الجمعة, أبريل 25, 2025
الرئيسيةاخبار السودانالجنينة: شهادات الناجين من قلب المذبحة

الجنينة: شهادات الناجين من قلب المذبحة

الجنينة: شهادات الناجين من قلب المذبحة

جبراكة نيوز

إعداد وتحرير:

  • منصور الصويم
  • عيسى مصطفي
  • عيسى دفع الله
  • محمد الفاضل

كانت مغرورقة العينين بالدموع، وهي تسترجع لحظة إكتشافها لصورة والدها عبد الكريم وادي مقتولاً إلى جانب ثلاثة من أعمامها وابن عمها. “قتلوا جميعاً داخل منزلهم في حي الجبل يوم الجمعة 16 يونيو 2023، بعد يوم واحد من إغتيال والي غرب دارفور، خميس أبكر”. تقول سلوى عبد الكريم، البالغة من العمر 29 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال وموظفة في مستشفى الجنينة.

منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل، غرقت مدينة الجنينة في صراع دموي بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. تصاعدت المواجهات بشكل مأساوي. حيث اتُهمت قوات الدعم السريع بإستهداف المدنيين على أسس إثنية، خاصة النازحين الفارين نحو تشاد. وفي منتصف يونيو 2023، أغتيل الوالي خميس أبكر في الجنينة، في موجة من القتل الممنهج. وبحسب تقرير للأمم المتحدة، قتل نحو 10 إلي 15 ألف مدنيا في الجنينة في هجمات ترقى الى مستوى الجرائم ضد الانسانية. فيما هاجر نحو 500 ألف شخص إلى دولة تشاد ذات الحدود المشتركة مع الولاية. بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق في السودان، والمكوّنة من مجلس الأمن، إن أطراف النزاع استهدفوا المدنيين من خلال الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي والاعتقال، بالإضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة.

ووصفت لجنة خبراء من الأمم المتحدة الانتهاكات التي وقعت في الجنينة بالفظائع وبأنها “قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

في هذا السياق، يقول الناشط الحقوقي حسين تيمان إفاداته لـ”جبراكة نيوز” ما حدث في الجنينة يختلف تمامًا عن الحرب في باقي أنحاء دارفور والسودان. وإشارة حسين هنا أن الأحداث في المدينة تُعتبر جرائم ضد الإنسانية. وأضاف أن “ما جرى في الجنينة لا يتعلق بحرب 15 أبريل، وانما إبادة جماعية تستهدف العناصر الأفريقية في دارفور حسب قوله، وهي امتداد لما بدأت منذ عام 2003 واستمرت خلال السنوات الماضية.”

يقول حسين إن قوات الدعم السريع سعت لملاحقته وهاجمت منزله في أم درمان بعد اندلاع الحرب، بجانب اغتيال ابن خاله أمير حسب الله في حي جبرة بالخرطوم اثناء عمليات البحث عنه. ومن ثم قاموا بمهاجمة منزلهم في مسقط راسه بمدينة الجنينة واغتالوا والدته وشقيقه أنور.

مأساة أسرة المهندس حسين، لم تنتهِ بمقتل والدته وشقيقه، إذ لاحقت مجموعات من الدعم السريع بقية أفراد الأسرة وإغتالت إبن عمه أحمد تجاني تيمان في أمدرمان. بينما تمكن بقية أفراد الأسرة من النساء والأطفال الموجودين في الجنينة من الهروب الى دولة تشاد المجاورة. وذلك بعد رحلة شاقة على طول الطريق وهم يستقلون “عربة كارو” يجرها حمار، مخلفين وراءهم كل شيء.

تتحدث سلوى لـ”جبراكة نيوز” عن المجازر التي دمرت مدينتها وأسرتها. تقول بصوت مفعم بالألم: “لم أتخيل يوماً أن تصل الحرب إلى باب منزلنا. فقدت والدي وأعمامي في لحظة واحدة، وكأن العالم كله إنهار من حولي”.

تروي المهندسة والناشطة الإنسانية إلهام محمد هارون 30 عاما، لـ “جبراكة “نيوز” تفاصيل مروعة عن الهجوم الذي تعرضت له مدينة الجنينة. قالت إلهام اقتحمتنا المليشيات وقوات الدعم السريع بوحشية، كانوا يستخدمون عربات الدفع الرباعي، الخيول، المواتر وبعضهم مشاة، مسلحين بكل أنواع الأسلحة. “هاجمونا داخل منازلنا، نشروا فينا الرعب وأشاعوا الموت بيننا.”

