا حولتها قوات الدعم السريع إلى معتقلات في العام الماضي فقط. كما تم رصد معتقل كبير في شركة “القارص” بجبل الأولياء.
وبحسب تقارير حقوقية، يوجد أكثر من 4000 معتقل في سجن سوبا وحده. وتشير مصادر أخرى إلى وجود عشرات المعتقلات في مناطق مختلفة، بما في ذلك منطقة الرياض ومقر الإذاعة في أم درمان. النساء في هذه المعتقلات يتعرضن لانتهاكات جسيمة تشمل الاعتداء الجنسي والعمل القسري.
في أعماق السجون، حيث تتلاشى الإنسانية، دارت مآسي حقيقية أودت بحياة المئات في لحظة لا تُنسى. وتفاقمت بعد حرب أبريل بين قوات الجيش والدعم السريع، التي تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفقا للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية.
أحدث التعليقات