جُبراكة نيوز
كوستي- مهند مرشد
استقبلت ولاية النيل الأبيض آلاف النازحين منذ بداية الحرب، وخُصصت المدارس لإقامتهم وبعض داخليات الطلاب، وتتفاوت دور الإيواء بين مراكز مناسبة للعيش وأخرى غير مؤهلة للإقامة الأسرية، إذ تسوء فيها أوضاع بعض المرافق، كالحمامات، أو حتى الغرف المخصصة لسكن الأسر، كما تعاني المراكز بشكل خاص من نقص في المياه.
وكذلك تختلف الخدمات المقدمة والمتوفرة لمراكز الايواء من مركز إلى آخر. ويعيش كثير من المقيمين بالمراكز أوضاع مأساوية ما يجعل التصدي لها أمر إنساني لابد منه.
صعوبات تواجه الباحثين عن حلول
ليس من المعروف متى تضع الحرب أوزارها، فالوساطات بين أطراف الصراع دائماً ما تصطدم بعقبات، بل أن الحرب تزداد رقعتها يوماً بعد يوم، خلافاً لما كان متوقعاً عند اندلاع الحرب بأنها لن تستمر حتى أسابيع.
وفي ظل الإقامة التي امتدت أكثر من تسعة أشهر للنازحين، بدأ بعضهم في البحث عن حلول لتوفيق أوضاعهم، ووقف اعتمادهم على المساعدات والإعانات، لكن الكثير منهم ووجه بصعوبات، فاقمها فجائية اندلاع الحرب وصعوبة الحركة والتواصل.
تعاني “عواطف” من مرض الضغط، والذئبة الحمراء، مع اصابتها بالحزام الناري الذي يسبب لها ضيق في التنفس، كما قالت لـ”جبراكة نيوز” أن كل ما ترجوه من المنظمات الإنسانية والجهات الرسمية هو تحسين الخدمات الصحية وتوفير الدواء للنازحين.
نزحت عواطف قبل عدة أشهر من منطقة “جبرة” الواقعة بالقرب من سلاح المدرعات في الخرطوم، والذي شهد معارك متواصلة منذ اندلاع الحرب، ولفتت في حديثها إلى أنها كانت تعمل في مهنة المحاماة، ومن ثم بعد نزوحها إلى ولاية النيل الأبيض حاولت البحث عن عمل في مدينتي كوستي وربك، لكنها وُوجهت بالعديد من المصاعب، من بينها مطالبتها بايجار مكتب وعمل إجراءت تصديق ممارسة المهنة، وهو الأمر الذي وصفته بالمستحيل بالنسبة لنازحة خرجت من بيتها بحقيبة ملابسها فقط.
ودعت الزملاء في مهنتها لمنح فرص لعمل للنازحين بلا شروط.
في جانب آخر، ناشدت سيدة بمركز للإيواء بمدينة كوستي (فضلت عدم نشر اسمها) المنظمات الدولية والجهات ذات العلاقة بتوفير المواد الغذائية والبطانيات خصوصًا لكبار السن، لافتة إلى أنه بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ودمدني، سادت موجة رعب من دخول الحرب لولاية النيل الأبيض أيضا، وهو ما حدث فعلاً، ما دفع عدد من الأسر المقتدرة لمغادرة المدينة نحو ولايات أخرى بما فيها ولاية الخرطوم التي ما تزال حربها مشتعلة.
مطالبات بتسهيل فرص العمل وابتدار مشاريع
وقالت مجموعة من السيدات في حديثهن لـ”جبراكة نيوز” إنهن طالبن المنظمة النرويجية بعمل مشاريع تساعدهن على الإنتاج، أو توفير رأس مال لصنع الكسرة وطبخ الطعام وبيعه، بجانب التجارة في مواد الأكلات الشعبية، ولفتن إلى قرب شهر رمضان الذي يجعل التجارة في هذه الأشياء أمراً مربحاً، مثل صنع المشروب البلدي “الآبري” بجانب التجارة في الأواني المنزلية وغيرها.
وأجمعن على “أن السعي على الرزق أفضل من منح المنظمات الشهرية التي تصل مرة وتغيب أخرى” بتعبير إحداهن.