وأضافت إلهام أن أحد المهاجمين اقتحم منزلها مهددًا إياها بسلاح، صارخًا: “أين” “الرجال؟” لترد قائلة: “ما في رجال هنا”. ومع ذلك، غادر فجأة عندما سمع صرخات رفاقه لدى اقتحامهم منزل الجيران تابعت: “رأيتهم يضربون ويقتلون أربعة من جيراننا المقربين، بل أحرقوا البعض بعد إطلاق الرصاص عليهم”.

في 12 مايو، تعرض حيهم لهجوم شرس من ثلاث جهات. تتذكر إلهام والدموع تنهمر من عينيها وهي تقول: كنت خائفة على شقيقتي الكفيفتين، 18 و20 عاما. حاولنا إخراجهما إلى منزل الجيران، وتركنا ابي وأمى  في المنزل.”

حصار واستهداف عرقي

وأوضحت إلهام أن والدها استهدف بسبب انتمائهم العرقي، مؤكدة أن المهاجمين لم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا النار عشوائيا، ما أسفر عن مقتل طفلة من جيرانهم. بذا اصبحت الجنينة، التي كانت يوماً رمزاً للتنوع والتعايش، تحولت إلى مدينة أشباح، تعج بالمجازر والقصف العشوائي. في مايو 2023، بعد عيد الفطر، بدأ سكان الأحياء في النزوح الجماعي. “كل شخص كان يحاول إيجاد طريق للخلاص، بينما كنا نحتمي داخل منزلنا وسط القصف والصواريخ”، تضيف سلوى.

لم يسلم زوجها أيضاً من أهوال الحرب. كان يعمل ضابط صحة، لكنه تعرض للتعذيب على يد قوات الدعم السريع التي اقتحمت منزلهم. “اتهموه بالانتماء للجيش السوداني، واحتجزوه لفترة قبل أن يطلقوا سراحه وهو يعاني من جروح بالغة في يديه”. تقول سلوى،  أن زوجها لا يزال يعاني من تلك الإصابات حتى اليوم.

تصف سلوى حصار الجنينة الذي إستمر 25 يوماً بأنه  كان “كابوسا لا نهاية له”. لم تتمكن من التواصل مع والدتها رغم أنهما كانتا في نفس المنزل. “كنا نعيش في غرف منفصلة، نتجنب الحركة خوفاً من القناصة المتمركزين على أسطح المباني ومآذن المساجد”. أما الغذاء، فقد أصبح مسألة حياة أو موت. “كان كل فرد يعتمد على ما يحتفظ به من مؤن في غرفته. ومن لم يكن لديه شيء، كان الجوع مصيره المحتوم”، تضيف سلوى.

لم يكن عبد الكريم وادي مجرد تاجر في سوق الجنينة، بل كان عمدة بارزاً في الإدارة الأهلية لقبيلة المساليت في منطقة بريدية، مسقط رأسه. بالنسبة لسلوى، ابنته، لم تكن هذه المكانة إلا سبباً إضافياً لاستهدافه. “لاحقت قوات الدعم السريع زعماء الإدارة الأهلية لقبيلة المساليت، من العمد والفرش، ومن بينهم أبي، واغتالتهم إلى جانب الناشطين والمحامين”. تقول سلوى بحسرة، أن استهداف الكوادر الطبية وإجبارها على معالجة جرحى قوات الدعم السريع كان جزءاً من حملة القمع.

تقول سلوى: “ما حدث في الجنينة لم يكن مجرد حرب، بل إبادة ممنهجة استهدفت قادتنا وأحلامنا”.

وتضيف: “اغتيال والدي كان ضمن سلسلة من الجرائم التي طالت قادة المجتمع المحلي، في محاولة لاسكات أي صوت يمكن أن يقود المقاومة أو يسعى للتعايش”. لم يكن والدها الوحيد الذي ذهب ضحية هذا العنف المنهجي، بل شمل الاستهداف جيرانهم. حيث قتل المحامي عبد الخالق والمحامي ود السلطان، بالإضافة إلى العديد من الأسر التي قُتلت في منازلها. تقول سلوى: “استهداف زعماء الإدارة الأهلية لم يكن مجرد عمل عشوائي، بل كان خطوة مدروسة للقضاء على رموز القبيلة وزعزعة استقرار المجتمع”.

