لماذا وحشية القوات المسلحة؟
منتصر إبراهيم الزين
بينما استغرق الرأي العام في بيانات الشجب والإدانة، وبعضھا بالاستغراب والاستياء من حجم الوحشية في انتھاكات القوات المسلحة الموثقة بعناية، يفوت على الكثيرين التفكير حول دلالات ھذا التوحش، وكيفياتھا المرتبة بأشكال ونماذج منتقاة من الجرائم، فإذا ما تم إماطة اللثام عن دلالات ھذا التوحش سيكون قد بطل العجب.
ھل كان ھذا التوحش عشوائياً، وعبارة عن تفلتات، أم أنھ كان ممنھجاً وتم ارتكابھ عن قصد لتحقيق أهداف محددة؟!
الناظر إلى تنويعات وكيفيات هذا التوحش، يدرك بلا كثير عناء إنھا مقصودة في ذاتها ولذاتها كھندسة وسياسة تم التخطيط لھا والاتفاق عليھا، لخدمة أهداف سياسية وھي محسوبة بمنطق الاقتصاد السياسي للعنف، أو سياسة التوحش، فما حدث ھو عنف عار من أي دلالات دينية أو عنصرية؛ فھي سياسية بحتة تريد من القوات المسلحة إعادة إنتاج احتكار العنف كمشروعية لوجودھا، ھكذا ھي الدولة الحربية والعنفية تفھم احتكار ممارسة العنف، أن تكون مھابة ومرعبة.
من الأهداف السياسية التي تريدھا القوات المسلحة، بالاضافة إلى تأكيد احتكارھا لممارسة العنف ايضاً، عبر التطرف في ممارسة التوحش؛ وھي الممارسة التي تم سلبھا منھا بھزيمتھا في هذا المجال، أي أن ھذا التوحش يمثل سلوكاً تعويضياً، وسيتم ممارسة هذا التوحش على نطاقات اوسع في الفترة القادمة، وستكون ھي السمة الملازمة للقوات المسلحة بما يوازي حجم الھزيمة التي لحقت بھا، ھي تريد استعادة “كرامتھا”، أي تفھم أن لا كرامة بدون تفوق في ممارسة العنف عن أي خصم، أو آخر سوى كان مواطناً أو عدواً حالياً أو مفترضاً مستقبلاً.
القوات المسلحة تريد فوق استعادة كرامتھا بالتطرف في ممارسة التوحش؛ ھي تريد أن تتفوق على عدوھا الدعم السريع الذي كان سلاحه في الحرب النفسية تتمثل فى صورة التوحش المصدرة عن “توحش الجنجويد”، فعبر ھذه الصورة التي ارتسمت في المخيلة من وحشية ھذه القوات في حربھا السابقة إلى جانب القوات المسلحة، حيث تم ارتكاب “أعمال وحشية ” وجرائم حرب وإبادة جماعية ضمن سياسة القوات المسلحة لمكافحة التمرد في دارفور counter insurgency ؛ لذلك باستخدام ھذا السلاح في الحرب النفسية استطاعت ھزيمة القوات المسلحة، وھنا نجد الإجابة لسؤال مالك عقار اثناء لقاءه مع جنود للقوات المسلحة حينما قال: لماذا تخافون لھذه الدرجة من الدعم السريع فھم بشر مثلكم، لديھم سلاح وانتم لديكم سلاح، فلماذا إذن حينما تسمعون بأن الدعم السريع قادم إلى اجتياح مدينة معينة تفرون ھكذا؟!
لذلك الآن تريد القوات المسلحة استعادة ھذا السلاح عسى ولعل أن تتمكن من استعادة كرامتھا واستعادة مكانتھا وبناء منظومة “رعبھا”.
فھل ستصمد؟ ويكفيھا التوحش وحده لاحتكار العنف؟ أم أن الھزيمة وهذا السقوط المخزي قدرھا الأخير ومصيرھا النھائي؟!
أحدث التعليقات