وقالت إحدى السيدات موجهة حديثها إلى المنظمات الدولية ووزارة الرعاية الإجتماعية: “إذا لقو لينا مشاريع خلاص وإذا ما لقو لينا يجيبوا لينا تراحيل نمشي بيوتنا”، في إشارة لعدم مقدرتهن في توفير مبالغ الترحيل إلى ولاية الخرطوم أو ولايات أخرى.
أواصر صداقة وعلاقات اجتماعية قوية
ورغم كل الصعوبات التي تواجه النازحين بالمراكز إلا أن هنالك علاقات إنسانية وطيدة نشأت بين أصحاب الهم المشترك داخل المراكز، وأمتدت أيضًا الصلات الإنسانية إلى المجتمع المستضيف.
وأبدت إحدى السيدات اللائي تحدثن إلى “جُبراكة نيوز” –أبدت أسفها وحزنها على جيرانها في المركز بسبب سفرهم وفراقهم، موضحة أنه خلال الأشهر الخمس السابقة نشأت علاقات طيبة وحميمة بين المقيمين داخل المركز، تشاركوا عبرها الهم والفرح.
وتابعت: “أصبحنا أسرة وأهل ومطبخنا واحد ونأكل ونشرب مع بعضنا العندو والماعندو”.
وقالت إن تواصلهم لم ولن ينقطع ويتابعون أخبار بعضهم البعض في الولايات المختلفة.
العودة العكسية للخرطوم خيار محتمل
وقال “رمزي” الذي يقيم في مركز طرفي في مدينة كوستي لـ”جبراكة نيوز” إن أبرز المشاكل التي تواجهم هي شح المياه، وانعدام المرافق العامة داخل المركز الذي يحتوي على عدد كبير من الأسر بينهم نساء وأطفال، ما يضطرهم للاستعانة بمنازل الجيران حول المركز، الأمر الذي وصفه بالمحرج ويؤثر على صحتهم النفسية.
أما صالح ادريس علق على حركة العودة إلى الخرطوم التي نشطت مؤخرا بالقول لـ”جبراكة نيوز” إن ما يمنعهم من الرجوع إلى الخرطوم بعد معاناتهم في النيل الأبيض بسبب ضيق فرص العمل، هو كلفة الترحيل الباهظة خاصة بعد أزمة الوقود التي دخلت فيها الولاية مؤخرا وبلغت سعر التذكرة 35 ألف جنيه للراكب الواحد.
وتابع إنه وبقية أفراد أسرته يحتاجون لمبلغ 350 ألف جنيه، بالإضافة لحوجتهم مواد تموينية في حالة سفرهم لعلمه بزيادة سعرها واحتمال انعدامها في الخرطوم، التي أيضًا لا يتوفر العمل فيها أيضاً، حسب ما قال.
صعوبات تواجه حتى المنظمات الدولية
إحدى المشرفات أو ضحت لـ”جبراكة نيوز” أنه بعد اتساع رقعة الحرب ووصولها لودمدني، فإن الكثير من المنظمات الدولية تخوفت من وصول الحرب للولاية فأنهت أعمالها وغادرت، وأكدت أن مركزها لم يجد أي دعم منذ ما يقارب الشهر.
وتابعت أن منظمة الغذاء العالمية سلمتهم في نهاية ديسمبر من العام المنصرم حصة المركز من الإغاثة الشهرية التي درجت على تقديمها، وأبلغتهم أن هذه اخر حصة لهم، وأشارت إلى أن الاستمارة التي ملؤوها لاستلام الإغاثة كانت لمدة 6 أشهر، إلا أن المنظمة أوقفتها في الشهر الرابع.
دخلت الحرب شهرها العاشر، وخلفت ما يزيد عن سبعة ملايين نازح ولاجئ، وآلاف القتلى من المدنيين، ومع انسداد أفق الحل السياسي، تمثل أوضاع العالقين والنازحين في السودان نذراً لأكبر الكوارث والأزمات الإنسانية في العالم ربما، إذ وصفت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، حركة النزوح في السودان بأنها “الأكبر في العالم”، فيما وصف مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، الأزمة في السودان، بأنها أسرع الأزمات العالمية نمواً.
أحدث التعليقات