يقول حسين إنه كان نشطًا منذ عام 2003 في رصد انتهاكات “الجنجويد” بمدينة الجنينة. وهي أحداث معقدة يصعب تتبّع خيوطها، إذ تعود جذورها إلى توترات اندلعت في العام نفسه، قبل أن تتصاعد لاحقًا إلى قتال دموي لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم. وقد قُتل العشرات خلال هجمات كريندق، التي وقعت في فترة تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين عقب سقوط نظام البشير، وسط هشاشة أمنية واضحة.

نقل حسين خبراته في الرصد والتقصى إلى شقيقه أنور، الذي كان يعمل على تغطية الأحداث للإيصالها إلى منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة. هذا يفسر جانب من عمليات الإغتيال المنظم التي استهدفت محامين وناشطين حقوقين.

وكانت سلطنة دار مساليت أعلنت إبان الأحداث عن مقتل فرشة مستري الفرشة محمد أرباب وإبنه وثمانية من أحفاده في أردمتا بالجنينة بواسطة الدعم السريع يوم. وقال مواطنون فروا إلى تشاد، إن قوات الدعم السريع ارتكبت فظائع في مواجهة المواطنين في اردمتا.

قالت فروشية “عيش بره” إن الفرشة محمد أرباب يُعدّ من أبرز قيادات الإدارة الأهلية، وأحد أقدم أعمدتها في أقاليم دارفور، لا سيما في سلطنة دار مساليت. وأشارت إلى أنه تولّى منصب فرشة فروشية مستري في عام 1959. وتُعدّ “الفروشية” إحدى الرتب التقليدية في هيكل الإدارة الأهلية لسلطنة دار مساليت.

خلفية تاريخية لسلطنة المساليت

أسس المساليت دولتهم ما بين عامي 1884 و1921، واختاروا سلطنتهم التاريخية وأسموها “دار المساليت. واجهت الاستعمار الفرنسي بشراسة في 3 معارك حاسمة، أبرزها معركة “كِرِيْدِنْقْ” التي تعني “أخرجوهم عنوة”، ودارت عام 1910 وكانت تعوّل فيها فرنسا على إلحاق هزيمة نكراء بالمساليت وبعد ذلك الاستيلاء على أراضيهم ولمستعمرتها “السودان الفرنسي” المكونة من عدة دول أفريقية منها تشاد والكاميرون والنيجر وأفريقيا الوسطى ودول غرب أفريقيا.

لكن أهالي قبيلة المساليت استعدوا لهذه الحرب واستغلوا عدم دراية أعضاء الجيش الفرنسي بتضاريس المنطقة، فتمكنوا من الانتصار على القوات الفرنسية، رغم توفرها على عتاد حربي وعسكري ضخم ومتطور.

وفي عام 1919، أصبحت سلطنة دار المساليت آخر سلطنة مستقلة معترف بها في تاريخ السودان، ورفعت مطلب تقرير المصير وفقا للاتفاقية التي أبرمت عام 1919 بينها وبين بريطانيا وفرنسا، وخلصت إلى تنازلها عن منطقة “أدري” الواقعة حاليا في تشاد لصالح فرنسا، وضُمت دار المساليت في تلك الفترة للسودان الإنجليزية.

يقول الباحث في تاريخ وتراث دارفور في كتابه عن: المساليت “Masaraa” منذ عهد السلطان بحرالدين أبكر “اندوكة” وبعد استيلاء الفرنسيين على منطقة بحيرة تشاد وسلطنة الوادي وفرض سيطرتهم عليها، بدأت القبائل العربية تهاجر الي المنطقة وهم يجوبون الحزام السوداني بحثاً عن الكلأ والماء لمواشيهم ولم يكن الاستقرار من طبعهم حتى قال أحدهم:

 يا دنيا دار الغش……علمت ابويا الحش

كان البدو يحتقرون عمومًا حياة الاستقرار بكل ما تمثله من زراعة وصناعات ومبانٍ ثابتة. لم يكن الاستقرار يومًا خيارًا مطروحًا بالنسبة لهم، فقد اعتادوا الترحال والتنقل بحرية في تلك الديار التي اعتبروها ملكًا لهم، يسرحون فيها حيث شاءوا بلا قيود. وقد دفعتهم عدة عوامل للهجرة، كان أبرزها القسوة التي مارستها السلطات الاستعمارية الفرنسية في غرب إفريقيا، حيث تعاملت بوحشية مع الرعاة وسكان المناطق التي أخضعتها لنفوذها. كما ساهم بطش الدولة المهدية عام 1888م في دفع أعداد كبيرة من الرحل إلى الهروب غربًا، بحثًا عن ملاذ آمن.

وفي مشهد إنساني موجع، تروي سلوى عبد الكريم بصوت مملوء بالحزن فصولًا من مأساة عائلية مريرة خلفتها أحداث الجنينة الدامية. كانت جدتها – والدة والدها – واحدة من ضحايا تلك الكارثة، إذ شهدت بأم عينيها مقتل ثلاثة من أبنائها. تقول سلوى: “غادرت جدتي المدينة بعد المجزرة، لكنها يا للأسف لم تصل إلى معسكرات اللاجئين في تشاد. بحثنا عنها طويلًا، وتواصلنا مع شهود أكدوا أنهم رأوها في الطريق نحو منطقة أدري، لكنها اختفت ولم نعثر عليها حتى الآن.”

وفي مواجهة المجازر التي ضربت الجنينة شاركت إلهام في مبادرة شبابية لدفن الجثث المنتشرة في الشوارع. قالت: “كنا نجمع الجثث تحت تهديد المليشيات الذين كانوا يسخرون منا قائلين: دعوا جثث المساليت لتأكلها الحيوانات.”

بعد أربعة أشهر من الخوف والاختباء، تمكنت إلهام وأسرتها من الهروب إلى تشاد، لتصبح لاجئة وسط الآلاف الفارين من الحرب. ختمت حديثها بمرارة قائلة: “ما رأيته في الجنينة لن يُمحى من ذاكرتي. إنها مأساة إنسانية بكل المقاييس.

مشقة الهروب

في ليلة مظلمة من ليالي مايو 2023، غادرت سلوى عبد الكريم منزلها في الجنينة، وهي حبلى بطفلها السادس، عبد الكريم، الذي سمّته على اسم والدها. كان يرافقها خمسة أطفال، أكبرهم لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، حين قررت ترك مدينتها التي تحولت إلى ساحة حرب، باحثة عن الأمان وسط مخاطر لا تحصى.

تضيف سلوى أن قرارها بمغادرة الجنينة مع أطفالها كان محفوفاً بالمخاطر. أثناء رحلتها، صادفت جثثاً متناثرة على جانبي الطريق، مشاهد تركت أثراً نفسياً عميقاً على أطفالها. “ابنتي الكبرى، التي تبلغ من العمر 13 عاماً، تأثرت بشكل خاص، وأصبحت تعاني من تبول لا إرادي بسبب الصدمة”، تقول سلوى، واصفة كيف غيّرت هذه المأساة حياتهم إلى الأبد.

“كان وادي كجا ممتلئًا بالمياه”، تتذكر سلوى وهي تستعيد تفاصيل تلك الليلة. رجل طيب يمتلك عربة كارو تجرها الحمير عرض عليها المساعدة. “حملنا أنا وأطفالي وأرشدنا إلى الطريق. كان يدرك أن المليشيات العربية التابعة للدعم السريع تتجول حول المدينة، تقتل الأطفال الذكور الذين يهربون مع أسرهم”.

رغم أن معظم الفارين كانوا يتجهون إلى مدينة أدري التشادية، اختارت سلوى أن تسلك طريقًا شرقيًا يقودها إلى منطقة أردمتا. حيث كانت قيادة الجيش لا تزال صامدة. “أوصلنا صاحب الكارو إلى هناك، لكن الجيش ظل متفرجًا على الانتهاكات التي تعصف بالمدينة”، تقول سلوى.

من أردمتا، انتقلت سلوى وأطفالها إلى منطقة أزرني، حيث واجهت سيارات أجرة تتبع قوات الدعم السريع. ولحسن حظها، كانت السيارات تقل أطباء يغادرون الجنينة. “تعرفت عليهم من خلال عملي في المستشفى، لكن السائق رفض السماح لنا بالصعود إلا بعد دفع الأجرة”. لم يكن لدي مال، فتفاوضت معهم وقدمت غويشة ذهبية وحلقًا لتأمين مكان في السيارة.

وصلت إلى كبكابية بعد رحلة شاقة وسط الجبال، ومن هناك تمكنت من العثور على وسيلة نقل إلى الفاشر. هناك، لجأت إلى الكذب لتنجو؛ حين سألها السائقون عن قبيلتها، ادعت الانتماء إلى القبائل العربية خوفًا على حياتها وحياة أطفالها.

في الفاشر، وبعد أن باعت خاتمها الذهبي الأخير، وجدت سلوى أناسًا طيبين ساعدوها بالطعام والملابس لأطفالها، وأمّنوا لها مقاعد في عربة متجهة إلى مدينة الضعين. ومن هناك، بدأت رحلتها الطويلة نحو جوبا في جنوب السودان، وسط الأمطار ووعورة الطرق.

“قضيتُ 30 يومًا في الطريق، دون أن أعرف شيئًا عن أسرتي. كل ما كان يشغلني هو سلامة أطفالي”، تقول سلوى. بعد رحلة شاقة، وصلت أخيرًا إلى جوبا، حيث دلّنى أحد السودانيين على مسجد احتمى فيه مؤقتًا. ومن هناك، واصلت طريقى إلى أوغندا، وتحديدًا إلى منطقة ألوقو، حيث تلقيت أول رسالة من زوجى عبر تطبيق واتساب، طمأننى فيها، وعدا بالانضمام إليه قريبًا.

تشرد ومعاناة

بعد عام كامل من التشرد والمعاناة، استقرت سلوى عبد الكريم وأطفالها في معسكر كرياندقو للاجئين في شمال أوغندا، عقب ترحيلهم من معسكر نيومازي شمال البلاد. في كرياندقو، قدمت الجهات الراعية بعض الدعم للعائلات اللاجئة، حيث وفرت لهم المشمعات والحطب لبناء مساكن بسيطة.

تعد الأوضاع الإنسانية في معسكرات اللاجئين، مثل معسكر كرياندقو الذي استقرت فيه سلوى ضمن أكثر من 45 ألف اخرين، كارثية. وفقًا لتقديرات منظمات الإغاثة، يحتاج حوالي 60% من اللاجئين في شمال أوغندا إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما 30% منهم يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية. العديد من الأطفال يعانون من نقص التغذية، في حين تعاني النساء من نقص الحماية ضد العنف الجنسي.

تعتقد سلوى أن الاحتياجات في المعسكر تفوق بكثير الخدمات المقدمة. تقول بحسرة: “عدد المنظمات العاملة هنا لا يتناسب مع حجم المأساة وعدد اللاجئين”، مشيرة إلى التحديات اليومية التي تواجهها في توفير الاحتياجات الأساسية لأطفالها.

ابنها البالغ من العمر ست سنوات أصيب بشظية في عينه قبل مغادرتهم الجنينة. “عرضته على أطباء في معسكر اللاجئين، وأجرى عملية في كمبالا، لكنها لم تنجح. ما زال لا يرى بعينه، ونحن في انتظار عملية أخرى”.

تطهير عرقى وجرائم ضد الانسانية

صدر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في 218 صفحة تحت عنوان: “لن يعود المساليت إلى ديارهم: التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة، غرب دارفور، السودان”.
يوثّق التقرير قيام قوات الدعم السريع، وهي قوة عسكرية مستقلة تقاتل الجيش السوداني، إلى جانب ميليشيات متحالفة معها، من بينها “الجبهة الثالثة  “تمازج”، وهي جماعة مسلحة، بشن هجمات متواصلة على أحياء بمدينة الجنينة تسكنها أغلبية من المساليت، وذلك بين شهري أبريل ويونيو.

وتُظهر متابعات “جبراكة” أن هذه الانتهاكات تصاعدت مرة أخرى في أوائل نوفمبر، حيث ارتكب المهاجمون انتهاكات جسيمة شملت التعذيب والاغتصاب والنهب. ويقول “التقرير المنشور في الموقع الرسمي للمنظمة هيومن رايتس وواتش: فرّ أكثر من نصف مليون لاجئ من غرب دارفور إلى تشاد منذ أبريل 2023 حتى أواخر أكتوبر 2023، كان 75% منهم من الجنينة.

وقالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لـ هيومن رايتس ووتش: “بينما يدرك مجلس الأمن الدولي والحكومات الكارثة التي تلوح في الأفق في الفاشر، ينبغي النظر إلى الفظائع الواسعة التي ارتكبت في الجنينة على أنها تذكير بالفظائع التي يمكن أن تحدث في غياب عمل منسق. على الحكومات، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة التحرك الآن لحماية المدنيين.”

ورغم كل ما مرت به، تظل سلوى متمسكة بأمل عودة السلام. في ختام حديثها، تقول: “أمنيتي أن تقف الحرب ويعود الأمن والسلام لإنسان مدينة الجنينة والسودان. الجراح عميقة، لكنها ليست مستحيلة على الاندمال. أتمنى أن تزول الكراهية التي تعمق الانقسامات، لأنها السبب الرئيسي لما نحن الآن”.

المقالات ذات الصلة
- Advertisment -

الأكثر قراءة

أحدث التعليقات